اقتصاد » احصاءات

تعثر إنجازه.. ميناء مبارك الكويتي يعود للواجهة مع "طريق التنمية"

في 2024/04/25

متابعات-

على الرغم من أن الخطوات الأولى لبدء العمل فيه انطلقت قبل نحو 17 عاماً، فإن العمل في "ميناء مبارك" في الكويت لا يزال عالقاً بين الخلافات الداخلية والخارجية وسط غضب برلماني كويتي من تجاهل الحكومات المتعاقبة لاستكماله.

ويمثل مشروع "طريق التنمية" الذي توافقت على إقامته الإمارات وقطر والعراق وتركيا ليربط الخليج العربي بساحل المتوسط ويختصر طريق النقل باتجاه أوروبا، مادة دسمة للجدل والنقاش على طاولة أعضاء مجلس الأمة الكويتي المنتخب حديثاً، ووسيلة مناسبة لتسليط الضغوط على حكومة تصريف الأعمال القائمة حالياً.

ومؤخراً أعلنت الكويت عن خطط لتخصيص 604 ملايين دولار لإنجاز مشروع ميناء مبارك الكبير خلال العام المالي 2024 - 2025، ما يطرح تساؤلات حول إمكانية أن يدفع "طريق التنمية" الكويت إلى المضي نحو إنجاز الميناء، أم أن الأزمات السياسية داخل البلاد ستفشل ذلك مرة أخرى؟

دق ناقوس الخطر

استفاقت الكويت، في الـ23 من أبريل 2024، على وقع توقيع اتفاقية رباعية بين تركيا والعراق والإمارات وقطر، للتعاون المشترك في مشروع "طريق التنمية" الذي تبلغ قيمته 17 مليار دولار.

وأُطلق المشروع، الذي يضم طرقاً وخطوط سكك حديد بطول 1200 كيلومتر، العام الماضي، بهدف تحويل العراق إلى مركز لتجارة الترانزيت بين آسيا وأوروبا، وكان من المفترض أن يكون ميناء مبارك الكبير الذي تأخرت الحكومات الكويتية المتتابعة في إنجاز تشغيله، أحد أبرز موارد الدعم للبلاد لوجستياً ومالياً.

ووسط مشاعر الإحباط مما اعتبر "تبخر الحلم الكويتي" في ميناء مبارك، ومشاعر الغضب الشعبية والنيابية والسياسية والاقتصادية، فإن الحكومة لم تعلق رسمياً على القضية، وسط تساؤلات عن أسباب التأخر الكويتي بعد 12 سنة من صدور مرسوم تطوير مدينة الحرير (الصبية وجزيرة بوبيان) ومن مشاريعها ميناء مبارك الذي بدأ العمل به في سبتمبر 2007.

ويعد الميناء من المشاريع التنموية التي حرصت الكويت على استكمالها من خلال وزارة الأشغال، ويتمثل في تنفيذ أعمال المسح الطبوغرافي وفحص التربة وأعمال الطريق التجريبي، وإنشاء طريق بطول 26 كم مكون من 3 حارات لكل اتجاه، وإنشاء الممر الترابي الأساسي لسكة الحديد بطول 21 كم، وإنشاء جسر للطريق بطول 1.42 كم، وجسر آخر مؤقت بطول 1 كم، وجسر للسكة الحديدية بطول 4.24 كم.

ولعل غياب الكويت نفسها، وعدم اشتراكها في التوقيع على هذا المشروع الحيوي، أثار العديد من علامات الاستفهام، خصوصاً أنها تتمتع بموقع جغرافي يمنحها امتيازات تجارية ولوجستية بالغة الأهمية.

غضب واسع

كما أن الخطوة الرباعية الإقليمية أحدثت صدمة نيابية في الكويت، فارتفعت الأصوات معبرة عن استيائها من التقاعس الكويتي في إنجاز مشروع حيوي ومهم للبلاد، وتوجهت اتهامات هؤلاء النواب رأساً صوب السلطة التنفيذية والحكومات المتعاقبة وصولاً إلى الحكومة الحالية، بالمسؤولية عن الإضرار بمصالح البلاد وإهدار فرصها التنموية.

واتهم النائب بدر نشمي الحكومة بالانشغال "بخلق حالة من عدم الاستقرار السياسي في البلد وغياب الرؤية، بينما دول المنطقة انشغلت بتوقيع اتفاقيات اقتصادية ستعود بالفائدة عليها وعلى شعوبها".

كما ركز النائب عبد الله المضف في تعليقه على مشروع طريق التنمية أيضاً على عامل فقدان الاستقرار السياسي، معتبراً أن غيابه، إلى جانب شغور المناصب القيادية، "والإهمال المتراكم لكل ما هو تنموي، نتيجته المزيد من الفرص الضائعة"، منبهاً الحكومة القادمة إلى ضرورة "معالجة كل تلك التحديات، وإلا فسيكون مصيرها الفشل والرحيل".

وقال النائب مهند الساير من جهته: إنه "في ظل ضعف القرار وصراع الكراسي، ينجح في الجانب الآخر من المعادلة الآخرون في تحقيق كل مشروع ضخم نحلم به". وأشار إلى أن البلد "ما زال يدار بحكومة تصريف الأعمال بعد تعاقب أربعة رؤساء وزراء وتسع حكومات وأربعة مجالس أمة خلال أربع سنوات".

وحرص النائب عبد الوهاب العيسى على "تأكيد عدم النية في التدخل في شؤون البلدان المشاركة في مشروع طريق التنمية، راجياً لها التوفيق، وكشف في الوقت ذاته أنه تلقى من الحكومة والأجهزة التنفيذية تأكيدات بأن قانون مدينة الحرير أصبح جاهزاً في صيغته النهائية بانتظار انعقاد مجلس الأمة كي يتم البدء في إجراءات إقراره".

بين الماضي والحاضر

سبق أن تسبب المشروع بتشنج العلاقة بين العراق والكويت، خاصة بعد أن طلبت بغداد التوقف مؤقتاً عن تنفيذ بناء الميناء لحين التأكد من خلو المشروع العملاق من أي أضرار ملاحية أو بيئية أو اقتصادية، حيث يخشى العراق من أن يتسبب المشروع في تضييق المسطح المائي في خور عبد الله، الذي تعد مياهه مشتركة بين البلدين.

وفي المقابل تشدد الكويت على أن قرار إنشاء الميناء أمر سيادي يخص الكويت وحدها، ولا يحق للعراق التدخل فيه، لا سيما أنه بعيد عن خط التماس البحري، ولن يؤثر على الملاحة البحرية العراقية.

ووفقاً لدراسة الجدوى الخاصة بمشروع ميناء مبارك الكبير، من المرجح أن تبلغ تكلفة المشروع 990 مليون دينار كويتي (3.2 مليارات دولار)، وسيحول الكويت إلى مركز محوري لتجارة الترانزيت والنقل الإقليمي. بالإضافة إلى ذلك، فإنه سيضع الكويت كمركز تجاري ديناميكي في منطقة الشرق الأوسط الأوسع.

ويتضمن مشروع ميناء مبارك الكبير تنفيذ طريق حيوي يربط منطقة الصبية بشرق جزيرة بوبيان، كما يتضمن استكمال رصيف الميناء واستصلاح الأراضي وتصميم معدات المناولة وتعميق الرصيف.

وفي مارس الماضي، ذكرت صحيفة "القبس" المحلية أن مجلس الوزراء قرر تخصيص 186 مليون دينار (604 ملايين دولار) لمصلحة وزارة الأشغال، وذلك لاستكمال مشروع ميناء مبارك الكبير خلال السنة المالية 2024 - 2025.

وفي 23 أبريل الجاري، نقلت صحيفة "الراي" عن مصادر مطلعة في وزارة الأشغال العامة الكويتية أن نسبة إنجاز المشروع وصلت إلى 52٪، إلى جانب تنفيذ جميع الأعمال الخاصة بالطريق الرابط بين الكويت والميناء.

وفي سبتمبر الماضي، أقر مجلس الوزراء بدولة الكويت تكليف وزير الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار باستكمال العمل في مشروع ميناء "مبارك الكبير"، شمالي البلاد.

أهمية كبيرة

ويشير الخبير الاقتصادي أحمد صدام، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن "سبب تأخير العمل في الميناء مرتبط بوجود خلافات حول طبيعة الجوانب القانونية لمدينة الحرير".

وأضاف: "هناك رغبة بجعلها أشبه بمدينة دبي من حيث التسهيلات الموجودة للمستثمرين الأجانب والقوانين، حيث تتعارض القوانين القائمة في الكويت مع هذا التوجه".

وعن الأهمية الكبيرة للمشروع، يبين الخبير الاقتصادي أن "الأهمية الاقتصادية لمشروع ميناء مبارك الكبير تكمن في دوره المرتقب في جذب شركات الاستثمار الأجنبي، إذ يتضمن تخطيط الميناء إنشاء مقرات للشركات ومناطق حرة وصناعية ترتبط بالميناء، فضلاً عن مراكز الدعم اللوجستي التي تشكل دعامة أساسية لجذب المستثمرين".

كما يؤكد أن "هذه الأهمية تتبين ملامحها إذا ما افترضنا إكمال إنجاز الميناء، ومشروع مدينة الحرير وفقاً للخطة الاقتصادية والرؤية الكويتية حتى عام 2035".

وبالحديث عن مدى تأثير ميناء مبارك على مستوى العلاقات مع العراق، يبين صدام أن "هذا الأمر مرتبط بمستوى الحنكة السياسية بين البلدين الشقيقين، علماً بأن الموانئ بشكل عام تحكمها التنافسية ومستوى الخدمات المقدمة التي تشجع شركات الملاحة على التعامل مع الميناء الذي ترغب، ولكن بكل الأحوال سوف يكون مستوى التنافس بين ميناء مبارك وميناء الفاو كبيراً جداً بحكم التقارب الجغرافي".