مجتمع » ظواهر اجتماعية

لماذا لا يتمكن مليونا شاب وفتاة من الزواج في السعودية؟

في 2016/02/04

د. فوزية البكر- الجزيرة السعودية-

خلص الوقف العلمي في جامعة الملك عبدالعزيز بعد عقد ورشة عمل تمت بتاريخ 29-4-2015 بأن هناك ست مسببات رئيسية تعيق او تبطئ فرصة مليوني شابة وشاب سعوديين من الدخول إلى القفص الزوجي، وجاء علي رأسها ارتفاع تكاليف الزواج، فيما كان الاختيار الخاضع لمعايير الأهل السبب الثاني، ليأتي تعصب بعضهم لمسألة الحسب والنسب في المرتبة الثالثة.

وجاءت المبالغة في البحث عن مواصفات معينة في المرتبة الرابعة، ليأتي التأثر بالتجارب الفاشلة والسلبية في المجتمع في المرتبة الخامسة، فيما كان تكريس الإعلام لمفاهيم خاطئة عن الزواج في المرتبة السادسة بين الأسباب التي تؤدي إلى تأخر نحو مليوني شاب وفتاة في السعودية عن إتمام خطوة الزواج.

كنت أتحدث إلى أحد شباب العائلة وهو الخريج للسنة الثالثة ويعمل في قطاع مجز براتب يفوق العشرة آلاف ريال في الشهر عن الأسباب التي تجعله لا يفكر في الزواج رغم اننا نعيش في مجتمع منفصل لا يتيح له الاختلاط بالجنس الاخر الا بالزواج كما لا يعترف بالشخص رجلا كان او أمرأة إلا إذا دخل قفص الزوجية باعتباره ساهم شاكراً في الحفاظ على وجود الوحدة الصغيرة الأساسية للمجتمع، والتي تضمن استمرار الجنس البشري وهي الأسرة وإنجاب الأطفال، فقال مندهشاً: أنا أستغرب أنكم تسألون هذا السؤال؟ ألا يمكنكم فعلاً رؤية ما نحن فيه كشباب؟ أنكم تتحدثون عن المهمة المستحيلة وهي الزواج والتي عقدتها الأعراف الاجتماعية للدرجة التي جعلت من زواج شاب وشابة سعودية وهما من سيبقيان مع بعضهما وهما من سيتكبدان تحمل تناقضات بعضهما وصعوبة الحياة الزوجية وتربية الأطفال..كل ذلك الآن لا يعني شيئا بالنظر إلى ما يعنيه الزواج لأهل الزوج والزوجة وأقاربهما وأصدقائهما؛ بحيث تم تعقيد هذه العملية التي كان يجب أن تكون بسيطة في أصلها لتصبح مسألة اجتماعية مكلفة يسبقها مئات الخطوات والولائم والتوقعات والمجوهرات والفساتين، والتي تكلف مئات الآلاف، ونحن لم نصل لمنزل الزوجية بعد هذا طبعاً، ونحن لم نتكلم أيضا عن الأرض أو القرض أو الأثاث، وهي التي تقعد أكبر الرجال إلا إذا ولد الشاب وفي يده ملعقة من ذهب، وهذا ليس حال إلا قلة قليلة من الشباب، ومن ثم وبدل كل هذا الصداع نفضل أن نبقي عزابا ونترك البنات في بيوت أهلهن أفضل، خاصة وأننا أيضا نعيش في بيوت أهلنا مكرمين مخدومين ولا نحمل قلق إيجار المنزل أو تكلفة علاج طفل في المستشفيات الخاصة أو التوفير لتغطية مصاريف الصيف، وهكذا أصبح الزواج مؤسسة تجارية تتقاذفها الرياح بين تجار الورد والشكولاتة وتكلفة الفساتين وصالة الأفراح وأسعار الأراضي والإيجارات، وتوارت تدريجيا حقيقة ان هذه المؤسسة هي للزوجين الشابين أولاً وأخيراً، ولكن هما وبحسب معايير هذا المجتمع المتخم باستهلاكه، أصبحا في آخر القائمة؛ مما دفعنا نحن الشباب إلى التواري أيضا الى نهاية القائمة وعدم السعي للزواج.

المشكلة كما أراها أيضا أنه ورغم (واقعية) ما يذكره هذا الشاب الذي تكاد تفاصيله تتفق مع أي شاب في بلادنا الا أن المشكلة أنه على الأقل يستطيع أن يختار أن (لا يتزوج) فيبقى خارج المؤسسة، خاصة وهو المستقل قانونيا وماليا فهو يستطيع الحركة والسفر والتنقل في حين لا تملك الفتاة ذلك. الفتاة لا تملك أن تتزوج أم لا فهي في انتظار من يطرق أبوابها وإلا فهي باقية حتى يأتي النصيب. هي وحتى لو رغبت في الزواج من أحد لا تملك القدرة أن تذهب إليه فتطلب منه الزواج حتى لو لم تكلفه شيئا. أنا واثقة أن الآلاف من الفتيات يرغبن في الزواج والستر وهن وأوليائهن مستعدات للمساهمة في منزل وتكاليف بناء بيت الزوجية بقدر ما يستطعن إذا جاء الزوج الصالح الذي يثقن فيه، لكن لا توجد الآلية المناسبة التي تنسق ما بينهن وبين راغبي الزواج، وهذا هو أحد مطبات هذا المجتمع العجيب الذي نعيش فيه؛ فمع تطوره وخروجه من عباءة القبيلة والقرية إلى المدن الكبيرة التي تضم الملايين لم يوجد الآلية المناسبة لتعريف الشباب الراغبين بالفتيات المناسبات مما عقد الأمر على الجميع، فلم يعد الأمر قاصراً فقط على متطلبات الحسب والنسب التي لا تزال تضرب بأوتارها المرضية في قلب كل زيجة إلا أن كثرة البشر أفقدت عوالمنا ذلك الترابط التلقائي الذي وجد أيام القرية الصغيرة؛ إذ هذا يعرف فلانا، وهذا يعرف علاناً، وهكذا يقترح هذا على ذلك وتتم الزيجات ضمن أطر اجتماعية وقرابية معروفة، لكن الآن كيف نعرف عن مئات الآلاف من الفتيات المنسيات داخل هذه البيوت الاسمنتية المعزولة داخل مدننا المكتظة بالسكان؟ أليس إذن أسهل على ذكورنا من أن يتزوجوا بأجنبيات لايطالبونهم بأية ماديات ولا يفرضن تبعات مالية واستهلاكية تكسر بيت الزوجية قبل دخوله، ولا أحد سيسألهم عن قضية النسب باعتبار الزوجة أجنبية! فمن هو الغبي إذن الذي يمكن أن يرفض زيجة سهلة وبسيطة وغير مكلفة كهذه؟

علينا أن نستيقظ علي حقائق مُرة: أولها أننا نعيش داخل مجتمع مصطنع وغير حقيقي، يهلوس بالخوف من مراقبة ألآخر أكثر مما يخشي الله، ويهمل احتياجاته ويحمل نفسه أكثر من طاقته لأجل إرضاء المجموع المحموم برغبات مرضية غير واقعية ؟

هل يملك أي منكم الشجاعة ليصرخ: فلنقف؟