دول » السعودية

(الإعلام السعودي).. فشل متواصل يحتاج خطوات عملية للإصلاح

في 2016/02/23

شؤون خليجية-

هلل آلاف السعوديين حين أعلنت وزارة الثقافة والإعلام السعودية عن إطلاق أول خدمة إعلامية باللغة الفارسية لنقل وقائع ومناسك وأحداث حج العام الماضي واعتبروها مرحلة جديدة تمكنه من إيصال رسالته الإعلامية الإنسانية إلى دول العالم بلغات مختلفة بينها الفارسية، وزاد التهليل حين بدأ الإعلام السعودي يتناول قضايا الأحواز ويصطف مع مطالبهم ضد القمع الإيراني، واعتبروها بداية حقيقة لتصحيح مسار الإعلام السعودي.

إلا أن الفرحة لم تكتمل بعد أن توالت فضائح القنوات المستقلة والصحف السعودية وآخرها فضيحة قناة "العربية" التي نشرت مقطع فيديو يدعم حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، والذي اعتبره النشطاء طعنة في ظهر السعوديين، ورغم أن قناة "العربية" قناة مستقلة لا تنتمي للإعلام الرسمي إلا أن النقد كله انصب ناحية وزير الإعلام ورئيس القناة تركي الدخيل وخرجت مطالبات تناشد بإقالتهما بل ومحاكمتهما أيضا معتبرين السماح ببث هذه الأفكار بمثابة خيانة حرب تستوجب المسألة والمحاكمة خاصة أن المملكة تشن حربا غير مباشرة ضد إيران.

غياب منصة إعلامية عالمية البث

انتقد مراقبون فشل المملكة وعجزها في صنع منصة إعلامية عالمية البث ووطنية الانتماء، مستنكرين اعتماد الإعلام الرسمي على ردود الأفعال دون تعمد تنوع الآراء مما يضعفه أمام المتلقي، فضلا عن تركه المجال لفرض الرؤية الإيرانية، خاصة أن إيران ركزت مجهودها في فتح القنوات الشيعية التي يشير مراقبون إلى أنها تتجاوز الـ200 قناة شيعية تتمثل وظيفتها الرئيسية في حشد الشارع الشيعي لصالحها، كما تمرر إيران مواقفها الرسمية عبر أبواقها الإعلامية الناطقة باللغة العربية.

ومع تواصل الحشد الإعلامي الإيراني ضد المملكة، لم يأت الرد السعودي على المستوى الرادع والمواجه للخطة الإيرانية، التي تدمج بين ما هو سياسي وما هو ديني، وتظهر الاحتقان الاصطفاف السياسي ذروته عندما يتعلق الأمر بـ"الوهابية" التي تتعرض دائما لهجوم مستمر، وتحميلها كل أوزار المشكلات التي تعاني منها المجتمعات العربية والإسلامية، خاصة تلك التي تتعلق بنزعات التشدد والاحتقان الطائفي، فتلك القنوات بشكل عام تؤكد تسييس الوضع الحالي للمجتمع العربي لصالح المذهب الشيعي، وتبني خطابا سياسيا موحدا، خاصة في الموقف من التكتلات السنية المتمثلة في خطابهم بالوهابية السعودية.

مطالب بإصلاح جذري

يرى الإعلامي السعودي عبدالله المفلح، أن الإعلام في المملكة هو "الوحيد في دول الخليج العربي الذي يهاجم شعبه ويسخر منه". وقال في تغريدات على حسابه على "تويتر": "إن الوحيدين الذين لا يعتبرون إعلامهم يمثلهم هم السعوديون.. يجب إصلاح الإعلام السعودي جذريًا.. شبعنا ممن يصفنا بالتخلف والانحطاط والنفاق".

وأضاف: "لا تجد إعلاميًا خليجيًا واحدًا يهاجم شعب بلده بالطريقة التي يهاجم فيها الإعلاميون والكتّاب السعوديون شعبهم ويلفقون عليه ويجعلون منه مادة للسخرية".

إستراتيجية للنهوض بالإعلام السعودي

وبدوره، وضع الإعلامي والأكاديمي السعودي الدكتور مالك الأحمد، إستراتيجية للنهوض بالإعلام السعودي، في ظل حالة الجدل المثارة حاليًا، والتي تنتقد وضع الإعلام بالمملكة، مشيرًا إلى أن الخطوة الأولى هي تحديد الهوية.

وأوضح "الأحمد"، في تصريحات خاصة لـ"شؤون خليجية"، أن المملكة بلد منطلقها الإسلام كما جاء في المادة الأولى من نظام الحكم، التي تقول إن "المملكة العربية السعودية، دولة عربية إسلامية، ذات سيادة تامة، دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم".

وأكد على ضرورة أن يعي الإعلام السعودي "ماذا نريد ومن نريد وما هي رسالتنا للمجتمع المحلي، وما هو خطابنا للعالم كافة"، وتحديد الآليات المناسبة لتوجيه الجمهور المحلي ومخاطبة العالم الخارجي، واختيار الأكفاء وأصحاب الهمم والمخلصين، بعيدًا عن النفعيين وأصحاب المصالح الشخصية وهم كثر، وأيضًا الدخلاء على المهنة ومستخدميها سلمًا لطموحاتهم.

وأضاف الإعلامي والأكاديمي السعودي، أن النهوض بالإعلام السعودي يتطلب التعاون والتكامل بين الإعلام الرسمي والقطاع الخاص، وتأكيد مواءمة خطابه لما ينبغي، فضلًا عن التأكيد على السياسة الإعلامية للمملكة العربية السعودية التي أقرها مجلس الوزراء (مع التعديل بما يناسب المرحلة من طبيعة الخطاب في وقت سيطرة الإعلام الاجتماعي)، وإلزام الجهات الحكومية قبل الخاصة به.

وحث على ضرورة أن يعبر الإعلام السعودي عن سياسة الدولة بطريقة صحيحة مهنية، بعيداً عن التسويق المبتذل للقرارات والمواقف وبطريقة تعطي آثارًا عكسية، وأن يكون إعلام حرب وقت الحرب، وإعلام سلم وقت السلم (من يشاهد الإعلام السعودي اليوم لا يظن أن الدولة في حالة حرب ).

مطالب بإعلام يعبر عن شعبه

وقال "الأحمد": إن الإعلام السعودي يحتاج أن يعبر عن الشعب ومقوماته "الإسلام دين والتراث المحلي الشعبي والقيم الاجتماعية الأصيلة"، وألا يقدم محتوى معاكسًا ومخالف لدستور الدولة وما قامت عليه من أسس دينية، وأن يبني الإعلام مجتمعًا في الجانب المعرفي والثقافي والقيمي والتنموي، وأن يكون إعلامًا مهنيًا يعتمد على عناصر الجودة في المحتوى والشكل.

وشدد على ضرورة السماح بتكوين هيئات شعبية تراقب الإعلام وتقدم الرأي والتوصيات وتعكس آراء الناس، مطالبًا بإعادة صياغة الهيئات الحالية "هيئة المرئي والمسموع، هيئة الإذاعة والتليفزيون، وزارة الإعلام"، بما يحد من التداخل ويقلل من الأخطاء الإدارية، ويسمح بتطوير المحتوى.

وحث "الأحمد" على التوسع في إعطاء الإعلام الأهلي الفرصة في العمل بشكل نظامي، ورفع القيود في التراخيص، وتسهيل البث من داخل السعودية، وتخفيف القيود على تأسيس المشاريع الإعلامية والمؤسسات والشركات، وتسهيل إجراءات التراخيص، وتقليل تدخل جهات متعددة (الإعلام التجارة  العمل).

وأكد على ضرورة محاسبة المخطئ ومعاقبة المقصر من خلال الأجهزة القضائية فقط، بعيدًا عن تدخل الجهات التنظيمية (وزارة الإعلام واللجنة الإعلامية)، ووضع ضوابط عامة لمن يبث محتوى إعلاميًا على الأراضي السعودية متناغمًا مع السياسة الإعلامية، وبهامش حرية واسع دون الإخلال بالنظام العام، وإعطاء الحق للمواطن في التظلم الشخصي والاعتراض على المحتوى الإعلامي، مادام له علاقة بالدولة نظاميًا وإداريًا.

وتحدث "الأحمد" عن ضرورة إلغاء الرقابة على الإعلام تدريجيًا، وأن يوقع كل صاحب مشروع إعلامي أيًا كان شكله مادام مرخصًا محليًا، أن يلتزم بالضوابط العامة، ويحق للدولة الاعتراض وتقديم الشكوى للجهات القضائية في حال خالف المحتوى الضوابط.

وانتقل للحديث عن "الصحف السعودية"، مشيرًا إلى أن التراخيص مازالت موقوفة، ويفترض فتح المجال بالكامل للمنافسة الحقيقية والبقاء للأصلح، ورفع يد الرسمية عن الصحف في جانب الاشتراكات الداعمة، والتدخل في المحتوى، وإقالة الكتاب، وإزالة رؤساء التحرير.

وفيما يتعلق بالإذاعات الخاصة، انتقد "الأحمد" سيطرة فئة متنفذة بحكم القدرة المالية، مطالبًا بفتح المجال بالكامل للإذاعات، وأن تكون على شكل متخصص "دينية ثقافية منوعة، وأن تكون برسوم يسيرة دون مزايدات مالية تجعل القوي يتحكم."