سياسة وأمن » صفقات

ما أسباب تعليق الإمارات النقاشات حول طائرات "إف35" الأمريكية؟

في 2021/12/16

يوسف حمود - الخليج أونلاين-

لا تزال قضية بيع الولايات المتحدة مقاتلات "F-35" للإمارات، في مهب الريح، على الرغم من توقيع اتفاق التطبيع بين "إسرائيل" وأبوظبي قبل أكثر من عام، والذي كان مدخلاً لبيع المقاتلة للأخيرة.

وكانت أبوظبي وواشنطن تأملان التوصل إلى اتفاق مبدئي بشأن صفقة الطائرة المقاتلة من الجيل الخامس، والتي تكلف أكثر من 23 مليار دولار إلى جانب أسلحة أخرى، لكن تطورات أخيرة على المشهد قد تقضي على أي اتفاق بين الجانبين، وتدفع أبوظبي للجوء إلى خياراتٍ أخرى.

وأبرز تلك الخيارات التي حدثت مؤخراً، دخول فرنسا على الخط بعد توقيع الإمارات معها على صفقة ضخمة لشراء مقاتلات؛ وهو ما دفع أبوظبي إلى الإعلان صراحة عن نيتها التراجع عن شراء "إف-35"؛ للتخلص من الاشتراطات الأمريكية، خصوصاً بعد قلق الأخيرة من أن تحصل الصين على تقنيات حساسة في الإمارات.

تلويح إماراتي

في أحدث تصريحات حول صفقة "إف-35"، لوَّحت الإمارات في 14 ديسمبر، بإلغاء الصفقة الضخمة؛ احتجاجاً على الشروط "المرهقة" للرئيس الأمريكي جو بايدن على خلفية الهواجس حيال الصين. 

وأعلنت الإمارات أنها أبلغت الولايات المتحدة تعليق المناقشات المرتبطة بالصفقة، مشيرة في بيانٍ لسفارتها في واشنطن إلى أنها "قد تستأنف هذه النقاشات مستقبلاً بعد المراجعة وإعادة تقييم البرنامج (تصنيع مقاتلات إف-35)".

وأرجع البيان قرار تعليق الصفقة في الوقت الحالي إلى "إعادة تقييم المتطلبات الاستراتيجية وتكاليف وفوائد هذه المقاتلات".

وتابعت: "أدت التطورات التكنولوجية والديناميكيات الإقليمية المتطورة والأولويات الجديدة إلى إعادة التقييم"، لافتة إلى أن واشنطن وأبوظبي "تعملان نحو تفاهم من شأنه أن يعالج ظروف أمن الدفاع المشترك".

وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال" نقلت عن مسؤول إماراتي، قوله إن بلاده أبلغت الولايات المتحدة أنها ستعلق المناقشات بشأن "إف-35" الأمريكية الصنع، والتي كانت ضمن صفقة تشمل أيضاً طائرات مسيرة وذخائر متطورة أخرى.

وقال المسؤول: إن "الاشتراطات الفنية والقيود على العمليات وتحليل التكاليف والفوائد أدت إلى إعادة التقييم"، مضيفاً: "أمريكا ما زالت المورِّد المفضل لدولة الإمارات فيما يتعلق بمتطلبات الدفاع المتقدمة، وقد يعاد فتح المناقشات بشأن الطائرة إف-35 في المستقبل".

وأضاف: إن هناك مناقشات "لمعالجة شروط أمن الدفاع المشترك من أجل الشراء".

رد أمريكي

وعقب تلك التصريحات، أكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، خلال زيارته لماليزيا، في 15 ديسمبر، استعداد بلاده للمضي قدماً في بيع طائرات "إف-35" وطائرات مسيرة للإمارات إذا كانت لا تزال مهتمة بذلك.

وفي ذات السياق، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون"، أن الولايات المتحدة ملتزمة مع الإمارات لمعالجة القضايا المتعلقة بصفقة مقاتلات "إف 35" الأمريكية.

ونقلت قناة "الحرة" الأمريكية عن البنتاغون، قوله إن الشروط المتعلقة بكل صفقة عسكرية تبرمها الولايات المتحدة قد تكون مختلفة وفقاً للظروف، مؤكداً أنه سيتم بحث هواجس صفقة طائرات "إف-35" مع الإمارات في الحوار العسكري المشترك المقرر بواشنطن.

فيما قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن إدارة الرئيس بايدن ما زالت ملتزمة بصفقة طائرات إف-35 مع الإمارات.

وقال: "كما أكدنا مؤخراً في معرض دبي الجوي فإن إدارة بايدن-هاريس ملتزمة بالمبيعات المقترحة لطائرات إف-35 وإم كيو -9 بي والذخيرة حتى مع استمرارنا في المشاورات؛ لضمان أن يكون لدينا تفاهم متبادل وواضح بشأن التزامات وإجراءات الإمارات قبل التسليم وفي أثنائه وبعده".

أبعاد متعددة

"القضية لها أبعاد متعددة"، بهذه الكلمات وصف الباحث في العلاقات الدولية، د.عادل المسني، تطورات قضية صفقة طائرات "إف-35"، مشيراً إلى أنها لم تكن سوى "أحد مظاهر توتر العلاقات بين الجانبين".

ويقول المسني لـ"الخليج أونلاين": "علينا أن نتذكر أن الإمارات كانت الحليف المفضَّل للإدارة الأمريكية السابقة، لكن المشهد تغيَّر مع الإدارة الجديدة التي جعلت من أولوياتها تخفيض وجودها بالمنطقة، في سياق الانشغال بمواجهة الأزمة الدولية المتمثلة بالتحدي الصيني".

ويشير إلى أن "عزوف الولايات المتحدة الأمريكية عن التغطية لحلفائها في المنطقة، أحدث شرخاً في العلاقة وفتور متزايد، وأثر بشكل مباشر في وظيفة ودور الإمارات الإقليمي".

ويرى أن دور الإمارات في المنطقة "انكمش بشكل ملحوظ بما شجع منافسيها على لعب أدوار مهمة عوضاً عنها"، معتبراً أن ذلك الأمر "أجبر الإمارات على  مراجعة شاملة لسياستها الإقليمية، فانفتحت على كل دول الإقليم، وليس الإقليم فحسب؛ بل البحث عن فرص تعاون مع لاعبين دوليين، ووطدت علاقاتها مع الصين والدول الأوروبية".

كما رأى أن تلك الخطوات "أظهرت امتعاضاً من واشنطن، خصوصاً من انخراطها (الإمارات) مع الصين، والذي جاء على شكل تحذير من أمريكا لها، إضافة إلى أن الانفتاح على إيران أيضاً جلب لها بعض المشاكل".

ويعتقد أن فرنسا وسط هذا التوتر "استغلت حالة الفتور فاندفعت إلى الخليج؛ لملء الفراغ والاستفادة من المتغيرات الإقليمية والدولية".

ويؤكد أن أهم أدوات التأثير في المجتمع الدولي "تكمن في الثروة النفطية وإمكانات دول الخليج الكبيرة وقدرتها على المساومة، إذ تتسابق الدول الكبرى على كسب ثقة دول الخليج وحثها على عقد صفقات تجارية وأمنية وعسكرية واقتصادية".

ويضيف في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "تحاول الإمارات اللعب على وتر المصالح؛ لجذب حلفاء وبناء علاقات تعاون، مستفيدة من إمكاناتها المادية بما يدعم طموحاتها، حيث تتطلع إلى ممارسة دور إقليمي"، لافتاً إلى أنها "لن تدخر جهداً للبحث عن لاعبين دوليين وإقليميين لتحقيق أهدافها".

ويتابع: "كما أن السياقات الإقليمية والدولية المتغيرة تجبر الدول، وضمنها الإمارات، على تغيير استراتيجيتها طبقاً لتلك المتغيرات".

صفقة مع فرنسا

هذه التطورات جاءت بالتزامن مع انطلاق الحوار العسكري الاستراتيجي الأمريكي-الإماراتي، في مقر وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) بالعاصمة واشنطن، (15 ديسمبر 2021).

وتستمر الاجتماعات بين مسؤولي البلدين على مدار يومين، حسبما نقلت وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية.

وجاء الإعلان بعد أيام من إبرام الإمارات مع فرنسا عقداً لشراء 80 مقاتلة "رافال" بقيمة 14 مليار يورو (3 ديسمبر)، في مؤشر على وجود بدائل لدى الإمارات، كما وقعت اتفاقية لشراء 12 طائرة مروحية من طراز "كاراكال".

وكانت واشنطن قالت في 10 نوفمبر 2020، إنها وافقت على بيع حزمة من العتاد العسكري المتطور للإمارات بقيمة 23.37 مليار دولار، تشمل ما يصل إلى 50 طائرة "إف-35 لايتنينغ 2"، وما يصل إلى 18 طائرة مسيَّرة "إم.كيو-9بي"، ومجموعة من الذخائر "جو-جو" و"جو-أرض"، عقب قبول "إسرائيل" إتمام الصفقة على خلفية تطبيع العلاقات بينهما.

وفي يونيو من العام الجاري، طلبت إدارة بايدن من الإمارات إزالة معدات "هواوي" من شبكاتها في غضون السنوات الأربع المقبلة، قبل موعد تسلُّمها طائرات "إف-35" في 2026 أو 2027، وإلا فستفقد الصفقة، في إطار الحرب التجارية الأمريكية الصينية.

وتعود رغبة الإمارات في شراء مقاتلات "F-35" لأعوام سابقة، حسب مجلة "أخبار الدفاع" الأمريكية، التي نشرت في 4 نوفمبر 2017، تقريراً تحدَّث عن رفض واشنطن طلبات متكررة من أبوظبي منذ عام 2014، للحصول على هذا الطراز المتقدم من المقاتلات.