مجتمع » أسرة

العنف الأسري

في 2016/01/01

هشام صافي- الخليج الاماراتية-

الأسرة العربية رغم تفاوت تطور مجتمعاتها، إلا أنها على الأغلب ما زالت بعيدة بمسافات شاسعة عن النموذجية، ولا تستطيع أن تكون مثالية في علاقات أطرافها، إذ إنها تخضع للسلطة الأبوية، ويقوم بقية أفرادها بأدوارهم وفق ما يقرره رب الأسرة، وتخضع الزوجة لأوامر زوجها ونواهيه وأفكاره ومعتقداته الحياتية، وينشأ الأبناء ليس بعيداً عن هذا المحيط السلطوي، لتصبح السلطة متجمعة في يد واحدة، تتسلط بدرجات متفاوتة إلى حد ما.

والنماذج الطيبة التي نتمناها للأسرة العربية محدودة جداً، وتكاد تقتصر على حاملي الشهادات الدراسية فوق العليا، أي ما بعد الجامعية، والبعض ممن احتك بالحضارة الغربية، وهي للحق وفي هذه النقطة بالذات، جيدة من زاوية أن القرار ينفذ وفق قدرة صاحبه على الإقناع وليس على الإجبار وبالإكراه، ولا مجال لاستخدام العنف فيها بين أي طرف، المسألة ليست قراراً ينفذ أو لا ينفذ وحسب، جوهر القضية في كيفية ممارسة العلاقة بين أفراد الأسرة الواحدة، بدءاً من التشاور والحوار حول القضايا الخاصة بعمومهم، ولغة الأدب والحب والمنطق السائدة في الحديث والمواقف على حد سواء، على عكس ما يحدث في أسرنا من استخدام ألفاظ لا تليق بالحرم الأسري ولا بأي مكان آخر.
نحن نمارس العنف الأسري حتى النخاع، الأب يفرض سلطته على الجميع، والأم في علاقاتها ببناتها تستخدمه أحياناً، ومع الصغار دائماً، والأطفال والمراهقون يحسمون خلافاتهم في كثير من الأحيان بالأيدي، وقد تكون النتائج دماء تسيل وأطرافاً تكسر.
والعنف ليس «بالضرب» فحسب، لكنه يتجلى أيضاً في التوبيخ والتعنيف والاعتداء اللفظي بالسباب وتقليل الشأن وغيرها، وحتى المنع بالإكراه اللفظي والتهديد بالعقاب وبغيره هو ممارسة مباشرة للعنف.
طبعاً من الصعب أن نطلب المثالية في مجتمع مشوش العلاقات، فالأب غير المتعلم، والأم متوسطة التعليم والابن الذي اكتفى بالمرحلة الإعدادية، هؤلاء وغيرهم لا يصنعون الأسرة التي نتمنى أن نكون أحد أفرادها، القادرة على أن يكون الحب الرابط العاطفي الوحيد في حياة أفرادها وبه يعاملون بعضهم البعض، فلا مجال للبغضاء والكراهية ولا حتى الزعل من موقف ما، فالمحبة تصفي النفوس، وتوحد المواقف وكأنها صادرة عن شخص واحد وليس أفراد أسرة.
يجب أن نتعلم الأخلاق الإيجابية، والألفاظ الإيجابية، ونفكر بإيجاب بعيداً عن السلبية، وعلى الأسر التي تنعم بالاستقرار ولا مكان فيها للعنف، أن تنقل عدواها إلى غيرها من الأسر، والمدرسة لها دور كبير في تهذيب أخلاق الصغار واليافعين، وتحسين ألفاظهم، فلا ينطقون إلا بطيب الكلام وجميله، وفي مواقع العمل المختلفة الميدانية والوظيفية، يجب أن يتحلى الجميع بروح الفريق المتآخي، المتجانس إلى حد ما، وتسود لغة واحدة لا لغتين، لغة المحبة والحوار، ونبذ اللغة الأخرى، حتى نقترب خطوات معقولة من الأسر المثالية عدوة العنف.