دول » السعودية

حتى لا يكون ابنك إرهابيا

في 2016/02/09

عبير العلي- الوطن السعودية-

بعد كل اعتداء آثم وغير إنساني ووطني يقوم به أحد المنتمين للجماعات والتنظيمات الإرهابية نقول بملء قلوبنا ودعواتنا إن هذا الاعتداء سيكون الأخير، ونحشد كل ما نستطيع من مقالات وتحليلات لتفنيد الأسباب والتنظير حول مستقبل نرجو أن يكون أكثر أمانا. يرافق كل هذه المحاولات المعنوية تحرك أمني معلن وغير معلن، ما يصيب منه يحمي راحتنا وحدودنا من شر متربص بنا، وما فلت من القبضة التي لا تألو جهدا فإنه يفجعنا في جرأة تطاوله على الدماء المحرمة والأرواح الآمنة والمساجد المقدسة. فيعود الكثير للتساؤل ببلاهة: كيف حدث هذا؟ وأستميح القراء الكرام لو أسميت تعجبنا مما يحدث أنه نوع من البلاهة، وأن الاستمرار في إنكار العمليات الإرهابية، أيا كان من يقف خلفها وحسب دون تحرك عملي ملموس، هو هدر للجهد وعدم شعور بالمسؤولية والخطر الذي يخبط كعشواء لا يهمها من تسحق أمامها، سنيا أكان أم شيعيا، كبيرا أم صغيرا، رجلا أم امرأة.

بعد حادثة التفجير في مسجد الإمام الرضا في الأحساء يوم الجمعة 29 يناير والذي استشهد فيه 4 أشخاص وأصيب 36 آخرون، أعلنت وزارة الداخلية في بيان رسمي لها أن منفذي الهجوم أحدهما انتحاري فجر نفسه بحزام ناسف عند مدخل المسجد، والآخر أُلقي القبض عليه بعد فشله في تفجير نفسه. وبحسب البيان فإن الانتحاري الأول عبدالرحمن التويجري سبق إيقافه عام 2013 بعد مشاركته في اعتصامات ومظاهرات الطرفية في بريدة. وفي إعلان لاحق في 31 يناير بعد تفجير الأحساء أعلنت وزارة الداخلية بيانا آخر تفصيليا عن منفذي الهجوم الانتحاري على مسجد الطوارئ في أبها في أغسطس عام 2015 الذي كان على يد الإرهابي يوسف السليمان القادم من الجوف لإحدى الخلايا الإرهابية في عسير، يديرها المطلوب سعيد آل دعير الشهراني. وكان الانتحاري السليمان قد قبض عليه عام 2013 في اعتصام بريدة، بينما كشفت بعض المصادر أن قائد الخلية الإرهابية آل دعير الذي حرض وجند ابن أخيه الجندي صلاح الشهراني لتسهيل دخول الانتحاري إلى مقر التفجير، قد استطاع الهرب إلى مواقع تنظيم داعش في اليمن عبر الحدود منذ أواخر أكتوبر الماضي، وكان قد سبق إيقافه في 2006 وقضى 7 سنوات في أحد سجون أبها لعدة تهم، منها محاولته التسلل إلى العراق للانضمام إلى "القاعدة"، وتنسيق خروج الشباب لمناطق الصراع ودعمهم ماديا ومعنويا، ولكن أطلق سراحه بعد خضوعه إلى المناصحة في إجازة عائلية وهو ما زال قيد المحاكمة التي تغيب عن أحد جلساتها لاحقا. ولو عدنا بالذاكرة قليلا سنتذكر أن الإرهابي صالح القشعمي منفذ تفجير الدالوة بالقديح كان اسمه من ضمن المطلوبين للجهات الأمنية، وأن والده عبدالرحمن القشعمي موقوف منذ سنوات لدى الجهات الأمنية.

مع كل هذه الحقائق البسيطة عن هؤلاء الإرهابيين نتساءل: هل يصبح الشخص إرهابيا فجأة؟

من سير حياة أغلب الإرهابيين والانتحاريين نجد أنهم أصحاب سوابق أمنية، كالموقوفين في ما عرف بجماعة "فكوا العاني"، أو أنهم أصحاب طموح سياسي وحزبي يجدون في باب العدالة السياسية والحقوقية مدخلا لتبرير تصرفاتهم وتكريس قناعاتهم في فئات أخرى يغلب عليها الفشل والإحباط والانطواء والتخبط الفكري.

في رسالة مؤثرة تركها والد الإرهابي عبدالرحمن التويجري أثناء تأدية العزاء لذوي الشهداء في الأحساء يقول: "لا شيء أصعب من أن يكون حلمك الذي سعيت إلى الحصول عليه سببا في إحداث جرح غائر في جوفك... حسبنا الله على من غرر وغلغل ذلك الفكر في أبنائنا". وهي رسالة مع عمق الحزن وألم الخسارة فيها تشير إلى أمر مهم أن هناك من غرر وغلغل الفكر الانتحاري في ابنه وهم طلقاء ما زالوا ينثرون سمومهم بطريقة مباشرة وغير مباشرة في المجتمع، وهذا يدفعنا لنعيد التساؤل السابق عن تشكل الإرهابي: هل يحدث فجأة؟ ألم يلحظ عليه أبواه وأسرته ومدرسته ومن ثم المجتمع من حوله أي مؤشرات وتغيير يُنبئ بخطر محتمل؟ وكيف كانت أجواء التربية والعامل والتعاطي مع الأبناء في المنزل ومع الطالب في المدرسة وما مدى مساهمتها في مثل هذا الانحراف الفكري الخطير؟ وبعد أن تثبت عليه ملاحظات أمنية وفكرية هل ننتظر فقط الدور الأمني من ملاحقة ومداهمة وسجن، أم ينبغي القيام بخطوات استباقية لتفادي مثل هذه الأمور، والتساؤل المؤرق: ماذا حققت المناصحة لأصحاب الفكر المنحرف والمتشدد، فمعظمهم بعد انتهاء محكومياتهم وإطلاق سراحهم يحرضون النشء على الكراهية والقتل.

مشكلة الإرهاب الحالية أنه خرج عن إطار المنكر والمحرّم وغير الإنساني في أذهان الكثير في مجتمعات مختلفة يغلب عليها التشدد والتطرف، وأصبحت العمليات الإرهابية طريقة لتحقيق العدل والانتصار لفكرة وقضية ما، وقد وجد المحرضون على العمليات الإرهابية في الداخل أسبابهم لإقناع من يقدم على قتل نفسه والآخرين تحت ذريعة الاختلاف العقدي والمذهبي، في صورة من صور التطرف المقيت الذي لا يؤمن بالتعددية والاختلاف بين البشر. الساحات التي يجب أن تنطلق منها محاربة الإرهاب والفكر المتشدد هي التربية والتعليم، والمحضن الأول للإنسان –أسرته-، وذلك بتعزيز القيم الإنسانية السوية من حرية المذهب والمعتقد، واحترام الاختلاف، ورفع الوعي بقيمة الحياة، والاطلاع على تجارب الأمم المختلفة والحضارات الإنسانية والدراسات الفلسفية، ومراعاة احتياجات الشباب النفسية والمدنية والاجتماعية حتى يتمكنوا بأنفسهم من تمييز الخبيث من الطيب والانصراف عن الانقياد لكل محرض ومؤجج لنار الكراهية.