خاص الموقع

اعلامنا : بين ألم الحقيقة ومتعة الكذب

في 2016/01/25

جاسر الدخيل- خاص راصد الخليج

السعودية تخنق إيران وحلفاءها اقتصادياً وتكسب رهان النفط ، عراق (إيران) يسبح في أنهار الدم، لا سلام إلا باجتثاث الشر الإيراني، فاعش الصفوية، تُقية الإعلام الفارسي، مخطط إيراني لتدمير سُنة العراق، إيران تحقن المنطقة بـ(ميليشيات الدم والدمار)، العثيمين يفضح (تُقية) ومؤامرات نظام الملالي، إيران تستعين بمليشيات رقمية للهجوم على المملكة، كشِّروا عن الأنياب واطردوهم، الطائفية.. لعبة إيران.

هذه العناوين المذكورة هي نماذج لعناوين مقالات نشرت في صحافة دولتنا العظيمة (المملكة العربية السعودية) كانت حصة الاسد منها لصحيفة «عكاظ»، والامر على هذا المنوال منذ مدة، تتصاعد حدته تارة وتنخفض أخرى.

ومع هذه العناوين والمقالات ثمة مصطلحات يمارس هذا الاعلام العزف عليها من قبيل : حكم الملالي، الدولة الصفوية، الدولة المجوسية، الاطماع الفارسية، دولة ولاية الفقيه..الخ

وما بين هذه وتلك يتحدث اعلامنا عن انتصارات كبيرة، محاصرة لايران، انهزام للمشروع الايراني...الخ

قلة هي الصحف التي تكتب باتزان، والجميع يخوض مع الخائضين، وكأن العلاقة مع ايران اتجهت نحو الصدام دون أمل بالعودة.

من الواضح ان صحافتنا «الجبارة» تعزف سيمفونية واحدة، تدار بعقلية واحدة، فتجد معظمها يتحدث عن موضوع واحد، يوجه نيرانه نحو هدف واحد. فالمشكلة الاساسية هي في العقلية التي تدير هذا الاعلام، عقلية واحدة وعقل واحد خال من الحكمة والدراية بالسياسية فضلا عن الدراية في اصول العمل الاعلامي. واذا اردتم معرفة المسؤول فانظروا الى مكتب وزير الاعلام.

ربما يعتبر هذا الاعلام ان القارئ «غبي» يصفق الآن للعداء مع ايران، وسيصفق غدا للحوار معها، وما بين عداء وحوار، تطير الصفوية والمجوسية وحكومة الملالي. ينسى القارئ ما اتحفنا به اعلامنا من «اسفاف».

احدهم يرجع المشكلة مع ايران الى الاطماع التاريخية الفارسية، والتاريخ الفارسي «المعادي للعرب»، وآخر يناقضه فيعتبر ان سلوك ايران «العدائي» بدء مع وصول «الملالي» الى الحكم بعد الثورة الخمينية.

يحمل اعلامنا على ايران كون يحكمها الملالي ( رجال الدين)، وكأن هذا الاعلام يعيش في دولة ديمقراطية علمانية! يتناسى اعلامنا انه يعيش في دولة دينية اصولية سلفية يعتبرها العالم مسؤولة عن خروج التطرف والجماعات التكفيرية. يتناسى هذا الاعلام اننا نعيش في دولة تعتبر الديمقراطية بدعة، خروج عن الدين، رجس من عمل الشيطان الذي يجب اجتنابه!

لايران ولي فقيه وهذا صحيح، ولكن لنا ولي أمر ايضا، لايران دستور ينص على ان دين الدولة هو الاسلام وفق المذهب الشيعي الامامي الاثني عشري دون اقصاء المذاهب الاخرى عن ممارسة شعائرها، فيما ينص دستورنا على ان الاسلام هو دين الدولة ولا ينص على مذهب معين. وهذه ليست نقطة قوة بل نقطة ضعف باعتبار ان التطبيق هو بمنع الاخرين من ممارسة شعائرهم، وذلك يعني اختزال الاسلام بنظرة آحادية لا ترى الاسلام في غيرها.

على اننا وان قلنا ان دستورنا ينص على كيت وكيت، وذلك على سبيل المجاز والاحلام، والا فاننا لا نملك دستورا اصلا، وما يسمى «دستورنا» يقول في مقدمته : « بعون االله تعالى: نحن فهد بن عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية بناء على ما تقتضيه المصلحة العامة ونظراً لتطور الدولة في مختلف المجالات ورغبـة فـي تحقيق الأهداف التي نسعى إليها. أمرنا بما هو آت: أولاً – إصدار النظام الأساسي للحكم بالصيغة...»

اذن هو دستور الملك فهد، هو نظام الحكم، هو أمر من جلالته رحمه الله، قد تكرم به علينا من عظيم اخلاقه وكرمه وفضله.

اعلامنا اعلام ناعق، شتام سباب، يخترعون الانتصارات، ويجترحون البطولات، فلننظر الى الحجم الهائل من السباب والشتائم الذي تملؤ صفحاتهم.

قلة قليلة من المثقفين قد قاربوا الحقيقة والواقع، قد تكلموا بهدوء واتزان، ولو ان ايران تحمل عناوين صحافتنا الى المحافل الدولية، لما احتاجت ان تقول كلمة واحدة لتثبت اننا نحن الطائفيون ولا هم، اننا نحن دعاة الكراهية لا هم، اننا نحن التقسيميون لا هم، يكفي فقط لايران ان تحمل صورا لمقالات كتابنا «العظام».

باعلام كهذا لا يمكن ان نتطور، ولا يمكن ان نتقدم، ولا يمكن ان ننتج شعبا واعيا مدركا لحقائق الامور. باعلام كهذا لا يمكن ان نخوض الحروب وننتصر، لانهم سيصورون لنا اننا انتصرنا منذ الطلقة الاولى، اننا انتصرنا قبل ان نقاتل فلماذا القتال اذن، وسيصورون لنا ان عدونا ضعيف جدا، خائف جدا، يتنجنب المواجهة، ويهرب من القتال!

اعلامنا هو الاعلام الذي يحول النقد الى مدح، والشتيمة الى غزل، والهزيمة الى انتصار. ولا افضل من مثال على ذلك الا حديث بعض «الافذاذ» ان ايران نمر من ورق. ومثال آخر عن حجم التخلف والتخبط هو تهليل صحيفة الوطن لمقالة كتبت في صحيفة فرنسية ( لو بوان) بعنوان : « المملكة التي هزت العالم بأكمله» مع صورة للملك سلمان بن عبد العوزيز على غلاف عددها. صورت جريدة الوطن المقالة الفرنسية بانها مدح للمملكة والملك، فيما مضمون المقال القاء اللائمة عليها بانها مصدّرة للفكر الارهابي.

هذه نماذج بسيطة، لمقالات ستجد صحافتنا «الوطنية» تعج بها، ويهلل لها المهللون، وعندما تدق ساعة الحقيقة، يختفي هذا الاعلام، ويُصدم الجمهور. والتاريخ يعيد نفسه.