مجتمع » أسرة

(أسر الإرهابيين).. انعزال نفسي ومعاناة اجتماعية

في 2015/10/10

الرياض السعودية-

لم تتوان المملكة في مكافحة الإرهاب والتطرف الديني والانحرافات الفكرية الضالة والتصدي لكل من تسول له نفسه بالعبث في أمنه وخيانته، إلا أن يدها الرحيمة تحنو على أبنائها لتعيدهم إلى طريق الحق والصواب، ببرامج تأهيلية يقودها أخصائيون وأكاديميون على مستوى عال من الخبرة، بالمناصحة والرعاية والتأهيل وبالرعاية اللاحقة، ولم تكتف بذلك، بل حرصت أيضاً على ضم أسرهم، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي والمادي بجلسات نفسية وطبية، لمعالجة الصدمات والرواسب العاطفية، وإدماجهم بالمجتمع، ودفع مخصصات مالية تساعدهم لتجاوز الظروف الحياتية الصعبة.

منحرف سلوكي

تتحدث الأخصائية الاجتماعية بمستشفى الملك خالد فادية العبدالواحد حول معاناة تلك الأسر من زاويتين حادتين، اولهما صدمة اكتشاف نوايا أبنائهم، والأخرى غضب المجتمع عليهم، إلا أن دولتنا تنتهج قوله تعالى: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)، فأسرة الإرهابي كغيرها من الأسر التي تعاني مع أبنائها وتربيتهم خلال مراحل حياتهم المختلفة، إلا انها غير مسؤولة عن خياراته اللاحقة، فالإرهابي هو بالتأكيد منحرف سلوكي، ترفض أي أسرة انحرافه وسلوكه العقيم، وتحاول جاهدة وبشتى الطرق تقويمه، فالكثير من المنحرفين السلوكيين يقوم بأذية نفسه أو غيره جسدياً ونفسياً، تصل إلى القتل في أحيان كثيرة، لكنها تصنف ضمن الجرائم الفردية الشخصية.

وتضيف العبدالواحد: الارهابي أو "الخارجي" هو شخص ضد وطن وأرض وأهل، لذلك كثير من الأسر يشوش عليها تلك التصرفات، ما بين مراهقة جامحة وتغيرات هرمونية، أو انحرافات سلوكية خطيرة، وقليل منها من تدرك أنه قنبلة انتحارية متحركة، فالعديد من الآباء والأمهات يخدع بتلك المظاهر الدينية التي ينتهجها ابناؤهم فجأة، ظناً منهم أنها أخيراً علامة صلاح وورع، ومع ذلك نماذج استثنائية من أب وأم قاما بتسليم فلذة كبدهما إلى الجهات الرسمية، بعدما أحسا أن من ربوه صغيراً لم يعد كما كان، ليسطروا بذلك أسمى معاني الوطنية بالرغم من خسرانهم أغلى ما لديهم.

شخص غير سوي

وتشير الأخصائية الاجتماعية بمستشفى الملك خالد إلى أنه لابد أن نعرف أن الإرهابي شخص غير سوي 100%، فإما أن تكون طفولته مليئة بالإحباطات التربوية، أو عنف وإهمال أسري أو اجتماعي أو صدمات عاطفية، فهو شخص بائس محطم، تتلقفه ايدي الشياطين ليعبثوا بدماغه، وتكفير ذنوبه عبر تضحيته بنفسه، فيجتمع معها عنفوان المراهقة والشباب، فإن غابت المراقبة والمتابعة سهل جره إلى ذلك المستنقع، إن كان العكس فوالديه أو أخوته أنقذوه من شر خاتمة.

وأكدت فادية العبدالواحد أن الدعم المعنوي والنفسي من الوالدين مهم لتجنب ابنهما الوقع في براثين عديدة أولها الإرهاب، فأبنائنا غير معصومين من هذه السموم، فلابد ان نغير أنفسنا، فمهمتنا في الحياة تتعدى الإنجاب والتكاثر، وإنما نحرص على تهيئة جيل صالح لنفسه ودينه ووطنه، ونعلم أن المغفل هو من يلوم تلك الأسرة لتصرف ذلك الإرهابي الخارج عن الدين والإنسانية، فلا ننكر أن الأسرة هي البيئة الأولى، ولكننا نعلم أن هناك حلقات اجتماعية أخرى يندمج بها الانسان خلال مراحل حياته من مدرسة وشارع ومسجد وأصدقاء وغيرها.

وتضيف: لابد أن نركز أيضاً أن هناك مسؤولية اجتماعية لابد أن يربى الأبناء على الاهتمام بها، لإنشاء جيل صالح يخدم وطنه ويفتديه، إلا أن العديد يصر على إهانة تلك الأسرة وتجريمها بقسوه على ما فعلوه أبناؤهم، وما عانته من صدمة موت ابنهم والطريقة التي قتل بها نفسه والآخرين، ففضلت الانعزال بنفسها عن قسوة المجتمع وردود الفعل القوية التي تنتشر عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، فكما هو مؤلم رؤية ضحية تتعذب، فأسرة الارهابي نفسها تتألم بمرارة ما أصبح عليه ابنهم.

كفانا قسوة عليهم

تتفق الاستشارية الأسرية لطيفة الحمد بإصرار المجتمع على نبذ تلك الأسر، وتقول: كفانا قسوة، فموت الابناء مرارة بحد ذاتها، فكيف بخيانتهم لأهلهم وأوطانهم، فالكثير يتحدث عن إخفاق تلك الأسر لتربية ابنائها، لكننا لا نتقن فنون التربية كاملة، فلا يوجد أكثر مرارة حينما يكتشف هؤلاء أن ابنهم الذي ترعرع بين أحضانهم قد سلك مسلكا شيطانيا لا يمت لدين بصله، فما فعله ابنهم هو خيانة لوطن احتضنه ورعاه وسعى لحمايته وآمنه، قاما برعايته ليكون بصمة مميزة يدفع بها عجلة التطور والتقدم، ليكون طبيباً أو مهندساً أو جنديا تلهبه حرارة الشمس على الحدود، إلا أن صورته أبت أن تظهر في برامج الأخبار أو وسائل التواصل الاجتماعي كمطلوب أمني وإرهابي، ولا أصعب من ذلك إلا حينما ينهي حياة الأبرياء، بعدما غسل دماغه ليعادي أسرته ويحطمها قبل وطنه.

وتضيف الحمد: تضطر الكثير من امهاتهم إلى الانطواء والانكسار ظناً منهن انها قد اخفقت، ويعتزل والده حياته الاجتماعية لأن اصابع الاتهام توجه مباشرة له، فالحرقة تملئ صدورهم لابن خان وطن، ومجتمع لم يرحم ضعف حيلتهم وحسن نواياهم، ضاربين بعرض الحائط مشاعرهم بمقاطع فيديو وصوت حُفرت بذاكرة الجميع، ورسمت صورته الخارج عن دينه والعاق لوالديه والمجرم بمجتمعه، معتبرة إن أسر الارهابين كغيرهم من الأسر المكلومة بأبنائهم إلا أن الفقد واحد، فواجبنا كمجتمع واحد التخفيف من معاناتهم وشعورهم بالخزي، ولابد أن تكون هناك لجان خاصة داخل مؤسسات وجمعيات تعني بهم نفسياً واجتماعياً ومادياً وتأهلهم بالاندماج من جديد، وتنسيق برامج توعوية وإعلامية في الجامعات والمدارس والمعاهد، ينشرون من خلالها تجاربهم الحياتية المختلفة، من بداية تحول أبنائهم، إلى تجاوز الصدمة بخبرة التربويين والمدربين النفسيين والاجتماعين، ليستفيد الجميع من تجربتهم المرة وليسهل بها اندماجهم.