دول » قطر

دولنا "المفعول بها" سياسيا.. دائما؟!

في 2015/12/30

د. إبراهيم الشيخ- الشرق القطرية-

(1) يفترض البعض أن المؤامرات التي حيكت -ولا تزال- لدولنا، من تقسيم جغرافي وسياسي ثم إثني وعرقي وطائفي، يخطط لها السياسيون وينفذها العسكريون فقط لا غير، وهذا افتراض غير دقيق بالمرّة.
الكثير من الأزمات السياسية والاقتصادية والعسكرية المفتعلة، تختلقها مراكز دراسات إستراتيجية ومستقبلية، فيها المخططون والباحثون والعلماء والاقتصاديون والعسكريون، وتخصصات أخرى، جميعها تُستنهض للسيطرة على البلدان وتسخير مقدراتها وخيراتها لخدمة دول إمبريالية، تنظر للعالم وكأنه ملك يمين!
(2) قبل 100 عام تقريبا، كانت اتفاقية "سايكس بيكو" الأولى، في 1916، ونتج عنها تفاهما سريا بين فرنسا والمملكة المتحدة بمصادقة من روسيا، على اقتسام الهلال الخصيب وتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا، حيث تقاسموا الإرث العثماني قبل أن يموت صاحبه.
ومنذ ذلك الحين ونحن نعيش زمن الضعف والهوان والانكسار.
تم احتلال غالبية الدول العربية، وحتى بعد استقلالها اكتشفنا أن الكثير منها مازال يعيش رهينا لعقلية (الاستعمار) الغربي، باختلاف آلهته، الأمريكي والبريطاني والفرنسي والإيطالي.
بل حتى تلك الدول، مازالت تتعامل مع دولنا العربية، وكأنها أجزاء منها، لها خطوط مرسومة بعناية، ولا يمكنها تجاوزها، وإلا كان العقاب والتأديب!
(3) دولنا ومنذ أن تحقق لها الاستقلال الذي درسناه في كتب التاريخ، لم تستطع التخلّص من إرثه في العقول، ولم تنجح في توظيف ما حباها الله تعالى من ثروات نفطية هائلة، في رسم سياستها المستقبيلة وسيادتها المستقلة التي تحفظ لها مكانتها، وتدّخر لها قوّتها.
لعل الوحيد الذي واجه الهيمنة الغربية بوضوح في تاريخنا، وحاول توظيف النفط كسلاح، هو الملك فيصل عليه رحمة الله، ولكن كان المحيط أقوى منه، لذلك تمّ التخلّص منه، قبل أن يتوسّع في مشروعه.
ليس ذلك فحسب، فبسبب الضعف والوهن الذي أصاب الأمة وحكامها، وانشغالهم بالتجارة عوضا عن الإصلاح السياسي والاقتصادي والمصالحة الحقيقية مع الشعوب، لم يستوعبوا حقيقة أن هناك حروبا مستقبلية أعدّت منذ عقود، كانت تنفّذ على الأرض وتتدحرج ككرة الثلج.
أضاع العرب العراق، بل تركوه لقمة سائغة في فم الاحتلال الأمريكي ومن ثم الإيراني بلا تحفظ، في الوقت الذي كانوا يشاهدون فيه لبنان تغرق، ولم يستوعبوا بعد، أن أدوات إغاثتهم له كانت تذهب في المكان غير الصحيح.
تكرر الأمر مع اليمن وسوريا وغيرهما، حتى جاءت إرادة الحزم، لتحدث تغيّرا جذريا في تعاطي دولنا مع أجندات، كانت معدّة لالتهام دولنا عن بكرة أبيها، لولا قدَر الله.
(4) نعم نحن بعيدون جدا عن رسم مستقبلنا السياسي والسيادي، ليس لأننا لا نستطيع، ولكن لأن العقل الذي يفترض أن يتوحد بعد كل تلك الضربات القاصمة، لم يستوعب بعد حقيقة المخاطر الوجودية والحدودية التي تعصف بالأمة.
للأسف، دولنا اليوم مازالت مشغولة بقضايا هامشية في الإصلاح السياسي والاقتصادي، بل إن التراجع في الإصلاح في غالبية دولنا العربية بات هو الأصل، أيضا ليس لأن دولنا غير مستوعبة للديمقراطية ولحقيقة الإصلاح، ولكن لأنها غير مستعدة لتحمّل تبعاته.
مع كل خطوة لأي مشروع إصلاحي، تعيد منظومة الفساد تشكيل نفسها مرة أخرى، لنكتشف أنها أقوى بكثير من "الدولة" في محيطنا العربي.
منظومة الدولة العميقة، باتت تتحكّم في مفاصل دولنا، حتى بات أي نوع من الإصلاح يُلفظ وكأنه فيروس غريب على الجسم!
(5) في الوقت الذي يتآمر فيه الغرب علينا، وفي الوقت الذي تضخّ فيه غالبية الميزانية الإيرانية مثلا لتحقيق أجندات طائفية في دولنا، مازالت دولنا تحاول القضاء على المحسوبية والواسطة والبيروقراطية.
مازالت دولنا تعاني من أنظمة تعليمية غير مهيأة للتفكير بالمستقبل.
أمة مشغولة بتلك التفاصيل التافهة، لا يمكن لها أن تقيم وزنا لمراكز دراسات إستراتيجية مستقبلية، يكون لها دور حاسم في رسم سياسة أنظمتنا العربية بشكل عام، والخليجية بشكل خاص، في مواجهة تحديات مرعبة.
التهديد بالإفلاس والأزمات المالية المتوقعة، ليست مؤامرات خارجية في أصلها، ولكن لأننا فشلنا في استثمار عناصر قوتنا، وفشلنا في استغلال تلك الأموال في إثراء الشعوب علميا ومعيشيا كما فعلت دول أقل منا ثروة وأموالا، كانت النتيجة هي الحالة التي وصلنا إليها اليوم في غالبية دولنا، حيث العجز والخوف من المستقبل.
ختاما، ومع قتامة المشهد، مازال بالإمكان استدراك ما مضى، في خطوات بإمكانها أن تحفظ كياننا المهدد، لكنها إجراءات وخطوات حرجة جدا، تحتاج لجرأة وعزم وحزم حقيقي ومتكامل ومتواصل، على المستوى الداخلي أولا، ثم على المستوى الخارجي، فهل نستطيع؟!