مجتمع » أسرة

المدينة تفتح ملف القتل والعنف داخل الأسرة

في 2016/07/12

تحوَّلت قضايا القتل والعنف داخل الأسرة للأسف الشديد إلى «عنوان رئيس» للصحف اليومية ومواقع التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة، وهي ظاهرة غريبة على المجتمع السعودي المعروف بتماسكه الشديد، حيث أشارت تقارير أمنية إلى أن المجتمع شهد خلال العام الماضي نحو 6 قضايا متشابهة كان ضحيتها الأقارب بالدرجة الأولى (الوالدين - الزوجة - الأخوة - العم - الخال)، وكان يتعمد الجاني فيها إلى استدراج الضحية والإجهاز عليه باستخدام الأسلحة النارية أو البيضاء.
«المدينة» رصدت حوادث القتل الواقعة داخل نطاق الأسرة التي حدثت مؤخرًا في المجتمع وردود الأفعال من خلال المختصين ورجال الدين وأساتذة العلوم لتبيان الحقيقة، التي قادت هؤلاء المراهقين إلى ارتكاب هذه الجرائم البشعة في حق ذويهم وأقاربهم بالدرجة الأولى والمجتمع بشكل عام، كما التقت نخبة من خبراء علم النفس والتربويين ورجال الإعلام والقانون لتشخيص الواقع الحالي للمتطرفين والوصول إلى الحلول، التي قد تنجح في العبور بفئة الشباب إلى بر الأمان والحفاظ عليهم من الأفكار والأفعال المنحرفة.
في البداية أجمع أساتذة الفقه والشريعة على أن تلك الجرائم لا يقبلها عقل أو دين أو منطق واستغل بعض ما سموهم بـ»خوارج العصر الحديث» لتجنيد الشباب من خلال تحوير الآيات والأحاديث النبوية بغير معانيها للوصول إلى تكفير الوالدين والأقارب والمجتمع والدولة ورجالاتها وعلمائها.
استنكر رئيس قسم العقيدة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الدكتور سليمان بن سالم السحيمي، جرائم القتل بشكل عام، وخصوصًا التي تقع في نطاق الأسرة ووصفها بالجرائم النكراء المخالفة للعقل والشرع والفطرة التي لا يقدم عليها من يحمل في قلبه ذرة من الإيمان الصحيح أو الفطرة السليمة.
وقال السحيمي: «استحكم الهوى هؤلاء البغاة الذين قال الله فيهم (وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ) وما أوقع هؤلاء على ارتكاب تلك الجرائم إلا انتهاجهما لمنهج تكفير المسلمين الذين ينتج استحلال الدماء بأدنى مخالفة في نظرهم وذلك يتبدع الخوارج بدعًا مخالفة للاسلام ثم يحكمون على مخالفيهم فيه بالردة ويوجب قتلهم بدعوى الولاء والبراء ولو كان المخالف من الأقربين كالوالدين والأبناء والأقارب ويعملون على تحرف الأدلة على غير معانيها حيث يستدلون بقوله تعالى ((لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ)) بل يستدلون على وجوب قتل المسلمين بحجة ردتهم بقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّار)) ويقصدون بذلك الكفار من المسلمين المخالفين لهم الذين يعتبرونهم مرتدون في نظرهم الذين يتوجب قتالهم».
و أضاف: « إن ذلك قد أثر على شبابنا من خلال الفكر المنحرف بأفكار الخوارج الذين حكموا بالكفر على من لا يستحقه من المسلمين وخرجوا على أولياء أمورهم وصاروا شرًا ومحنة على الإسلام والمسلمين ولا يزال الفكر التكفيري يمضي وبقوة أوساط الشباب منذ أن اختلقته.
وأشار السحيمي إلى تبني الجماعات المعاصرة كالقاعدة والدواعش ومثيلاتها لهذا الفكر المنحرف والضال، وقال: «لا يستغرب على من اعتنق فكر الخوارج التدميري ومن ربوا عليه تلك الأفعال فقد قال أحد منظري تلك الجماعات إن أقدر الناس على تنفيذ عمليات الاغتيال أبعدهم عن الشك فيه ومن يمت بقرابه أو صلة رحم أو صداقة من هذا المجرم.
وأردف: «بهذا يُعرف كيف أقدم هؤلاء على قتل والديهم وأقاربهم ولابد من كشف حقيقة هذا المنهج وذلك ببيان ما ورد في الكتابة والسنة من خطورة التكفير والتحذير من الخوارج وأفكارهم كى نحذر الشباب من الوقوع في براثن هذا الفكر، خصوصًا أننا في عصر كثر في التلبيس والتدليس وتسمية الأسماء بغير أسمائها».
فعل «الخوارج» في ماضي الزمان وحاضره
مواجهة الفكر المنحرف
دعا عضو هيئة التدريس بكلية القرآن في المدينة المنورة الدكتور مسعد الحسيني، كافة العقلاء وذوي المسؤولية الاجتماعية إلى الوقوف صفًا واحدًا في مواجهة الفكر المنحرف من خلال تحليل الأحداث والجرائم الأسرية لمعرفة مسبباتها ودواعيها واقتراح الحلول الناجعة للحد من تكرارها في المجتمع.
وقال لـ»المدينة»: «لا شك بأن تلك الأحداث المؤسفة تعتصر لها القلوب ألمًا ويندى لها الجبين أسفًا ولا نكاد نتصور بشاعتها، ولكنها تعتبر نشازًا ولا تصل إلى حد الظاهرة».
تاريخ الفكر المنحرف
وأضاف: «نستقرئ من خلال تاريخ الفكر المنحرف وأثاره ما يعرف جيدًا إلى حد التدين بقتل من شهد لهم المعصوم بالجنة، وقد أسهمت ضحالة الثقافة وضعف التدين الحق وانتشار وسائل التقنية وبرامج التواصل الاجتماعي في نشر هذا الفكر في وقت تورعنا فيه عن تربية أولادنا، واستغل ذلك قطّاع الطرق الذين يمتلكون وسائل التأثير ما مكنهم من التغلغل إلى قلوب الناشئة والسفهاء».
وأشار الحسيني إلى أن جهود الكثير من الدُعاة مع الأسف لا تؤثر كثيرًا وتبقى فقط على السطح على حد وصفه ولا تمتلك الجراءة، إن كان لديهم علم على التحليل والمعالجة الصريحة والصدع بالحق وكشف الحقائق، حتى وإن كانت مؤلمة لمعرفة مغذيات هذا الفكر، وما يجب أن نتخذ من تدابير لمعالجة هذه القضايا بمصداقية وموضوعية.
القضية معقدة
وعن تعزيز حماية الأبناء من الفكر المنحرف ذكر الدكتور الحسيني، أن القضية معقدة وذات جوانب متعددة وذات آثار عامة، وذلك فالمسؤولية تقع على جميع أفراد المجتمع سواءً كانت الأسرة أو المدرسة أو الإعلام أو الجهات الأمنية وغيرها، ويجب أن نحلل تلك الأحداث تحليلًا واقعيًا بعيدًا عن التنظير وليكن ذلك ممن عايشوا وعالجوا تلك الانحرافات من خلال إعداد خطة محكمة تنفذ بعناية وتتابع بدقة لتقوم كل شريحة وجهة بمسؤولياتها وأدوارها المنوطة بها لعلاج هذا الانحراف والقضاء عليه.
براثن العدو
ووجه الحسيني رسالة إلى الأسرة التي ابتليت بأبناء وقعوا ضحية هذه الأفكار قال فيها: «أدعو الأسرة بأن لا تترد بالاستعانة بالجهات ذات العلاقة لإنقاذ أبنائهم من براثن العدو ولا عضاضة في ذلك لأن هذا الأمر خير ألف مرة من السكوت أو التغافل عما قد يؤدي إلى فضيحة على رؤوس الأشهاد لا يسترها الذيل لا يغطيها الليل».
و أشار إلى أن الكثير من الدراسات المتنوعة والمتعددة تناولتها الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة لمعالجة الفكر المنحرف وبيان خطورته وآثاره ومنها على سبيل المثال دراسة عن الانحرافات الفكرية لدى الشباب، وذلك دراسات عن ظاهرة العنف لدى الشباب وقال: « نحن في حاجة ماسة إلى مراجعة تلك الدراسات وأمثالها والعناية بنتائجها وتفعيل توصياتها وسيكون لها بإذن الله الأثر البالغ في معالجة الكثير من القضايا، حيث إنها دراسات علمية وواقعية وميدانية نفذها متخصصون وأكاديميون ومهتمون بمعالجة هذه النوعية من القضايا والحوادث».
وصف أستاذ العقيدة عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الدكتور صالح بن سعد السحيمي الحربي هذه النوعية من الحوادث بـ»الأليمة»، والتي حدثت وقد تتكرر في مواسم الخير، وقال: «لا يقر الدين أو الشرع أو العرف ولا عقلٌ سليم هذه الحالات والحوادث وإذا أمعنا النظر إليها من المنظور الديني يتضح أنها تنُم عن عدم إدراك لكل المسؤوليات الدينية والاجتماعية، كما أنها تدل على خلو ذهن مرتكبها من أي مشاعر إسلامية، بل وإنسانية، وهذه الأفعال غريبة على مجتمعنا المحافظ، الذي يقوم على نهج السلف الصالح قولًا وعملًا واعتقادًا كما تدل على غرابة هذا الفكر وبعده عن أخلاق هذا المجتمع المبارك».
أعمال إجرامية
وأضاف عضو لجنة المناصحة: «إن هذه الأعمال أشبه بأن تكون أعمال إجرامية بكل ما تعنيه الكلمة، وإن كان البعض من الجهلة والخوارج قد يكسبها غطاءً دينيًا بالرغم من أن الخوارج القدامى قتلة الصحابة، رضوان الله عليهم، لم يصلوا إلى هذه الدرجة من قتل الآباء والأمهات والأقارب بهذه الطريقة البشعة الغريبة، التي لم يسبقهم إليها أحد البتة».
وأوضح أن تلك الأعمال وأيًا كان الدافع لها سواءً كانت تطرفًا فكريًا خارجيًا أو عبثيًا يقصد بها شيء من الحصول على الإرث، ونحو ذلك أو بتحريض من أعداء السنة الذين يتربصون بنا الدوائر، والذين أملوا عليهم هذه الأفكار وأقنعوهم بأنه ليس بينهم إلا الجنة إلا أن يقتل أو يفجر أو ينحر رجال الأمن أو الوالدين أو الأخوة والأقارب.
كالحجارة أو أشد قسوة
ولفت الدكتور السحيمي إلى أن الحادثة المصورة التي كان يستجدي بها المجني عليه من أن يفتك به الجاني من خلال عبارات «تكفى.. تكفى» وإصرار الجاني على فعلته بتوجيه من خلفيته المزعوم الهالك إلا أن الضحية كان يستجديه بطريقة معروفة عند العوام التي تهز القلوب إلا أن هذه الأفعال ماهي إلا دلالة واضحة على أن تلك الفئة قد قست قلوبهم كالحجارة أو أشد قسوة ووصلت إلى حقد لا تأثر فيها النخوة أو المناشدة بالله والاستجداء بحق القرابة أو أي اعتبار مما يدل على أن هذه الفئة قد غُسلت أدمغتهم وجيرت أفكارهم وملئت حقدًا وكراهية على هذا المجتمع المبارك المحافظ.
مراقبة الأجهزة الإلكترونية
وشدد أستاذ العقيدة على ضرورة مراجعة الآباء لأبنائهم وتتبع سلوكياتهم وأفكارهم ولمن يقرأون ولم يسمعون ومن يرافقون، بالإضافة إلى تعزيز نظام مراقبة الأجهزة الإلكترونية، التي بحوزتهم ولا خلاف في ذلك لمن يزعم بأن ذلك فيه تقييد من الحريات الشخصية للأبناء ولا يعتبر ذلك تدخلًا إذا وصل الأمر إلى هذه الدرجة.
وقال: «ما المانع من أن أجلس مع أبنائي وأتفقد أحوالهم وأسألهم عما قرأوا اليوم وماذا سمعوا وماهي المقاطع التي شاهدوها؟ ولماذا لا أجلس معهم جلسة الوالد المُؤدب لهم حفاظًا عليهم، وذلك من باب الرعاية والاهتمام انطلاقًا من قول الله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته»، كما يقول صلى الله عليهم وسلم (ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة).
المناهج الدراسية
وعن تأثير المناهج الدراسية على أفكار المراهقين قال السحيمي: «مناهجنا المقررة سليمة والله الحمد والمنة وليس عليها غبار، لكنه اقترح استحداث مناهج جديدة في المراحل المتوسطة توضح حقيقة الخوارج والمتطرفين بشقيه، سواءً أهل الإفراط أو أهل التفريط في عصرنا الحالي ولابد من أن يثقف أبنائنا ويتبين لهم خطورة الانتماء لهذه الفئات من خلال دراسة بعض الوقائع منذ فجر التاريخ وحتى وقتنا الحاضر.
حوادث قتل
أسرية خلال عام واحد
7/2015: مطلوب أمني بخميس مشيط يُطلق النار على والده أثناء مداهمة رجال الأمن لمنزله ( مقتل الوالد وإصابة 2 من رجال الأمن )
7/2015: (رمضان الماضي) مراهق يجهز على خاله من منسوبي القطاعات الأمنية بـ 10 رصاصات و4 رصاصات ويفجر نفسه بالقرب من نقطة أمنية بالرياض
9/2015: (عيد الأضحى الماضي) جريمة نفذها شابان بقتل ابن عمهما العسكري بعد استدراجه في رحلة صيد برية بمنطقة حائل
2/2016: جريمة مقتل أحد منسوبي قوة الطوارئ الخاصة بمنطقة القصيم بواسطة 6 من أبناء عمومته بعد استدراجه إلى منطقة صحراوية
6/2016: ( رمضان الجاري ): مواطن خمسيني متقاعد ينحر زوجته الثانية شمال الرياض ويتضح من خلال التحقيقات أنه متأثر بالفكر التكفيري
6/2016: (رمضان الجاري): جريمة حي الحمراء بالرياض التي نفذها شقيقان توأم بقتل والدتهما بعد استدراجها وطعنها قادت إلى وفاتها على الفور ثم أجهزا على والدهما وشقيقهما. الأكبر
وكالات-