دول » قطر

رسائل عدة في ظرف تاريخي.. ماذا تحمل زيارة أمير قطر إلى تونس والجزائر؟

في 2020/02/24

الخليج أونلاين-

اتخذت مواقف مشرفة ولم تستجب للضغوط السعودية الإماراتية للمشاركة في مقاطعة دولة قطر، بل وعملت على زيادة علاقاتها السياسية والاقتصادية معها، من خلال تبادل الزيارات لزعمائها، هنا يدور الحديث حول تونس والجزائر، اللتين تصنفان ضمن أبرز الدول العربية في شمالي القارة الأفريقية.

ووصلت العلاقات السياسية المتناغمة بين قطر وتونس والجزائر إلى أعلى المراحل، مع تعالي أصوات داخلية في تلك الدولتين لتعزيز علاقات بلادهما مع الدوحة وتطويرها لمكانتها الاستراتيجية عربياً وإقليمياً ودولياً.

وتوجت تلك العلاقات بزيارة رسمية مرتقبة سيبدؤها أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الاثنين (24 فبراير)، إلى تونس، ومن ثم يحل ضيفاً على الجزائر، حيث سيبحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية.

ويترأس الشيخ تميم وفداً رفيع المستوى يضم وزيري الخارجية محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ووزير المالية علي شريف العمادي، وفق بيان للرئاسة التونسية، السبت (22 فبراير).

وتأتي الزيارة بناءً على دعوة من الرئيس التونسي قيس سعيّد، وتستمر يومي 24 و25 فبراير 2020، وهي الأولى لأمير قطر إلى تونس بعد انتخاب قيس سعيّد رئيساً للبلاد في أكتوبر 2019.

العلاقات القطرية التونسية

عرفت قطر بقوة علاقاتها بتونس، إذ سبق أن زارها أميرها في 2016 وقدم خلالها مساعدات مالية لتونس بقيمة 1.25 مليار دولار لدعم الاقتصاد التونسي على هامش مؤتمر الاستثمار.

ويعود تاريخ العمل الدبلوماسي بين قطر وتونس إلى عام 1974 حين افتتحت الدوحة أول سفارة لها في العاصمة التونسية.

ولم يترك زعماء تونس مناسبة إلا وأشادوا فيها بقطر ودورها، وكان أبرزها ما قاله الرئيس التونسي الراحل الباجي السبسي عن الدولة الخليجية بأنها "قادرة على منافسة الدول العظمى على الساحات وفي المحافل الدولية".

كما أكد السبسي أن "قطر دولة ناجحة ونموذج طيب للإبداعات العربية، وتجربتها الاقتصادية والسياسية محط إعجاب العديد من الدول والشعوب العربية والغربية على السواء، وفيها الطاقات الشابة التي تعتبر من أحسن إنجازاتها".

كذلك تعد قطر من أهم المستثمرين الأجانب بتونس؛ إذ تحتل المرتبة الثانية من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة، بنحو 16% من حجم الاستثمارات المتوفرة في البلاد.

شراكات قوية

مديحة معمري، الصحفية بالتلفزة الوطنية التونسية، تؤكد أن دولة قطر من أكبر المستثمرين في تونس، حيث حافظت على مكانتها كأحد أهم شركائها الماليين والاقتصاديين بعد الثورة.

وتعد قطر، وفق حديث معمري لـ"الخليج أونلاين"، أول دولة عربية مستثمرة في الاقتصاد التونسي باستثمارات إجمالية في مختلف القطاعات الرئيسية والحيوية، تصل إلى قرابة 3 مليارات دولار .

ومن أبرز المشروعات الاستثمارية لقطر بتونس، وفق ما توضح معمري، مشروع توزر السياحي الذي تملكه شركة الديار القطرية للاستثمار العقاري؛ وهو مجمع سياحي من أكبر المجمعات والأول بالجنوب التونسي ودُشن مؤخراً.

كما توجد استثمارات شركة "أوريدو" القطرية في قطاع الاتصالات التونسي، إلى جانب قيام بنك قطر الوطني بافتتاح فروع للبنك بتونس، كما تؤكد معمري.

وحول المستوى المالي، تبين الصحفية التونسية لـ"الخليج أونلاين" أن قطر قدمت وديعة بقيمة 500 مليون دولار لدعم احتياطيات تونس من العملة الصعبة، سبقها قرض بقيمة 500 مليون دولار، من خلال الاكتتاب في سندات لمساعدة الحكومة على تحقيق التنمية في المناطق الداخلية هذا بعد ثورة 14 يناير.

وتشهد المبادلات التجارية بين البلدين، وفق معمري، نمواً مطرداً حيث تضاعف حجم التجارة خلال السنتين الأخيرتين وتكثفت المشاركات المتبادلة في المعارض الدولية، ولا سيما المعارض المتخصصة التي تقام في البلدين.

كما يمثل التشغيل أحد أهم ركائز التعاون التونسي القطري، إذ واصلت قطر عبر جملة من الآليات، ولا سيما منها صندوق الصداقة القطري، وصندوق قطر للتنمية، ومؤسسة "صلتك"، تمويل العديد من المشاريع التنموية في تونس وخاصة منها المشغلة لفئة الشباب، والحديث لمعمري.

وتكمل بالقول: "شهد التعاون الفني بين تونس وقطر في هذا الإطار قفزة نوعية وكمية طيلة السنوات الخمس الأخيرة، حيث بلغ عدد التونسيين المقيمين بقطر نحو 27 ألف مقيم".

وحول أهمية زيارة أمير قطر لتونس، تؤكد معمري أنها تأتي من حيث أنها الأولى بعد انتخاب قيس سعيّد رئيساً للبلاد، وهو الذي بادر بدعوة الشيخ تميم، لذا من الواضح أن الجانب القطري يسعى لتدعيم التعاون الاقتصادي بما أن الوفد يضم شخصيات رفيعة.

وستشمل الزيارة، حسب معمري، جلسة عمل موسعة بين وفدي البلدين لبحث علاقات التعاون وسبل دعمها ولا سيما في المجالات ذات الأولوية، إلى جانب لقاء الأمير بالرئيس التونسي.

علاقات استراتيجية

الكاتب والمحلل السياسي أنور القاسم، يؤكد أن العلاقات بين دولة قطر والجمهورية التونسية ترقى إلى المستوى الاستراتيجي، حيث كانت قطر أول دولة عربية تقف إلى جانب تونس في المرحلة الانتقالية، التي مرت بها في أعقاب ثورة 2011.

وتهدف زيارة أمير قطر، وفق حديث القاسم لـ"الخليج أونلاين"، إلى تمتين العلاقات السياسية بين تونس وقطر، التي تُعتبر مثالاً يحتذى في العلاقات المتميزة والتعاون الاقتصادي المكثف بين البلدين، الذي تترجمه الأرقام وتطورها من سنة إلى أخرى.

ويلفت القاسم إلى أنه "ليس من باب الصدفة أن يكون المكتب الوحيد لوكالة الاستثمار الخارجي التونسي في العالم العربي مفتوحاً في الدوحة، لأن قطر تعتبر من أهم المستثمرين في تونس، إذ تحتل المرتبة الثانية من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة".

ووقفت الدوحة "وقفات كريمة بجانب تونس وشعبها"، كما يؤكد القاسم، حيث احتضنت تونس، نهاية العام 2016، مؤتمراً دولياً للاستثمار "تونس 2020"، الذي جاء بمبادرة من أمير قطر، وكان الهدف من المؤتمر دعم الاقتصاد والاستثمار في تونس، ومساندة خطة الحكومة في التنمية والنهوض الاقتصادي والاجتماعي، وتعزيز الاستقرار السياسي، وحشد الدعم الإقليمي والدولي لها.

العلاقات القطرية الجزائرية

وفي سياق متصل، تربط قطر بالجزائر علاقات دبلوماسية قديمة وممتازة وأخوية عميقة على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية.

وكانت أبرز صور قوة العلاقات القطرية الجزائرية هو عدم انضمامها إلى السعودية والإمارات حين أعلنت قطع علاقاتها مع قطر في يونيو 2017.

وفي حينها قال وزير الدولة للشؤون الخارجية لدولة قطر، سلطان بن سعد المريخي، إن موقف الجزائر من الأزمة الخليجية "مشرف"، ويمكنها أن تؤدي دور وسيط في الملف.

ومع الإعلان عن زيارة أمير قطر للجزائر، أكد رئيسها عبد المجيد تبون أن أمير دولة قطر "شقيق، وهو مرحب به".

ظرف تاريخي

وحول زيارة أمير قطر إلى الجزائر يؤكد الكاتب والمحلل السياسي أنور القاسم أنها تأتي في ظرف تاريخي، حيث تتزايد التحديات والأخطار المحدقة بالأمة العربية من كل الجهات.

وينظر الجزائريون إلى ما أنجزته دولة قطر في ظرف وجيز على أنه "مصدر فخر للعرب والمسلمين"، كما أن الحضور الدبلوماسي القوي للدوحة على الساحة الدولية جعل منها بلداً فاعلاً ومؤثراً، كما يؤكد القاسم.

ويريد البلدان تعزيز التعاون والانفتاح في المجالات كافة، كما يوضح القاسم، فقد سجلت الاستثمارات القطرية في قطاعات حيوية بالجزائر نجاحاً بارزاً، خاصة المشاريع المشتركة، إضافة إلى وجود اهتمام جزائري بالاطلاع على فرص التعاون في المناطق الحرة في قطر.

كذلك فإن فتح خط ملاحي بين ميناء الجزائر وميناء حمد سيعزز التبادل التجاري بين البلدين، وكذلك مشروع فتح فرع لبنك قطر الوطني في الجزائر سيسهم في ترقية المبادلات والشراكات بين المتعاملين الاقتصاديين، والحديث للقاسم.

ويكمل بالقول لـ"الخليج أونلاين": "كما هو معروف فإن قطر والجزائر من أكبر منتجي الغاز الطبيعي في العالم، وهناك تعاون دائم وكبير بينهما، عن طريق تبادل الخبرات والكوادر العليا المتخصصة، والتنسيق في المؤتمرات الدولية في هذا الميدان".

وكذلك تعمل قطر، حسب المحلل السياسي، "كما هو معروف للتقريب بين الشقيقتين الجزائر والمغرب، حيث ترى القيادة القطرية أن فتح قنوات الحوار والدبلوماسية بين الدولتين من شأنه أن يجلي سحابة الخلاف بالنسبة لمشكلة الصحراء الغربية".

وتحتفظ دولة قطر بعلاقات مميزة مع كل من الجزائر والمغرب، وقد نأت الرباط والجزائر بنفسيهما عن الحصار الذي فرضته بعض دول الخليج ومصر على قطر، وفق الكاتب والمحلل السياسي.

وتنظر دول المغرب العربي، وفق القاسم، إلى زيارة أمير قطر إلى المنطقة في هذا التوقيت بالكثير من التفاؤل على المستويات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية.

أهم الملفات

أحمد قارة، الصحفي بقناة النهار الجزائرية، يؤكد أن زيارة أمير قطر للجزائر "تأتي في توقيت هام بعد أقل من ثلاثة أشهر من انتخاب رئيس جديد للبلاد، وهو عبد المجيد تبون، الذي يسعى لإحداث قطيعة مع النظام السابق، وهو ما يعد فرصة أخرى لإعطاء دفعة قوية وجديدة للعلاقات القطرية الجزائرية".

كما تأتي الزيارة، وفق حديث قارة لـ"الخليج أونلاين"، ضمن المساعي والرغبة المستمرة للبلدين في المحافظة على العلاقات التاريخية الجزائرية- القطرية.

وتتميز العلاقات الجزائرية- القطرية، كما يؤكد قارة، بأنها جيدة جداً، وتستند إلى خلفية التعاون والتبادل على جميع المستويات بين البلدين، وخير دليل على ذلك الزيارات المتبادلة والدورية لكبار المسؤولين بين البلدين.

ويتابع بالقول: "أعتقد أن هناك رغبة من الطرفين للمضي قدماً لتعزيز نوعية هذه العلاقات لترجمتها على أرض الواقع إلى شراكات ثنائية على عدة مستويات".

وحول أبرز الملفات التي سيناقشها الزعيمان، يوضح الصحفي الجزائري لـ"الخليج أونلاين"، أن "الملف الليبي سيكون الأهم، خاصة أن الدبلوماسية الجزائرية غيِّبت فيه لفترة معينة بسبب الأوضاع التي شهدتها الجزائر من حَراك شعبي مبارك وبعد انتخاب الرئيس الجديد".

"ومع انتخاب تبون عادت الآلة الدبلوماسية الجزائرية المعروفة، وهي تفضيل لغة الحوار على لغة السلاح، وشهدنا كيف أصبحت الجزائر خلال أسابيع إلى قبلة للعديد من وزراء خارجية العديد من الدول الفاعلة في الملف الليبي"، والحديث لقارة.