دول » السعودية

إيران والسعودية.. انقلاب التوازن الجيوستراتيجي

في 2016/01/12

هافينجتون بوست فرانس - ميلاد جوكر - ترجمة : محمد بدوي- شؤون خليجية-

لا يمكن اختزال الأزمة بين إيران والمملكة العربية السعودية في هذه القراءة السطحية، التي تقول إنها صراع بين "الشيعة ضد السنة". فالحقيقة أن التوترات الطائفية هي أمر واقع، ولكن البعض يستخدم الخلاف القديم بين السنة والشيعة كأداة فعالة لإحراز نقاط في صراعات أخرى، على النفوذ السياسي والجيوستراتيجي والديني والاقتصادي في المنطقة.

أما حقيقة الأزمة الحالية فهي نتاج قلق حكام السعودية، الذين وجدوا أنفسهم عاجزين أمام الاضطرابات الجيوسياسية الناتجة عن الاتفاق النووي الموقع بين طهران وقوى مجموعة (5+1)، والذي يمهد لعودة إيران إلى واجهة المشهد الإقليمي والدولي.

 

اختلال التوازن الجيوسياسي

في فترة السبعينيات من القرن الماضي، اعتمد الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، سياسته تجاه الشرق الأوسط بناء على نصائح مستشاره للأمن القومي هنري كيسنجر، الذي كان يرى ضرورة تحالف الولايات المتحدة مع اثنين من القوى الإقليمية الكبرى في المنطقة. ووفقًا لتلك السياسة فقد أصبح كل من إيران والسعودية حلفاء لأمريكا، ويقومان بدور شرطي الدرك بالمنطقة، في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة متورطة في مستنقع فيتنام.

وبعد ذلك، تعرض هذا التوازن للخلل بعد اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979، التي وضعت حدًا لتبعية طهران للولايات المتحدة وخدمة سياستها في المنطقة. ومن ثم فقد حافظت واشنطن على تحالفها مع الرياض في الوقت الذي بدأت عداوتها تستعر مع إيران.

وسريعًا أدرك نظام الحكم في السعودية التهديد المحيط به، بسبب محاولات طهران تصدير الثورة الإيرانية إلى دول المنطقة، فقامت السعودية وممالك الخليج بدعم صدام حسين خلال الحرب بين إيران والعراق، والتي قتل فيها أكثر من مليون شخص في إيران (ومن بينهم عشرات الآلاف قتلوا نتيجة هجمات بأسلحة كيماوية).

بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، تسببت نتائج الغزو الأمريكي لكل من أفغانستان في إثارة حالة من الذعر بالمملكة العربية السعودية.

فقد جاءت نتيجة الاحتلال الأمريكي لكل من البلدين في صالح إيران تمامًا، وفي عكس مصالح السعودية، فقد أسقط الأمريكيون حكم حركة طالبان السنية في أفغانستان، وأسقطوا أيضًا نظام صدام حسين– السني– في العراق، ومكنت واشنطن بعد ذلك لأنظمة وحكومات شيعية في بغداد، ونظام قريب من الشيعة في كابول.

وفي عام 2006، اكتسب حزب الله اللبناني شعبية في العالم الإسلامي بعد العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان. مما شجع السكان الشيعة في أماكن عديدة بالمنطقة (ومن بينها السعودية) على المطالبة بمزيد من الحقوق.

من وجهة نظر الرياض، فإن الانقلاب الجيوسياسي الحالي قد أعطى لإيران دورًا أكبر من حجمها في المنطقة؛ وجاء ذلك على حساب السعودية ودورها. وخاصة بعد الاتفاق النووي الذي أعطى لإيران زخمًا ومجالًا كبيرًا لتوسيع نفوذها في المنطقة. وترى السعودية أن قوتها بدأت تتناقص بالمقارنة مع إيران، مما جعلها تسعى بأي ثمن لوقف هذا الخلل وإعادة التوازن لميزان القوى الجيوسياسي.

وتعتمد السعودية على الوزن الجيوسياسي لها في التحرك كلاعب رئيسي يعمل على تحقيق الاستقرار وحل الأزمات الإقليمية. 

و تعمل السعودية على معارضة نتائج الاتفاق النووي الإيراني، وتعيق محاولات إشراك إيران في حل الأزمة السورية، وتسعى لتغيير مسار أي تطبيع للعلاقات بين واشنطن وطهران ولو بأي ثمن. وتأمل الرياض أن تتخذ الولايات المتحدة مواقفًا لصالحها في وجه الاستراتيجية التوسعية لإيران.

وعلاوة على ذلك، فإن الرياض تأمل من تصاعد التوتر بينها وبين طهران أن يصب في صالح التيار الإصلاحي ومعسكر الرئيس حسن روحاني، للحصول على مكاسب أكبر في الانتخابات البرلمانية المقررة الشهر المقبل، وتساعد على تغيير المشهد السياسي الإيراني في الداخل.

في النهاية، وبدون شك، فإنه بدون وجود حد أدنى من التفاهم بين السعودية وإيران، فلن تكون هناك نهاية للأزمة في كل من سوريا واليمن ولبنان، الأمر الذي يستفيد منه تنظيم داعش وغيره من الحركات المسلحة.