دول » عُمان

الله عز وجل عالم الغيب والشهادة .. وعِلمهُ ذاتي مطلق

في 2016/01/23

عمان اليوم-

أوضح فضيلة الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام للسلطنة أنه لا أحد يعلم الغيب إلا الله سبحانه وتعالى مصداقا لقوله سبحانه : «وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ»، وبيّن فضيلته أن الله عز وجل استأثر بعلم الغيب لنفسه لأن معرفة الأمور الغيبية واقعة ضمن دائرة منزلة الألوهية، وهي لله تعالى وحده، وحتى يبين سبحانه وتعالى لعباده أنه لا أحد يمكن أن ينازعه هذا الكبرياء أو أن يشاركه هذه العظمة والجلال، ودعاهم سبحانه وتعالى إلى الإيمان به، ومن لوازم الإيمان أن يؤمنوا بصفاته العليا وبأسمائه الحسنى وبقدراته المطلقة.
وقال فضيلته إن ديننا الحنيف أمرنا بالبحث في هذا الكون وسبر أغوار هذه الحياة واكتشاف نواميسها وسننها وإزالة حجب المجاهيل عنها. وبين أن الإسلام جاء لإبطال كل ما يندرج في مفهوم ادعاء علم الغيب، كالكهانة والعرافة والتنجيم والشعوذة والدجل.
وذكر فضيلة الدكتور أن مما توصلت إليه آخر الأبحاث العلمية أن التدين مكون أصيل في تركيبة دماغ الإنسان، ذلك أنهم اكتشفوا أن هناك مناطق متعلقة بالدين أو بالجانب الروحاني كالصلوات والذكر، وأن هذه المناطق تتحفز وتتنشط بممارسة الشعائر التعبدية، فإذا ابتعد الإنسان عن ممارسة الشعائر الروحية فإنها تضمر تدريجيا. جاء كل ذلك في برنامج سؤال أهل الذكر بتلفزيون سلطنة عمان، فإلى المزيد مما جاء فيه …
وقال فضيلته: إن الله سبحانه وتعالى استأثر بعلم الغيب عنده، ولذلك قال سبحانه: «قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ» وقال: «وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ»، وذلك لأن هذه المنزلة هي منزلة الألوهية، وهي منزلة الربوبية، فالله تبارك تعالى بيده كل شيء، وإليه يرجع كل أمر، هو جل وعلا ذو الكبرياء والعظمة، وذو العلم المطلق، والقدرة المطلقة؛ ولذلك فإنه لا التباس في أن هذه المنزلة منزلة الألوهية إنما هي لله تعالى وحده، ولذلك فإنه سبحانه وتعالى استأثر بعلم الغيب عنده، وهو عالم الغيب وهو عالم الشهادة، وإليه مرد كل أمر، وبيده تدبيره، وهو جل وعلا يبين لعباده أنه لا أحد يمكن أن ينازعه هذا الكبرياء أو أن يشاركه في هذه العظمة وهذا الجلال، ويدعوهم إلى الإيمان به، ومن لوازم الإيمان أن يؤمنوا بصفاته العليا وبأسمائه الحسنى وبقدراته المطلقة وبجلاله وهيبته وعظمته التي تليق بجلال وجهه وكريم صفاته سبحانه وتعالى. ولا تداني هذه المنزلة أي منزلة لأي ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا أحد من البشر أبدا، ولهذا استأثر الله تبارك وتعالى بعلم الغيب عنده حتى يكون كل في منزلته التي جعلها ربنا جل وعلا له ، فالله سبحانه وتعالى هو خالق كل شيء ، وهو المتصرف في هذا الكون، وهو الذي أعطى العباد والمخلوقات منازلها ومكانتها في هذه الحياة الدنيا، وهو الذي يرجع الأمر كله إليه، وهو رب السماوات والأرض، وهو رب الدنيا والآخرة؛ كل هذا حتى يعرف الخلق أقدارهم، فلا يجاوز هذه الأقدار ولا ينازع الله سبحانه وتعالى ما استأثر به لنفسه، وليس لهم أن ينزلوا أحدا منهم حتى وإن كان نبيا مرسلا من عند الله تعالى منزلة التقديس والألوهية والربوبية.
غيب حقيقي.. وغيب إضافي
وبين فضيلة الدكتور الخروصي أن العلم بالغيب المطلق إنما هو علم ذاتي لله سبحانه وتعالى، وما يظهره الله سبحانه وتعالى لبعض عباده إنما هو غيب بمعناه الإضافي؛ فحينما يؤثر الله عز وجل بعض عباده فيطلعهم على بعض عالم الغيب، يكون هذا الغيب غيبا إضافيا، فقال: «الغيب الذي يعلمه الله تعالى واستأثره لنفسه هو غيب حقيقي، لأنه لم ينكشف لأحد، وأما ما يكشفه من بعض ما هو معلوم مما سوى عالم الشهادة، – وعالم الشهادة يقصد به ما هو ملموس ومحسوس وما يدرك بالحواس – وما سوى ذلك هو من عالم الغيب، فما يمكن أن يظهره الله عز وجل على بعض عباده يطلق عليه أنه غيب إضافي». يسمى غيبا إضافيا لأن الله تبارك وتعالى أظهر عليه بعض عباده، وهذا يمكن أن نفهمه من أدلة من كتاب الله سبحانه وتعالى ، كقوله : «عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا ، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ».

علم ذاتي مطلق
وقال فضيلة د. الخروصي إن الله عليم بالغيب والشهادة، وأن علمه مطلق وذاتي، ومعنى أنه علم ذاتي أي أنه علم غير حاصل بالتكسب وبالتحصيل وبالمعالجة، وإنما هو علم ذاتي تنكشف هذه المعلومات لذات الله تبارك وتعالى؛ لأن من صفاته سبحانه وتعالى أنه العليم بكل شيء، وهذا الذي يمكن أن ندخل منه إلى فهم ما يظهره الله سبحانه وتعالى لبعض عباده بنص كتاب الله عز وجل حينما قال: «عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ»، فنص كتاب الله سبحانه وتعالى على أنه يظهر بعض من يصطفيهم من رسله ببعض الغيب، وحينئذ فإن هذا الغيب يكون غيبًا إضافيا؛ لأن الله تبارك وتعالى أطلع عليه بعض من اصطفاهم من رسله الكرام، عليهم الصلاة والسلام، والنبوة ذاتها هي ليست كسبية، فالنبوة نفسها إنما هي اصطفاء من الله تبارك وتعالى لبعض عباده المصطفين الأخيار، الذين تهيأت نفوسهم وأظهروا من الاستعداد ما يؤهلهم لهذا الاصطفاء من الله تعالى؛ فلا غرابة أن يطلعهم الله على بعض عالم الغيب الذي لم يطلعه على أحد من خلقه؛ لأن ذات النبوة التي أيدهم الله بالمعجزات لها لدعوة الناس إليها مبشرين ومنذرين، وجعلها حججا على العباد لتصديق الأنبياء والمرسلين هي في ذاتها اصطفاء واختيار من الله تعالى؛ وإلا فهي من عالم الغيب، لكن الله تعالى يقيم عليها من الأدلة والشواهد، ويؤيد أنبياءه بالحجج والبراهين، ما يقيمون به الحجة على الناس الذين بعثوا فيهم.
وأضاف فضيلته: إن هذا الذي يظهره الله على بعض أنبيائه مما كان مخفيا محجوبا عنهم، لا يقتصر حاله فيما يتعلق أن يكون في أمور السياسة، أو كما يظنه كثير من الناس؛ بل قد يشمل ويتناول مواضيع شتى، فقد يتناول ما يتعلق بالحكم والسياسة، أو الحوادث والأخبار التي تقع للناس، أو بعلامات الساعة، أو بما يمكن أن يحصل من سائر المواضيع وفي مختلف المجالات؛ إلا أن عناية الناس بما يتصل بالحوادث السياسية أو بالحكم والمداولة بين الناس، تجعل تغليب هذا الجانب على ما سواه؛ وإلا فإن من أظهر ما نجده في سنة النبي صلى الله عليه وسلم – وهو موافق لكتاب الله عز وجل – ما يتعلق بفطرة هذا الإنسان، فقد ورد عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وقد صحح وحسن الحديث جملة من علماء المسلمين –  الحديث: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» وهذا موافق لما في كتاب الله سبحانه وتعالى في قوله جل وعلا: « فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ» وفي قوله : «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا …» اليوم من أحدث ما توصل إليه علماء الأعصاب والمخ والدماغ أن التدين هو مكون أصيل في تركيب دماغ هذا الإنسان، وسموا هذا العلم المعني بهذا النوع : علم الأعصاب المتعلق بالإلهيات، أو بالدين، ومن أشهر علماء الأعصاب ومن رواده في تشريح الدماغ في أرقى الجامعات الغربية عالم أعصاب يسمى أندرو نيوبيرغ، أمريكي بالإضافة إلى فريق من العلماء منهم من حاز جائزة نوبل ، وعنوان هذا المقال الذي نشر في عدة مجلات علمية هو: هل دماغ البشر موصول بالخالق توصيلا وثيقا؟ هذا هو عنوان المقال. هذا العالم يقول في الدماغ بعد تشريحه : وجدت مناطق متعلقة بالدين، ومتعلقة بالجانب الروحاني كما يقولون، أو بالممارسات الدينية أو التعبدية كما نسميها نحن، كالخلوات والذكر وغير ذلك من الأمور، وأن هذه المناطق تحفز وتنشط وهي موجودة في دماغ هذا الإنسان، وإذا ابتعد عن هذه الأنواع من العبادات كالصلوات والذكر والتبتل والصلة بالخالق فإنها تضمر تدريجيا، وإن نشطت وحفزت فإنها تتفاعل وتتنشط ويتجاوب معها هذا الإنسان . الآن من أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم – بهذه الحقيقة ؟ إنما هو وحي من عند الله تبارك وتعالى، وكشفه صلى الله عليه وسلم وبلغه لأمته. وإذا بنا اليوم نرى هذا العلم ، وكم نتمنى أن يقوم علماؤنا وأطباؤنا المشتغلون بعلوم الأحياء وبعلوم تشريح الدماغ والأعصاب أن يكشفوا أمثال هذه الأبحاث للناس، لأنها من المجالات الحديثة التي تنشر في الدوريات العلمية المعاصرة، فينبغي أن تنقل للناس.
وهم يقولون في هذه المقالات بأن هناك انحسارا للمد الإلحادي في علم البيولوجيا وعلم وظائف الأعضاء، بسبب هذه الاكتشافات المعاصرة. ويعدون هذا الاكتشاف كمثل اكتشاف الـ(دي إن أي) في الستينات أو الخمسينات من القرن الميلادي الماضي. هذا مثال فقط، لنوع مما ورد في سنة النبي صلى الله عليه وسلم مما يعد من الغيبيات، وهناك أمثلة أخرى كثيرة.
التثبت من صحة الروايات
وشدد فضيلة الدكتور كهلان الخروصي في مسألة التثبت من صحة الروايات إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال:  لا يصح أن ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان ضعيفا أو موضوعا، لأن في هذا المجال نجد الكثير مما أدخله الكذابون والوضاعون والقصاص، وذلك لشدة تعلق الناس بمعرفة ما يمكن أن يحدث في المستقبل أو ما يعرف بالمستقبليات، وتطلعهم للكشف عن شيء من أمور الغيب، فما كان ضعيفا، فضلا عما كان موضوعا مختلقا ومدلسا على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلا يصح أبدا أن ينسب إلى رسول الله ، وأن يستشهد به في هذا السياق، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقله ، وهذا حتى عند من يتعلقون بالحديث الضعيف خفيف الضعف ، ليس هذا من فضائل الأعمال حتى يقال بأن هناك أدلة عامة تشهد له، لأن هذا يتعلق بالغيبيات التي لا يصح إلا أن يكون الحديث فيها صحيحا.
إبطال الدجل والشعوذة
وأوضح فضيلة الدكتور أن الإسلام جاء لإبطال كل الأنواع التي  تندرج في الكهانة والعرافة والتنجيم، وعدها من الشعوذة والدجل، وقال: نحن نتحدث هنا عن ما يدعيه هؤلاء المدعون من علمهم الغيب، ومن تواصلهم مع قوى خفية خارقة، ومع الجن والشياطين والعفاريت، أو ما سوى ذلك ، فيدعون أنهم يعلمون الغيب، وسير هذه الحياة وحوادثها، وعما يمكن أن تؤول إليه الأحداث، كل هذا مما حذر منه الدين الحنيف، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله : «من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه فيما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم»، وورد أيضا : «من اقتبس علما من النجوم فإنما اقتبس علما من السحر فمن زاد زاد».
وبين د.الخروصي أن الإسلام دعانا وأمرنا بالدراسة والبحث فيما يتعلق بعلم الفلك، الذي نعرفه اليوم وهو القائم على دراسة الأجرام السماوية ودراسة حركتها وسيرها وبيان ما يصاحب هذه الحركة أو السير.
وأوضح أن هناك نواميس وقوانين أودعها الله سبحانه وتعالى في هذه الحياة وهي من عالم الشهادة مما هو محسوس مدرك ، فحينما يتوصل الإنسان إلى دراسة هذه الظواهر ومعرفة نظامها وقوانينها ونواميسها ، والنتائج المترتبة عليها ؛ فإن هذا ليس من علم الغيب أبدا؛ بل هو علم من عالم الشهادة، الذي دعانا هذا الدين إلى البحث فيه والنظر وسبر أغوار هذه الحياة واكتشاف نواميسها وسننها وإزالة حجب المجاهيل عنها، هذا مما دعانا إليه ديننا، وقال: «وإن الذي حذر منه هذا الدين هو كل ما يتصل بادعاء الغيب دونما أدلة من عالم الحس والشهادة، أو أن يكون ذلك من خلال اللجوء إلى الادعاء أو الدجل أو التنجيم ، بمعنى إسناد وقوع حوادث إلى حركة هذه النجوم لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم – قال في الحديث القدسي: «قال أتدرون ما قال ربكم ، قالوا الله ورسوله أعلم، قال ربكم: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي، فمن قال مطرنا بنوء كذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب، ومن قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب «لأن إسناد هؤلاء لهذه الحوادث إنما كان للكواكب وللأجرام السماوية، لا إلى تدبير الله عز وجل لها ولا إلى حركتها»
وأضاف: هناك ما يعرف بالمواسم الزراعية على سبيل المثال، وهذه مرتبطة بمواسم زمنية معينة، وترتبط بها ظروف جوية ومناخية معينة، هذه اكتشافها إنما كان بتتبع وإعمال عقل وبدراسة لهذه الأنظمة ، توصل من خلالها الباحثون والعلماء إلى نتائج وهذه النتائج علمية ومادية محسوسة، وهذا لا إشكال فيه، لكن أن يأتي مدع ويتحدث عن مصائر الناس وعن حوادث تحصل، وعن ما يمكن أن يقع ، وعن موت فلان وقتل آخر، وحياة آخر، فإن هذا كله من الشعوذة والدجل، ولا يصح اللجوء إليهم.