علاقات » دول أخرى

تعقيدات كبيرة في مسار التحالف السعودي الباكستاني .. هل يمكن أن يستمر؟

في 2015/11/20

ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-

في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني، توجه رئيس أركان الجيش الباكستاني «رحيل شريف» في زيارة إلى الرياض حيث التقى كبار المسؤولين السعوديين وأبرزهم الملك «سلمان»، وقد أكد الجنرال الباكستاني خلال الزيارة التزام بلاده تجاه أمن المملكة وبخاصة مكة المكرمة والمدينة المنورة وكذلك السلامة الإقليمية للمملكة العربية السعودية. المسؤولون في السعودية، في المقابل، دعوا إلى حفظ السلام والاستقرار في باكستان كما أشادوا بجهود الجيش الباكستاني في محاربة الإرهاب. أصدرت كبار الشخصيات من كلا الجانبين بيانا مشتركا أكدوا فيه التزامهم تجاه الأمة الإسلامية ومخاوفهم من الأزمات المتتالية التي تضرب المنطقة.

وقد وصفت وسائل الإعلام السعودية زيارة «شريف» بكونها قد «وضعت حدا لفترة ممتدة من البرود في العلاقات» يعود تاريخها إلى بداية أبريل/ نيسان، عندما صوت البرلمان الباكستاني بالإجماع ضد مشاركة البلاد في عملية عاصفة الحزم ضد الحوثيين في اليمن. وأكد المراقبون أن الاجتماع جاء بمثابة «إعادة ضبط» للعلاقات السعودية الباكستانية. وبالنظر إلى القضايا المتعددة التي تبدو على المحك في المنطقة، فإن الحكومتين تهتمان بوضع العلاقات بينهما على مسارها الصحيح من جديد. ومع ذلك، فإن التحولات في منطقة الشرق الأوسط والنظام الجيوسياسي في جنوب آسيا تثير تساؤلات حول احتمالات صمود هذا التحالف على المدى الطويل.

علاقات فريدة

حاول القادة السعوديون والباكستانيون الحفاظ على علاقاتهم الدافئة على مدى تاريخهم. ودعا مسؤول سابق في الاستخبارات السعودية العلاقة أنها على الأرجح من أقرب العلاقات في العالم بين أي بلدين. من المهم أن نتذكر أن الفضل يعود إلى المملكة العربية السعودية في إنقاذ حياة رئيس الوزراء الباكستاني الحالي «نواز شريف». في عام 2000، قدمت له المملكة فرصة اللجوء بعد أن أقنع السعوديين آنذاك الرئيس الباكستاني «برويز مشرف» بالإفراج عنه من السجن بعد أن تمت الإطاحة به في انقلاب عسكري في عام 1999.

على مدى عقود، حافظت المملكة العربية السعودية وباكستان على تحالف فريد من نوعه، يمتد إلى جذور شرعية آل سعود نفسها والذين استندوا إلى قوة وخبرة الجيش الباكستاني، والمصالح الجيوسياسية المشتركة بين الدولتين حيث يعمل أكثر من 1.5 مليون عامل باكستاني في المملكة. السعوديون يرون باكستان، التي تشترك في حدودها مع إيران بحوالي 565 ميلا كما أنها الدولة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك أسلحة نووية، على أنها حليف حيوي قادر على أن يكون بمثابة موازنة فعالة لتنامي النفوذ الإيراني.

ووقفت المملكة إلى جوار باكستان في أواخر التسعينيات، وقدمت لها منحة بقيمة 2 مليار دولار من النفط الخام بعد أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات نووية على إسلام أباد. مولت الرياض ضمنيا برنامج الأسلحة النووية الباكستانية ويفترض على نطاق واسع أنه إذا كانت المملكة العربية السعودية على وشك اتخاذ قرار بمتابعة برنامج للأسلحة النووية، فإن باكستان من شأنه أن تساعد الرياض في ذلك.

منذ الستينيات، كان الجنود السعوديون يتمركزون بشكل دائم في المملكة، وقدمت إسلام أباد للرياض العديد من المساعدات العسكرية. في عام 1969، شارك الطيارون الباكستانيون في هجمات المتمردين في اليمن لمساعدة السعودية. خلال الثمانينيات، نشرت باكستان قواتها في السعودية لحماية المملكة من تنامي خطر الثورة الإيرانية في حين تعاونت الرياض مع إسلام أباد وواشنطن في تدريب وتسليح المجاهدين القتال في الحرب السوفيتية الأفغانية. خلال حرب الخليج الثانية عام 1991، كان هناك 11 ألفا من الجيش الباكستاني يتمركزون في السعودية لحماية المقدسات. عندما اندلعت انتفاضة البحرين في عام 2011، فإن مؤسسة فوجي (تكتل باكستاني مرتبط بالجيش) عينت 2500 شخص على الأقل من الجيش لمساعدة قوات الأمن الخليجية في قمع المتمردين الشيعة.

عدم الاتفاق في اليمن

وعلى الرغم من هذا التحالف التاريخي القوي، قررت باكستان عدم دخول المعترك اليمني في وقت سابق من هذا العام، ويرجع ذلك إلى 3 أسباب رئيسية. أولا: تضع باكستان موازنة علاقاتها بين المملكة العربية السعودية وإيران في أولوية متقدمة. وقد رأت باكستان أن انحيازها مع الرياض في اليمن سيسهم في مزيد من الاشتعال الجيوسياسي. ثانيا: يعارض العديد من الشيعة الباكستانيين بشدة الحملة السعودية ضد الحوثيين في اليمن. وينظر المسؤولون في باكستان إلى التورط في الصراع على أنه قد يسهم في إشعال الاضطرابات الطائفية والتوترات في الداخل بشكل متزايد. ثالثا، كان يركز الجيش الباكستاني على عملية «زارب» على طول حدوده مع أفغانستان ولم يكن لديه رغبة في فتح جبهات متعددة للقتال.

وعلى الرغم من الاحتكاك بين المملكة العربية السعودية وباكستان الناجم عن عدم التوافق في اليمن، فإن الرياض كانت عازمة على منع توسع مساحات الخلاف بينها وبين باكستان. يواجه السعوديون مجموعة من النكسات دوليا ومحليا، ووسط هذه التحديات فإن العاهل السعودي يرى قيمة كبيرة في توثيق التحالف مع باكستان.

وقد فشلت الحملة العسكرية السعودية إلى الآن في تحقيق أهدافها، ويرى بعض المحللين أن السعودية ربما تكون ممتنة الآن لباكستان للحفاظ على موقفها المحايد بما يمكنها أن تلعب دورا في المستقبل كوسيط للسلام في اليمن.

الصين وإيران والهند

تحاول كل من الرياض وإسلام أباد استكشاف علاقات أعمق مع دول أخرى في المنطقة، ما يجعل من الصعب التنبؤ بالمسار طويل الأجل للعلاقات بين البلدين.

مثل الولايات المتحدة، فإن باكستان قد أبدت اهتمامها مؤخرا في التحول نحو آسيا بعيدا عن الشرق الأوسط. الصين، التي أصبح لها نفوذ سياسي واقتصادي كبير في باكستان لسنوات عديدة، تمول الآن مما اقتصاديا يربط ميناء جوادر الباكستاني مع إقليم شينغيانغ في الصين.

وفي الشهر نفسه الذي رفضت فيه باكستان نشر قوات للانضمام إلى قوات التحالف التي تقودها السعودية في اليمن، فقد وعدت إسلام آباد الصين بإرسال 10 آلاف جندي (منهم 5000 جندي من قوات النخبة الخاصة) لحماية العمال الصينيين الذين يعملون على بناء هذا الممر في باكستان. تحاول إسلام أباد الاستفادة من علاقاتها مع الصين في معركتها ضد الهند من أجل التفوق الاقتصادي والسياسي.

كما تم إدراج خطة لبناء خط لبناء أنابيب غاز (يفترض أن يكتمل في عام 2017) يربط بين ميناء جوادر وحقل بارس في الجنوب الإيراني. تعزم الصين على المضي قدما في إنشاء مشروع طريق الحرير الجديد الذي يربط ما بين شرق آسيا ومنطقة الخليج. بوضوح فإن باكستان تبدو عازمة على استكشاف علاقات أوثق مع إيران الغنية بالطاقة خاصة بعد توقيع الاتفاق النووي والاتجاه نحو رفع العقوبات الدولية عن طهران. وقد سعى السعوديون بنشاط لمواجهة النفوذ الإيراني في باكستان. على سبيل المثال، في وقت سابق من هذا العام، أصدرت ويكيليكس وثائق تعرض جهود الدبلوماسيين السعوديين رفيعي المستوى «لتعزيز النفوذ السعودي في الجامعات الباكستانية ومنع العلماء الإيرانيين من إحراز تقدم في هذه المؤسسات الأكاديمية في باكستان».

ما يزيد من تعقيد المشهد هو اتجاه المملكة العربية السعودية نحو تعميق علاقاتها مع الهند. على الرغم من أن العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين البلدين تعود إلى عام 1955، فقد تلقت العلاقات دفعة واضحة في العام 2006 عندما الملك زار «عبد الله» الهند ووقع على إعلان دلهي الذي يقضي بزيادة التعاون بين البلدين في المجالات الأمنية. في عام 2010، وقع رئيس الوزراء الهندي «مانموهان سينغ» والملك «عبدالله» إعلان الرياض، الذي وضع الأساس لتعزيز جهود مكافحة الإرهاب بين الحكومتين إضافة إلى معاهدة لتسليم المجرمين. في عام 2012، في أعقاب زيارة وزير الدفاع الهندي للمملكة، ساعدت دلهي الرياض على إنشاء كلية حرب الغاب والتي تهدف إلى تدريب القوات السعودية لمكافحة مقاتلي القاعدة قرب الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية مع اليمن.

تمت البرهنة على مدى التعاون الأمني الهندي السعودي في يوليو/ تموز عام 2012 عندما قبضت السعودية على الإرهابي الهندي «فهيم أنصاري» المسؤول عن هجمات مومباي عام 2008. يعيش في المملكة بجواز سفر باكستاني. على الرغم من أن امتلاك «أنصاري» جواز سفر باكستاني كان من شأنه أن يؤدي عادة إلى تسليمه إلى باكستان، لكن الرياض اختارت تسليم «الأنصاري» إلى الهند، ما شكل لحظة فاصلة في التعاون الهندي السعودي.

على الرغم من أنه من غير المرجح أن تحل الهند محل باكستان في الاستراتيجية الخارجية السعودية، فإن تزايد العلاقات الاقتصادية الهندية السعودية يمكن أن يؤثر في تصور الرياض حول القيمة الاستراتيجية لباكستان كحليف على المدى الطويل. التجارة مع الهند تبدو واعدة اقتصاديا أكثر من باكستان. على الرغم من أن باكستان تعتمد إلى حد كبير على المملكة اقتصاديا، فإن التجارة الثنائية غير متكافئة. التجارة الهندية السعودية أكبر بكثير إضافة إلى كونها أكثر تنوعا. يفوق التجارة الهندية السعودية حجم التجارة بين باكستان ودول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة.

استنتاجات

ترتبط المملكة العربية السعودية وباكستان بعلاقات خاصة. استخدم السعوديون أموالهم للاستثمار في الأسلحة المتطورة. و على مدى عقود قد لعبت القوى العاملة والخبرات العسكرية الباكستانية دورا محوريا في المشهد الأمني ​​في المملكة .تحاول السعودية وباكستان إعادة ضبط العلاقات المهتزة بعد أزمة اليمن، ولكن المشهد السياسي يثبت أن اليمن ليست هي الملف الوحيد للخلاف بين البلدين. أسباب باكستان لرفض الانضمام لعاصفة الحزم تعكس وقائع جيوسياسية جديدة وأولويات جديدة للقيادة الباكستانية. من المرجح أن ملكيات الخليج العربي وليس المملكة العربية السعودية فقط سوف ترفع المزيد من الأسئلة حول التزام باكستان تجاه أمن الخليج في ضوء الخلاف مؤخرا في اليمن. في الواقع، عانت العلاقات بين باكستان ودولة الإمارات العربية المتحدة من تداعيات الأزمة اليمنية في إبريل/ نيسان الماضي. في الواقع، يؤكد كثير من المحللين أن زيارة الجنرال «شريف» مؤخرا إلى الرياض كانت تهدف أيضا للتواصل مع القادة الإماراتيين عبر السعودية، بيت القوة الخليجي.

تثير صراعات الشرق الأوسط توترات متزايدة بين السعودية وإيران، وتجد باكستان صعوبة حقيقية في موازنة علاقاتها مع الحفاظ على توازن حقيقي بين الرياض وطهران. ناهيك عن الديناميات الطائفية والاستياء المتنامي ضد المملكة من قبل شريحة واسعة من سكان باكستان. . وبطبيعة الحال، تلوح في الخلفية علاقات الرياض مع دلهي، وهو تطور جيوسياسي قد يؤثر على مستقبل العلاقات من وجهة نظر إسلام اباد.

لذا فمن المرجح أن تستمر باكستان في محاولة استكشاف الفرص المتاحة لتنمية العلاقات مع دول غير عربية مثل الصين وإيران في الوقت الذي تنمو فيه العلاقات الهندية السعودية. وعلى نفس المنوال، فإن الرياض ترغب في تجنب استعداء إسلام أباد في الوقت الذي يواجه فيه مجموعة من التحديات الأمنية المحلية والإقليمية. على الرغم من محاولة ضبط العلاقات، فإن التحالف السعودي الباكستاني المتطور من المرجح أن يواجه تعقيدات غير متوقعة في المستقبل.