دول » السعودية

شرعية هيئة الأمر بالمعروف بين الافتئات والكهنوت

في 2016/01/06

عيسى الغيث- الوطن السعودية-

من يطالب بإلغاء أو دمج الهيئة بالداخلية، فهذا لم يخالف الشعيرة وإنما اجتهد واقترح شيئا وفق السياسة الشرعية كأداة لتحقيق مناط الأمر الرباني، ووفق المادة الثالثة والعشرين من النظام الأساسي للحكم

عمل الهيئة خليط بين شأن ديني يأمر بالمعروف كوقاية وينهى عن المنكر كعلاج وبين شأن دنيوي يتيح للناس العيش بحرية ويحمي الخصوصية دون التحكم في الرأي ضدهم ولا مصادرة رأي الناس ما لم يخالفوا إجماعا فقهيا حقيقيا أو نصا قانونيا ساريا.

وعليه فحديثي هنا سيكون ضمن 3 محاور، الأول شرعية (الاحتساب) بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والثاني شرعية (إقامة) جهاز يقوم بفرض كفاية هذه الشعيرة الواجبة، والثالث أصول وقواعد ومقاصد هذا الجهاز و(حدود) ولايته ونهاية صلاحيته التي تقف عند حد إجماع الفقه ونص القانون دون إلزام بالمختلف الفقهي ولا بالشاغر القانوني، ومن يخالف ذلك من رجال الهيئة فهو الواقع في منكر الافتئات على شريعة الله وقانون ولي الأمر صاحب البيعة.

ولننطلق أولاً من أصل تشريع هذا العمل وثانياً شرعية هذا الجهاز وهو قوله تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون)، فنخرج من نص الآية (الأمر الرباني) والأمر هنا يقتضي الوجوب، كما أنه يدعو لقيام (البعض) وليس الكل بنص (ولتكن منكم أمة) أي منها وليس كلها، وأمة وليس كل الأمة، وهنا يعني الأفراد أو مجموعة تقوم بفرض الكفاية ولا يلزم أن تكون جماعية أو سلطة رسمية، وإنما هذا من السياسة الشرعية ضمن الدولة الحديثة التي جعلت من نفسها قائمة بفروض الكفايات وحاكمة على غير الرسميين بالافتئات واستحقاق العقوبات منعاً للفوضى ودفعاً للتسلط بين الناس، وعليه قامت الدولة بإنشاء جهاز يقوم بفرض الكفاية ولا يجوز لغيره العمل معه ولا عنه وإنما يقف الدور على التبليغ مثل تبليغات مخالفات المرور والأمن والغش ونحوه، وأما حديث (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه) فهذا ليس على إطلاقه وإنما هو مقيد بثلاثة أمور؛ (الأول) أن يكون منكراً واقعاً لا متوهماً وعبر إجماع حقيقي لا مزعوم ولا مختلف عليه فقهاً، و(الثاني) ألا يكون هناك جهاز يقوم بفرض الكفاية، ولدينا الهيئة قائمة بذلك وهو حق حصري لها دون الأفراد وفق أحكام الشريعة والسياسة الشرعية والقوانين المعتبرة، و(الثالث) يختص بتنفيذ هذا الإنكار باليد الراعي على رعيته كالأب في بيته وليس التطفل على الناس في الشارع فهذا ليس من ولاية الفرد لا شرعاً ولا قانوناً.

ولذا هناك فرق بين ثلاثة أمور:

الأول من يطالب بمنع هذه الفريضة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وبين من يطالب بتقنينها وترشيدها ومنع الأفراد من ممارستها لوجود جهاز يقوم بذلك، فمن يمنعها مطلقاً بدعوى الحرية الشخصية فهو مخالف للشريعة والقانون ما دام الإنكار مقيداً بالهيئة ووفق المجمع عليه لا المختلف فيه، ووفق المحظور قانونياً لا بموجب الفتاوى، ولو كانت رسمية لأنها غير ملزمة سواء كانت من مجلس هيئة كبار العلماء أو اللجنة الدائمة للإفتاء، فالأول استشاري لولي الأمر والثاني للفتاوى الخاصة، ولا يجوز لولي الأمر إلزام الناس بفتاوى فردية (كالمفتي العام) أو جماعية (كالهيئة واللجنة) لأن المسألة الفقهية إن كانت مجمعا عليها حقاً لا زعماً فلا تحتاج لفتوى وإنما إخبار وتبيين، وإن كانت غير مجمع عليها وهي غالب المسائل فيترك الأمر للمقلدين ليقلدوا من يرونه الأعلم الأتقى وإلا فستكون كهنوتية دينية واستبداد دنيوي، إلا أنه لولي الأمر لا سواه من المفتين الإلزام ببعض الترجيحات الفقهية بشرط أن تكون في الشأن العام والمكان العام للمصلحة العامة لا الشأن الخاص والمكان الخاص والمصلحة الخاصة، وهذا مثل كشف وجه المرأة وصلاة الجماعة ونحوهما مما يعد الأول شأناً خاصاً ولو كان في مكان عام والثاني يعد اجتهادا خاصا إن كان صاحبه مجتهداً، أو مقلدا إن كان صاحبه مقلداً، ولا يوجد قانون (نظام) أو أمر من الملك دون غيره لكونه صاحب البيعة وواجب السمع والطاعة أنه ألزم الناس بمسائل خلافية وتحكم عليهم وصادر رأيهم في الاجتهاد والتقليد.

والثاني من يطالب بإلغاء أو دمج الهيئة بالداخلية، فهذا لم يخالف الشعيرة وإنما اجتهد واقترح شيئاً وفق السياسة الشرعية كأداة لتحقيق مناط الأمر الرباني ووفق المادة الثالثة والعشرين من النظام الأساسي للحكم الذي نص على (تحمي الدولة عقيدة الإسلام، وتطبق شريعته، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتقوم بواجب الدعوة إلى الله)، وهذا متحقق سواء كانت الهيئة مستقلة أو مدموجة ضمن جهاز آخر ما دام تحقيق مناط المادة الدستورية متحققاً.

والثالث من يطالب بتقنين عمل الهيئة وهو المتحقق وفق قرار مجلس الوزراء رقم 73 وتاريخ 16/3/1434 كأداة لإصدار "تنظيم الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" حيث نشر في 12/4/1434 وصار سارياً بعد 90 يوماً أي في 12/7/1434 وهو مكون من 15 مادة مختصرة، إلا أن اللائحة التنفيذية التي يجب أن تصدر بأمر من رئيس مجلس الوزراء لا زالت لم تصدر طول السنوات الثلاث الماضية للأسف، وهو الذي أكد عليه مجلس الشورى في قراراته حتى يعرف رجل الهيئة ما له وما عليه ويعرف الناس حدود ولايته وصلاحيته وفق قرار ولي الأمر (رئيس الدولة) صاحب البيعة.