دول » البحرين

التعليم بين الإنفاق والتقتير

في 2015/11/27

سلمان سالم- الوسط البحرينية-

في أحيانٍ كثيرة يكون السبب الرئيسي الذي يؤدي إلى تدني مستوى التعليم في أي بلد يرجع في الغالب الأعم إلى قلة الإنفاق عليه، أو أن الميزانية المخصصة للتعليم لا تفي بمتطلبات التعليم الأساسية، ولا تساعد وزارات التربية التعليم في تلك الدول على تكوين بيئة تعليمية متكاملة يستفيد منها المعلم والمتعلم معاً، ولا تمكنها من إيجاد مناهج دراسية متطورة تلبي احتياجات سوق العمل وتحقق طموحات أوطانهم، ولا تستطيع تمويل الكثير من المشاريع التربوية والتعليمية التي تساهم مباشرة في تطوير وتنمية قدرات ومهارات الكوادر الإدارية والتعليمية وتقديم المحفزات الضرورية لهم، للقيام بدورهم التربوي والتعليمي على أكمل وجه، ولا تعطيها المجال لرفع مرتبات العاملين في قطاع التعليم بالمستوى الذي يتناسب مع الجهود التي يقدمونها للمهنة.

فلو حاولنا مناقشة هذه المسألة بموضوعية بالنسبة للتعليم في بلدنا البحرين، هل سبب تدني التعليم في البلاد يرجع إلى قلة الإنفاق عليه أم هناك أسباب أخرى؟ يظهر أن الإنفاق على التعليم في بلدنا البحرين من خلال استرجاع وزارة التربية والتعليم مبالغ كبيرة من الميزانية المخصصة لها لتنفيذ برامجها ومشاريعها ومرافقها التربوية والتعليمية إلى خزينة الدولة، أنه ونقصد الإنفاق على التعليم معقول نسبياً، ولم يكن كما يبدو هو السبب في تدني التعليم في البحرين حسب الأرقام المرصودة له، وكان من المفترض أن تستغل وزارة التربية والتعليم حجم الإنفاق في تطوير وتنمية التعليم في كل جوانبه النظرية والمهنية، وتجعله سبباً في رفع مستوى المعلم الاقتصادي والمهني، ورفع مستوى التحصيل الأكاديمي لدى الطلبة والطالبات، وليس تدني التعليم في كل مفاصله التربوية والتعليمية.

الواضح أن هناك أسباباً كثيرة غير الإنفاق قد جعلت التعليم في البلاد ليس على ما يرام، وأن هذه الأسباب قد جعلته يقف عاجزاً عن تلبية احتياجات البلد في أكثر المواقع الأساسية وفي مقدمتها التعليم، رغم مرور 95 عاماً على بداية التعليم في البحرين، وفي اعتقاد الكثيرين من المتابعين للشأن التعليمي في البلاد، أن من أهم الأسباب التي أدت إلى تدني التعليم بنسبة كبيرة، هي عدم أخذ وزارة التربية والتعليم بمبدأي المواطنة المتساوية، وتكافؤ الفرص، ولم تعمل بالشفافية ولو بنسبة متدنية في تعييناتها للمناصب العليا، وفي توظيفها وترقياتها وحوافزها ومكافآتها وبعثاتها الدراسية، وفي كل خطواتها وقراراتها وإجراءاتها وممارساتها التربوية والتعليمية، وبسبب فقدانها للاستراتيجية التعليمية الواضحة كما ورد في تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية.

فلهذا كانت النتيجة تخبطاً كبيراً في إدارة وتنفيذ المشاريع والبرامج التربوية، وإهداراً للأموال بلا مبررات قانونية، وخللاً كبيراً في معايير وآليات التعيين والتوظيف والترقيات والحوافز والمكافآت والتنقلات والبعثات الدراسية، وفي الأعوام الماضية كانت وزارة المالية تخصص للتعليم ميزانية معينة حسب البرامج والمشاريع والمرافق التربوية التي طالبت وزارة التربية والتعليم رصد الميزانية اللازمة لها لتنفيذها، وبعد حصولها على الميزانية المطلوبة لتنفيذ برامجها ومشاريعها التربوية والتعليمية، تجدها في نهاية السنة المالية ترجع مبالغ كبيرة من الميزانية المخصصة لها إلى موازنة الدولة، ماذا يعني هذا التصرف؟ إن كانت بسبب تقديراتها المالية خاطئة فهذه مصيبة، وأن كانت بسبب أنها لم تنفذ الكثير من برامجها التي كانت ضمن الخطة المقدمة، فتلك مصيبة أكبر، في الحالتين يعتبر من وجهة نظر الاقتصاديين خطأ كبيراً وأنه ناتج عن سوء إدارة، وقد يؤدي هذا السلوك الخاطىء إلى إرباك بقية المشاريع الخدمية المقدمة للمواطن، والمصيبة أن وزارة التربية والتعليم تعتبر إرجاع مبالغ كبيرة من الميزانية المخصصة لها فضيلة كبرى، وتعد ما قامت به حرصاً على أموال الدولة، وكأنها تجهل أن ما فعلته ليس له علاقة لا من قريب ولا من بعيد بمفهوم الحرص على الأموال العامة، وأنه يندرج تحت مفهوم التخبط في التخطيط والتنفيذ.

نقول لا مجال للتسويف أو التجاهل والتغافل عن هذه المسألة المهمة التي ترتبط بصورة مباشرة أو غير مباشرة بكل مصالح البلد في جميع المجالات التعليمية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والإنسانية والمهنية والثقافية والتكنولوجية، فالعمل الجاد على إنهاء الأسباب التي أدت إلى تراجع التعليم هو السبيل الأوحد الذي ينقذه من التردي، فالبحرين تمتلك طاقات بشرية هائلة، لو استغلت بصورة صحيحة، تستطيع من خلالها أن تنتقل بالتعليم إلى مستويات تنافسية في كل المجالات والميادين على كل المستويات الإقليمية والعربية والدولية، لاشك أن أبناء الوطن جميعهم يتمنون لبلدهم التقدم والنمو في التعليم وفي كل الاتجاهات العلمية والطبية والخدمية والمعمارية والفنية، ويأملون أن يروا ذلك قريباً لما له من أهمية كبرى على حاضر ومستقبل بلدهم.