ملفات » إعدام الشيخ نمر باقر النمر

السعودية في مواجهة تحديات كبرى

في 2016/01/16

ستراتفور- ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-

خلال الأسبوعين الماضيين، أثارت المملكة العربية السعودية غضبا واسعا من خلال قيامها بإعدام رجل الدين الشيعي «نمر النمر»، كما قامت بإثارة جنون المستثمرين عقب إعلانها أنها تدرس احتمالية بيع بعض الأسهم في أكبر شركات النفط في العالم، وهي شركة النفط العربية السعودية (أرامكو). يعزو العديد من المراقبين سلوك البلاد في الوقت الحالي إلى طبيعة الشخصيات المهيمنة على الحكم. وقد وصفت وسائل الإعلام الغربية نائب ولي العهد السعودي ووزير الدفاع الأمير «محمد بن سلمان»، البالغ من العمر 30 عاما، ونجل الملك، بالغطرسة والتهور أحيانا. وقالوا إنه يدفع المملكة العربية السعودية إلى مصير لا يمكن التنبؤ به.

الأمير الشاب قام بالكشف عن نفسه مؤخرا من خلال حديث مطول أجراه لصالح مجلة «إيكونوميست» البريطانية، ما يعد خروجا صارخا على التقليد الملكي السعودي الذي يلتزم الإدلاء بتصريحات مقتضبة لوسائل الإعلام المملوكة للدولة والخاضعة لرقابة مشددة. وتحدث «بن سلمان» بحرية نسبيا عن رغبته في تحرير الاقتصاد، كما دافع عن سياسات بلاده تجاه إيران. وقلل الأمير من دوره في تشكيل السياسة السعودية الأكثر عدوانية مؤخرا، مؤكدا أن المملكة هي دولة مؤسسات، حيث توفر الوزارات المعنية المعلومات إلى الملك الذي يتخذ القرارات النهائية.

ولعل ذلك يعد وصفا مبالغا فيه للسياسة السعودية. بعد كل شيء، فمن المعروف أن المملكة العربية السعودية ترتكز على السياسات الأسرية والقبلية أكثر بكثير من النضج المؤسسي. ومع ذلك فإن هناك بالتأكيد دوافع تقف خلف سياسات المملكة، أكثر من مجرد أمير مبتدئ لديه رغبة في المغامرة.

ساحة غير متكافئة

عند النظر في خريطة الشرق الأوسط، تبرز 3 سمات جغرافية أساسية: الجسر البري الأناضولي، والهضبة الإيرانية، وشبه الجزيرة العربية. ليس من قبيل الصدفة إذا أن هذه التشكيلات تشكل القوى الثلاث الأكثر نشاطا في الشرق الأوسط اليوم: تركيا وإيران والمملكة العربية السعودية. ولكن المملكة العربية السعودية لا تملك ذات المكانة التاريخية التي تحوزها تركيا وإيران. كان الأتراك والفرس قادرين على خلق الحضارات والإمبراطوريات العظمى مستعينين على ذلك بقدرتهم على الوصول إلى الموارد وطرق التجارة الشعبية وحركة الهجرة الكثيفة التي ولدت تجمعات سكانية كبرى مع طبقات عاملة. تم إنشاء المؤسسات وصقلها مع مرور الوقت لإدارة أمور المواطنين والدفاع الوطني والمصالح التجارية.

شبه الجزيرة العربية هي قصة مختلفة تماما. قبل اكتشاف النفط في الثلاثينيات، كانت شبه الجزيرة موطنا لعدد صغير من بدو الصحراء الذين كانوا يعيشون على قوافل التجارة على الجمال ويتنازعون السيطرة القبلية على الواحات الصغيرة. يصف توماس ألفا لورانسن «لورانس العرب» الحياة في شبه الجزيرة العربية في أوائل القرن العشرين بالقول:

«هؤلاء البدو هم من الصحراء ولدوا فيها ونشأوا فيها. لم يكن في حياتهم سوى الهواء والرياح والشمس والضوء والمساحات المفتوحة والفراغ الكبير. لم يتواجد حولهم أي جهد بشري: فقط السماء من فوقهم والأرض من تحتهم. اقترب البدو من الله وأحسوا أنهم يعيشون في ضمانه». ومن وجهة نظر «لورانس» فإن هذه الرومانسية المتعلقة بالطبيعة البدوية تفسر جذور التدين العميق في المملكة العربية السعودية والذي يخيف المراقبين في الغرب. في هذه المنطقة من مرتفعات نجد في وسط شبه الجزيرة القاحلة، على الحدود مع صحراء النفود الوعرة إلى الشمال، والربع الخالي إلى الجنوب، وجبال الحجاز في الغرب، نشأ المذهب الوهابي السني. خلقت هذه الطائفة برنامجا دينيا لآل سعود لنحت دولتهم من خلال الغزو. قامت الدولة ذات الأصول النجدية بضم الحجاز، وهي منطقة التجارة الحيوية والتي وتحتوي على المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة، كما قاموا بضم الواحات الخصبة في القطيف والأحساء إلى الشرق، حيث تمتد الأغلبية الشيعية إلى البحرين.

استيعاب التهديد الإيراني

هذه الخلفية التاريخية تعلمك الكثير حول السلوك السعودي الحالي. كانت المملكة البالغة من العمر 84 عاما مرنة في مواجهة التمرد الجهادي وتحطم أسعار النفط وغزو الكويت والعراق في العقود الماضية، ولكنها أيضا لم تكن مستقرة للغاية. النفط هو الوسيلة الرئيسية لبيت آل سعود من أجل ترويض الاضطرابات في الداخل وشراء النفوذ والأمن في الخارج. يتركز النفط بشكل كبير في المنطقة الشرقية، حيث يتحول الميزان الديمغرافي لصالح الشيعة. المشكلة بالنسبة للمملكة العربية السعودية هي أنها ليست واثقة بما يكفي في قدراتها العسكرية للدفاع عن الأصول النفطية في مواجهة طهران.

العائلة المالكة السعودية تتذكر جيدا آخر مرة حاولت خلالها واشنطن العمل معا المملكة العربية السعودية وإيران كليهما في وقت واحد لإدارة الشرق الأوسط. خلال إدارة الرئيس الأمريكي «ريتشارد نيكسون»، كانت تلك السياسة تعرف بسياسة «الركيزتين التوأمين»، وكان السعوديون يعلمون أنهم حلفاء من الدرجة الثانية للبيت الأبيض في مقابل إيران والشاه. في الواقع، استخدمت إيران علاقتها الوثيقة مع الإدارة الأمريكية من أجل تقديم نفسها باعتبارها المدافع والشريك للجيش الأمريكي في جميع المصالح النفطية الخليجية. من وجهة نظر السعوديين، فإن هذا كان يشمل إمكانية أن تقوم واشنطن بغض الطرف عن طهران أو إعطائها تأييدا ضمنيا للسيطرة على الساحل العربي من الخليج.

اليوم، يمكن للخليجيين أن يلتقطوا أنفاسهم حين يعلموا إيران  لم تكن على علاقة جيدة مع الولايات المتحدة أسوة بأيام الشاه. ومع ذلك، لاسيما في ضوء الاتفاق النووي الإيراني، فإن السعوديين لا يستطيعون منع أنفسهم من التفكير في إمكانية تطور العلاقة من جديد بين ضامنهم الرئيسي وخصمهم الأول. وعلاوة على ذلك، فإن الذراع الإيرانية السرية سوف تشكل تهديدا أكثر خطورة على المصالح السعودية، خاصة في المناطق الحساسة طائفيا، حال لم تعد إيران محملة بالعقوبات.

وعلى ذلك، فإن السياسة السعودية مصممة على أساس عدم وجود أي فرص مع طهران. حينما ظهر النشاط الاحتجاجي للشيعة في البحرين في عام 2011، فإن المملكة العربية السعودية قد قامت سريعا بإرسال جنودها للدفاع عن المشيخة العربية السنية. حينما قام «النمر» بانتقاد العائلة المالكة السعودية في عام 2012، ودعا الشيعة في المنطقة الشرقية للتظاهر ضد القمع السعودي، ألقت السلطات السعودية القبض عليه مع ناشطين آخرين ووجهت لهم تهم الدعوة إلى التدخل الأجنبي. وكان إعدام «النمر» يوم 2 يناير/كانون الثاني مخاطرة محسوبة من قبل القيادة السعودية للتدليل على اليد الثقيلة للرياض لن تتوانى عن إسكات المعارضة وحرمان إيران من فرصة استغلال الشيعة السعوديين لزعزعة استقرار المملكة.

الضغط يختبر الائتلاف

مواجهة إيران على المستوى الإقليمي ليس مهمة للسعوديين وحدهم. يعي قادة المملكة أنهم يعملون في إطار علاقة قديمة وغير مريحة قد لا تتلاءم فيها مصالح الرياض مع مصالح واشنطن بالشكل المطلوب. ما يحتاجه السعوديون هو ائتلاف يمكنهم الاعتماد عليه في الدفاع عن مصالحهم وتعويض نقاط الضعف الخاصة بهم. خوض هذه الحرب الباردة مع إيران في جميع أنحاء المنطقة سوف يتطلب موارد وافرة. وقد صارت السياسة السعودية أكثر كلفة مع انخفاض أسعار النفط. ومع مزيد من المنافسة مع إيران، فإن المملكة العربية السعودية سوف تسعى لاقتسام هذا العبء. وقد نشطت المملكة العربية السعودية بشكل ملحوظ في عهد الملك «سلمان» في دول مثل مصر وباكستان وفي مغازلة القوى الفاعلة في اليمن وسوريا. كما أبدت المملكة العربية السعودية استعدادا للعمل بشكل وثيق مع القوة السنية الأخرى ذات الوزن الثقيل في المنطقة ، تركيا، في محاولة لإمالة التوازن الإقليمي في اتجاه مصالح السنة. وقد استخدمت السعودية السخاء المالي لشراء التحالفات من قبل فاعلين أقل تأثيرا مثل السودان وإريتريا.

وكلما استطاعت المملكة توسيع نطاق تحالفاتها، كلما تمكنت من الحفاظ على مواردها بشكل أكبر، والحصول على المزيد من الاهتمام من قبل واشنطن.

في أعقاب إعدام «النمر» واقتحام السفارة السعودية في إيران، كانت المملكة العربية السعودية قادرة على اختبار أي حلفائها سيقوم بخفض علاقاته الدبلوماسية مع طهران تضامنا مع الرياض. مرت الإمارات العربية المتحدة والبحرين والكويت وقطر والسودان هذا الاختبار، في حين اكتفى آخرون بالإدانات الدبلوماسية. ولكن المملكة العربية السعودية لا تزال تحتاج إلى ما هو أكثر من الدعم الدبلوماسي من أجل إثبات صلابة تحالفاتها. تحتاج المعارك بالوكالة في جميع أنحاء المنطقة، من اليمن إلى الشام، إلى التضحية بالدم والمال، وهي أمور ستكون صعبة على أولئك الذين يفضلون استخدام سياسة الاستنكار في العلن، مع المحافظة على التوازن في علاقاتهم الخارجية.

الأيديولوجيا ... الدواء المر

وهناك أيضا عقبة الأيديولوجيا في جهود بناء تحالف المملكة العربية السعودية. العمل مع دولة حيوية مثل تركيا بقيادة حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية، أو مشيخة خليجية مثل قطر، التي تقدم الدعم للعديد من الجماعات الإسلامية في المنطقة، أو استدراج جماعة مسلحة مثل حماس بعيدا عن إيران يتطلب بعض التسامح مع الحركات الإسلامية الديموقراطية. هذا هو الدواء المر الذي يجب أن يتجرعه أفراد العائلة المالكة السعودية، الذين ينظرون إلى حركة الإخوان المسلمين، والحركات الشبيهة بها، بوصفها تهديدا وجوديا للدولة.

عززت المملكة حس التدين من خلال المذهب الوهابي الذي يسود نمط الحياة اليومية، ولكن آل سعود قد خطوا خطوطا واضحا بين المؤسسات الدينية والسياسية لمنع التحديات من قبل الزعماء الدينيين. نهج جماعة الإخوان المسلمين الذي يمزج ما بين الديمقراطية على النمط الغربي والحكم الإسلامي لا ينسجم ببساطة مع النموذج الذي صممه آل سعود. وفي الوقت نفسه، فإن القيادة السعودية، وخاصة في عهد الملك «سلمان»، تدرك أن هناك حدودا لسياسة عدم التسامح تجاه الإخوان المسلمين. في الواقع، اتجه الملك «سلمان» للعمل بشكل علني مع الأفرع التابعة للإخوان المسلمين بما في ذلك حزب التجمع اليمني للإصلاح في اليمن وحماس وحزب النهضة في تونس.

وقد ساعد استعداد المملكة العربية السعودية للتعامل مع مثل هذه الجماعات في شفاء بعض الجروح في تحالفها، ولكنه فجر جروحا أخرى. من جهة، فإنه يمكن المملكة العربية السعودية من أن تعمل بفعالية أكبر مع تركيا وقطر في مناطق القتال الحاسمة مثل سوريا. من ناحية أخرى، فإن المملكة العربية السعودية تتعرض لخطر زرع مزيد من عدم الثقة مع الحكومة المصرية الحالية والإمارات العربية المتحدة، وكلاهما يعتقد أنه يجب التعامل مع الإخوان المسلمين باستخدام سياسة القوة وحدها.

من أجل أن تنجح المملكة في بناء تحالف قادر على تنفيذ عمليات في سوريا، فإنها ستكون في حاجة إلى جمع تركيا ومصر إلى بعضهما البعض. هذا هو السبب، جنبا إلى جنب مع الإلحاح التركي، في أن المسؤولين السعوديين قد يميلون بهدوء على الحكومة المصرية لتليين موقفها من جماعة الإخوان المسلمين وإصلاح العلاقات مع أنقرة. سوف تفعل مصر ما يكفي فقط لأجل تأمين المساعدات السعودية، ويمكنها أن تقبل بالمزيد من الانخراط مع تركيا، ولكن إصلاح العلاقات مع جماعة الإخوان المسلمين قد يتطلب المزيد من المال السعودي.

إعادة النظر في العقد الاجتماعي

قد يكون السؤال الأكثر إثارة للاهتمام يتعلق بحقيقة إذا ما كانت رغبة المملكة العربية السعودية للعمل مع الأفرع التابعة للإخوان المسلمين في الخارج سوف تترجم إلى أي انفتاح سياسي في الداخل. ربما يرى بعض القادة السعوديين أن العقد الاجتماعي السعودي، مقايضة الرفاهية المادية الناجمة عن الثروة النفطية مقابل الدعم اللامحدود للملكية المطلقة قد ذهب إلى حدوده. هذا صحيح بشكل خاص عندما يكون سعر النفط يواجه خطر الغرق إلى ما دون 20 دولارا للبرميل، بينما يشير تباطؤ الاقتصاد العالمي إلى أن إلى أن الأسعار ستبقى منخفضة لفترة ممتدة من الزمن. لدى المملكة العربية السعودية مجال لخفض الإنتاج وتقليم الفائض في العرض في أسواق النفط، ولكن المساحة التي ستتنازل عنها السعودية سوف يتم شغلها مباشرة من قبل إيران الحريصة على بيع نفطها بعد سنوات من العقوبات، أو بواسطة منتجي الصخر الزيتي الأمريكيين الباحثين عن بيئة سعرية أكثر حيوية.

بدلا من محاولة السيطرة على السوق، فإن المملكة العربية السعودية تستعد لفترة طويلة من الانخفاض المؤلم في أسعار النفط، مع المزيد من الديون، والحد من الإعانات، سحب الاحتياطيات، وفرض الضرائب بشكل انتقائي وتخفيف القبضة على الاقتصاد عبر السماح بالمزيد من الاستثمارات الخاصة.

كما ادعى «محمد بن سلمان» في حديثه، وكما أكدت شركة (أرامكو) السعودية في بيان لاحق، فإن شركة النفط العملاقة تدرس بيع بعض أسهمها من أجل جمع بعض الأموال. وعلى الرغم من هذا يعد تحولا جذريا في المملكة العربية السعودية، فإنه ربما يحدث عبر خطوات صغيرة. إمكانية المشاركة الأجنبية من المحتمل أن تكون مقصورة على القطاعات النازلة مثل البتروكيماويات والتكرير. ومع ذلك، فإن (أرامكو) هي جوهرة التاج بالنسبة إلى آل سعود، وسوف يكون أي تغير في سياستها مثيرا للجدل في المملكة.

يذكرنا حديث «بن سلمان» حول تحرير الاقتصاد بـ«جمال مبارك»، نجل الرئيس المصري السابق «حسني مبارك»، قبل أن يتحرك الجيش ضده. كما يذكر أيضا بالبدايات الأولى لأحاديث الرئيس السوري «بشار الأسد» قبل أن يدفع الحرس القديم ضد سياساته النيوليبرالية. المملكة العربية السعودية لديها أسباب براغماتية لإعادة هيكلة اقتصادها في مثل هذه الظروف، خاصة وأن الدولة يتحتم عليها أن تجد طريقة لتوظيف الأعداد المتزايدة من سكانها الشباب. ولكن المصالح الخاصة والمنافسة داخل العائلة المالكة قد تحبط بعض هذه الجهود.

خفض الدعم ومحاولة فرض ضرائب في مناخ العمل المثبط دون إحداث مراجعة كبيرة في العقد الاجتماعي يشكل معضلة واضحة للقادة السعوديين. تقترب المملكة بالفعل من استكمال الانتقال من الجيل الثاني من القادة الذي هيمن عليه السديريون السبعة (أبناء الملك عبد العزيز من زوجته المفضلة حصة بنت أحمد السديري)، إلى الجيل الثالث الأكثر حجما والأوسع انتشارا والذي يشهد منافسات أكثر حدة. إدخال تغييرات على النظام للسماح قدر من التمثيل السياسي خارج العائلة ربما سيصبح أكثر صعوبة مع اقتراب المملكة من تغيير خط الخلافة.

في نفس الوقت، فإن القادة الشباب من أمثال «بن سلمان» ربما يكون أمامهم عدة عقود من أجل إتمام التحول في المملكة العربية السعودية. وغالبا ما يتمتع الزعيم الذي يصل إلى السلطة مبكرا بفرصة الاستفادة من الخطط ذات الأمد الطويل. ولا بد أن «بن سلمان» يفكر في المستقبل الذي سوف يتراجع فيه الإنتاج بشكل قد يعني أن الدولة السعودية في نهاية المطاف لن تكون قادرة على الاعتماد على النفط لدعم الدولة. والجدير بالذكر أنه يبدو أن الملك «سلمان» يتناغم بما يكفي مع أفكار ولده في الوقت الراهن ليعطيه مجالا واسعا في الدفاع وكذلك السياسة الاقتصادية. في مطلع عام 2015، شملت قائمة المناصب التي حازها «بن سلمان» رئاسة مجلس إدارة شركة (أرامكو) السعودية المكون من 10 أعضاء، إضافة إلى رئاسة المجلس الحكومي للشؤون الاقتصادية والتنمية. وخروجا عن الأعراف الجارية، فقد تم فصل شركة (أرامكو) عن وزارة البترول وأعطي «بن سلمان» صلاحية الإشراف المباشر على الشركة.

الثالي في ترتيب ولاية العرش هو ولي العهد ووزير الداخلية الأمير «محمد بن نايف»، ابن شقيق الملك «سلمان» وابن عم «محمد بن سلمان». ولي العهد البالغ من العمر 56 عاما ليس له ورثة (أبناء ذكور) وهذا يترك مسار الخلافة مفتوحا أمام «بن سلمان» طالما يحتفظ بعلاقات جيدة مع ابن عمه.

خلاصة

على الرغم من أن هناك الكثير من الأسباب لنكون أكثر قلقا شأن المملكة العربية السعودية هذه الأيام، ليس هناك ما يدعو إلى القلق بشأن مستقبل المملكة العربية السعودية. لدى المملكة 627 مليار دولار من الاحتياطيات الأجنبية من أجل تمويل العجز المتنامي في الموازنة، ولا يزال أمامها مجال واسع لزيادة ديونها. مع ارتفاع التحديات الأمنية من قبل الجهاديين والناشطين الشيعة، فإن المملكة العربية السعودية سوف تعطي الأولوية لميزانية الدفاع والأمن الداخلي من أجل حماية البنية التحتية النفطية الحيوية. وبينما تتصاعد الحروب السرية بالوكالة بين السعودية وإيران، فإن الرياض تبدو ناجحة حتى الآن في التضييق على خطوط الإمداد الإيرانية داخل الجزيرة العربية.

المملكة العربية السعودية سوف تكون أكثر مرونة وأقل تعنتا أيدولوجيا بحثا عن علاقات استراتيجية في الخارج من أجل إدارة جوارها المتقلب على نحو متزايد. وسيشمل ذلك العمل مع الأفرع التابعة لجماعة الإخوان المسلمين.

المرونة السياسية والاقتصادية في الداخل لا تزال مسألة للنقاش الحاد خلف الكواليس. وبينما نحاول تلمس هذا النقاش من خارج أبواب القصر، فسوف يكون هناك ميل طبيعي للربط بين الإجراءات السعودية وتوجهات الشخصيات السياسية مثل «بن سلمان» الذي يبدو رمزا للتغيير في المملكة. ومع ذلك فإن القوى الكامنة خلف التغير في سلوك المملكة العربية السعودية قد بدأت تتطور منذ فترة، ويمكن للتفضيلات السياسية للأمير الشاب أن تهز الأسس التي تقوم عليها الدولة في الوقت الذي يسعى فيه إلى حمايتها.