مجتمع » ظواهر اجتماعية

عضل الفتيات.. العنف الخفي.. والــــوهن الاجتماعي المسكـوت عنه

في 2016/02/06

المدينة السعودية-

تستقبل محاكم الأحوال الشخصية بالمملكة مئات القضايا سنويا، من فتيات يلجأن للقضاء من أجل تخليصهن من عضل أوليائهن، وقد تصدرت المحكمة العامة في منطقة مكة المكرمة قائمة المحاكم من حيث عدد القضايا بواقع 45 دعوى، تلتها المحكمة العامة في منطقة الرياض بـ28 دعوى.

وذكر تقرير صادر عن وزارة العدل، أن قضايا عضل الفتيات المنظورة في المحاكم السعودية سجلت ارتفاعًا ملحوظًا في الربع الأول من العام الحالي 1437هـ، وأشار التقرير إلى أن هناك قضايا عديدة لا تصل إلى المحاكم؛ نظرًا للأعراف المحافظة في المجتمع السعودي.

ويعتبر العضل من أخطر مظاهر العنف الأسري الخفي، الذي يسلب المرأة حقوقها، وينتهك إنسانيتها في المجتمع. ويرصد الباحثون العديد من الأسباب وراء وجود تلك الظاهرة، بعضها العادات القبلية المنافية للدين الحنيف، وأخرى لأسباب مادية، مثل رغبة الولي في الاستحواذ على إرث الفتاة أوراتبها الشهري إذا كانت تعمل.

«المدينة» حاولت مناقشة تلك القضية، للتعرف على أسبابها وسبل علاجها من وجهة نظر المختصين والخبراء، عبر هذا الموضوع.

الوعي بالمشكلة خطوة على طريق الحل

وأوضحت الدكتورة سمية بنت عزت شرف آل شرف وكيلة كلية التربية -جامعة أم القرى، أستاذ الصحة النفسية والارشاد النفسي المساعد- وممثلة جامعة أم القرى لتمثيل المرأة السعودية في المحافل الدولية، ان من اسباب العضل ضعف الوعي بحقوق المرأة في الإسلام، وضعف الرادع الديني الذي يمنع من أذيتها أوالتعدي عليها، هذا بالاضافة الى زيادة الرغبة في التحكم غير المبرر أوالاستفادة منها ومن مالها أوطاقتها في غير وجه حق.

وتشير د.سمية الى انه ليس بالضرورة أن تعبر القضايا في المحاكم عن حجم المشكلة الحقيقي في المجتمع لكنها تعتبر مؤشرا لا يمكن اغفاله أو التهاون بمدلوله الذي على الرغم من سلبيته إلا أنه يشكل جانباً من حجم الوعي بالمشكلة واضرارها وابعادها وكيفية التعامل السليم معها. وأوضحت المستشارة القانونية هالة حكيم أن من أسباب زيادة ظاهرة العضل في المجتمع تعسف بعض الآباء ومنعهم بناتهم من الزواج وحرمانهن منه وإبعاد الأزواج بحجج واهية حتى يتقدم السن بالفتيات ويفوتهن قطار الزواج مبينة أن المشكلة أكبر بكثير من حجم القضايا التي تصل إلى المحاكم لأن الكثير من الفتيات المحرومات من الزواج يترددن في اللجوء إلى المحاكم. وأشارت هالة حكيم إلى أن 10% من الفتيات المعضولات يمتلكن الوعي ويطالبن بحقوقهن و10% يمتلكن الوعي ولكنهن مترددات في المطالبة بحقوقهن و80% ليس لديهم الوعي الكامل بحقوقهن في هذا الجانب مشددة على أهمية اللجوء إلى المحاكم الأسرية والتي تتولى النظر في قضايا العضل وسحب الولاية من الأب إلى من يليه في الولاية ومن حق القاضي تولي ولاية الفتاة وتزويجها إذا تقدم لها الرجل الكفء. 

أكد القاضي الدكتور عبدالعزيز الشبرمي أن ظاهرة العضل تزداد لأسباب كثيرة ومتعددة أهمها ضعف الوازع الديني للعاضل وعدم استشعاره لحقوق المرأة في الزواج وشناعة جريمة الظلم والتسلط، وأوضح ان من حق المرأة المعضولة أن تواجه وليها العاضل وتحاول معالجة المشكلة بشتى الطرق المشروعة والتي آخرها اللجوء للقضاء في محاكم الأحوال الشخصية وتطلب إثبات العضل ونقل ولاية التزويج لغير العاضل من بقية الأولياء أوللحاكم الشرعي.

وأكد القاضي الشبرمي أن النظام القضائي السعودي مستمد من الفقه الإسلامي، والذي ينظر في دعاوى العضل وأدلتها، وموجب امتناع الولي عن تزويج موليته فإن كان السبب مشروعاً كطعن في دين الخاطب أوأخلاقه أوعيب فيه أومعرة اجتماعية معتبرة عرفاً في البلد لم يحكم بثبوت العضل، وإن وجد القضاء أدلة لوقوع العضل رفع ولاية التزويج عن الولي العاضل لولي آخر أوجعلها للقاضي حسب حال المرأة المعضولة.

واوضح القاضي الشبرمي ان على الفتاة أن تبدأ بمناصحة الولي العاضل ومصارحته مباشرة أوبالكتابة له وتذكيره بالله وبأهداف ومقاصد الولاية وأنها للحفظ والصيانة وليست للتسلط والحرمان، ثم ببعث من يناصحة، أو فلتلجأ للجان إصلاح ذات البين التي يوجد فيها أكفاء مؤهلون لإحضار الولي ومناصحته، فإن أصر فترفع أمرها للقضاء والذي سينصفها بإذن الله تعالى.

يرى الدكتور عبدالغني عبدالله الحربي أستاذ علم الاجتماع المشارك بجامعة ام القرى (وكيل كلية المجتمع) ان عضل النساء من المشكلات التي عانت منها المرأة منذ عصور متقدمة وفي كثير من المجتمعات، ولكن عندما نقرأ بعض الإحصاءات التي تنشر عن طريق المحاكم حول قضايا العضل التي ترفع على أولياء الأمور فإن هذا يشير إلى أن المرأة بلغت من الوعي حد المطالبة بحقها عبر الجهات الرسمية، ومع ذلك فإن هذه الإحصاءات أعتقد أنها لا تمثل المستوى الحقيقي لهذه المشكلة في المجتمع نظرا لكون المرأة تخشى تبعات هذا الأمر وما يمكن أن يسبب لها من حرج ومشكلات مع أهلها وأسرتها.

ويقول الأخصائي الاجتماعي جابر بن محمد الفاهمي أن أسباب زياد ظاهرة العضل في المجتمع تعود إلى رغبة ولي الامر في استحواذ مال الفتاة سواء ورثا أوراتبا شهريا وكذلك طمع ولي الامر في خدمتها بالمنزل إلى جانب فكرة عدم تزويج الأخت الصغيرة قبل الكبيرة وجهل الآباء وعدم التعليم والنعرة القبلية.

ويقول الدكتور سعيد بن أحمد النعمي عضو مجلس إدارة جمعية الزواج بمكة المكرمة إن على المعضولة رفع الأمر إلى القضاء الشرعي لأنه لا يحل للولي أن يمنع موليته من الزواج إذا تقدم لها من كان كفؤاً في دينه وخلقه فإذا فعل ذلك عاضلاً لها والعضلة معصية تُسقط عدالته وتسقط ولايته أيضاً في هذه الحالة ينتقل إلى غيره من الأولياء أوإلى السلطان على خلاف بين العلماء.

ويقول خالد برقاوي أستاذ الخدمة الاجتماعية وعميد كلية المجتمع بمكة المكرمة من الأسباب الاجتماعية للعضل ضعف الوازع الديني بالدرجة الأولى وعدم الالتزام بتعاليم الدين الحنيف والشريعة السمحة وجشع وطمع ولي أمر الفتاة براتبها إذا كانت موظفة رغبة منه في استمرارية الاستيلاء على راتبها وخوف بعض الأسر من عدم صرف الفتاة على احتياجات الأسرة، ورغبة بعض الأسر ببقاء بناتها بالمنزل للاستفادة منها.

سياق اجتماعي

وترى الدكتورة طلحة حسين فدعق اختصاصية علم الاجتماع وباحثة في قضايا المرأة والشباب بجامعة أم القرى انه لا يمكننا النظر إلى عضل المرأة بمعزل عن السياق الاجتماعي والثقافي السائد والمتضمن للقيم والاعراف والتقاليد الاجتماعية، إضافة الى التشريعات والقوانين، وأيضا وعي المرأة بذاتها وحقوقها، وقبل ذلك اقرار المجتمع بحقوق المرأة وتأطيره لتلك الحقوق بسياج من القوانين والضوابط التي تحميها وتمنع التعدي على حقوقها. ولأن المجتمع السعودي مجتمع تقليدي ومحافظ فمازالت المرأة تحت ولاية ووصاية ولي أمرها. وتؤكد الدكتورة طلحة ان الحالات الحقيقية والتي لم تظهر للعلن هي أضعاف الرقم المعلن، والمجتمع السعودي مجتمع محافظ يخشى الناس فيه من التعبير او التصريح او حتى الشكوى واللجوء للقانون عند تعرضهم لمشكلة من هذا النوع وخصوصا النساء.

تقول الدكتورة مها محمد اللهيبي عضوهيئة التدريس بجامعة أم القرى: إن العضل صور وأنواع متعددة فقد يعضل الولي المرأة التي تحت ولايته من انفاق مالها أوقد يعضلها من العودة الى زوج طلقها وأراد مراجعتها، كما قد يعضلها من الزواج من رجل كفء جاء يطلبها.

ومن الصعوبة بمكان اطلاق لفظ ظاهرة على مشكلة العضل، في ضوء غياب الاحصائيات الدقيقة أوندرتها، بحيث لا يمكننا الحكم ان كانت قد وصلت لمرحله الظاهرة أم لا، أوأن كانت هذه الحالات في ازدياد اوانخفاض.

وترى د.مها ان الفتاة تعتمد اعتماد كلي على ولي الامر فهوالمسؤول عن تنقلاتها والسماح بخروجها من المنزل، فكيف لها ان تتقدم بشكوى ضده وهي غير قادرة على مغادرة المنزل دون اذنه، وفي مجتمعنا تحول الاعراف والتقاليد دون مطالبة المرأة بحقوقها بالرغم من وجود القضاء المنصف في بلادنا. حيث قد ينظر للمرأة المتقدمة بالشكوى ضد الولي على انها عاقه لولي أمرها.

حقوق التقاضي

وأشار عضوهيئة التحقيق والادعاء العام بمكة المكرم فهد بن علي الفيفي الى ان المنع لعدة أسباب أما لعادات قبلية مزعومة أوشروط تعجيزية أو قد يكون لأمراض نفسية يعاني منها الولي، وهوظلم مشين محرم فعله ويجب رفعه عنها، لما ينتج عنه من مفاسد كثيرة على المرأة وعلى المجتمع كافة. وقال إن الشريعة الاسلامية وضعت العلاج لكل داء من خلال تدخل القاضي وذلك من خلال اصدار حكم يأمر الولي العاضل بتزويج ابنته من الكفء لها، فإن امتنع انتقلت الولاية عند ذلك إلى الولي الأقرب فإن امتنع ايضاً نزع القاضي الولاية عنه وتولى عقد نكاحها بنفسه فالقاضي يكون ولي من لا ولي لها وولي من عضلها وليها.

ويوضح المحامي أحمد عجب الزهراني أن من حق المرأة أن تلجأ لمحكمة الاحوال الشخصية اذا كانت فتاة منعت من الزواج تطلب اسقاط الولاية من والدها ليتولى الوصاية عنها احد اقاربها، فان لم يوجد بينهم كفء يكون القاضي وصيها ليزوجها ممن تختاره اذا ثبت امامه صحة دعواها، اما المرأة المتزوجة التي يضيق عليها زوجها لتفتدي نفسها بإعادة المهر، فيمكنها ايضا اللجوء للمحكمة والمطالبة اولا بالطلاق للضرر دون عوض وتبدي اسبابها وما تعرضت له امام القاضي فقد يقتنع ويطلقها.