دول » البحرين

مآزق وزارة التربية

في 2015/11/19

قاسم حسين- الوسط البحرينية-

لقد بدأت وزارة التربية والتعليم الدخول فعلاً في مرحلةٍ صعبةٍ تواجه فيها الكثير من المآزق والمطبّات، والمؤسف أن هذه المآزق هي من صنع أيديها عن سابق عمدٍ وإصرار.

نحن في الصحافة لم ندّخر نقداً ولا نصحاً لتجنّب هذه المآزق والمطبّات، حيث حاولنا تحمّل دورنا وكتبنا وفق ما يمليه الضمير والمسئولية الوطنية، إلا أن الوزارة كانت تضع في أذُنَيها طيناً وعجيناً، لكيلا تسمع صوت الناصحين.

من أكثر المواضيع التي اختلفنا فيها مع الوزارة هي سياسة التوظيف، التي لا تراعي المصلحة الوطنية العليا ولا تهتم بمصلحة المواطنين. فأنت حين تصرّ على استبعاد الكوادر الوطنية من خريجي الجامعات الوطنية والخارجية، من سلك التوظيف، فأنت تُضعف التعليم. وحين تضع العراقيل في وجه توظيفهم، وتعمد إلى إقصائهم عن التعليم، فأنت تقضي على خيرة الخريجين التربويين وتقضي على طموحهم في خدمة وطنهم. وحين تعرقل الترقيات والبعثات والحوافز، وتضيّق الخناق على المعلمين، فأنت تحوّل هذه المهنة النبيلة إلى مهنةٍ طاردةٍ للكفاءات.

لسنواتٍ ونحن ننتقد سياسة توظيف المعلمين، وبأعداد كبيرة، من بلدان أخرى، بينما يُحرم المعلمون البحرينيون من الالتحاق بهذه الوظيفة في بلدهم، التي يجب أن تقوم على أكتاف أبنائه، ولن تجد بلداً يطبّق هذه السياسة في العالم أجمع. وكانت كلّ ما تسوقه الوزارة من تبريراتٍ لهذه السياسة غير المعقولة، يقابلها الرأي العام، وخصوصاً الخريجين المتضرّرين، بمزيدٍ من الاستنكار والإدانة والاشمئزاز والنفور.

لسنواتٍ ونحن ننتقد وجود أكثر من 1900 خريج جامعي وطني من التخصصات التربوية، تتسبّب الوزارة في حرمانهم من فرصة العمل والمشاركة في تنمية وطنهم وتطويره عبر أقدس المهن. واليوم تعترف الوزارة بوجود أكثر من 3000 معلم وافد في المدارس الحكومية، بما تبلغ نسبته 20 في المئة من سلك التعليم. وهو في ذاته اعترافٌ واضحٌ بخطأ سياساتها، وما ألحقته من انتكاسةٍ بمسار التعليم، فقد كنّا على مشارف تحقيق بحرنة سلك التعليم مع مطلع الثمانينيات، بفضل توافر العناصر الجادة والراغبة والمؤمنة بأداء هذه الوظيفة. وكان المعلم البحريني مطلوباً للعمل في دول الخليج الشقيقة، فأصبحنا اليوم ندمّر منجزاتنا وقصص نجاحنا بأيدينا، بسبب هذه السياسات.

هذه السياسات جرّت الكثير من الكوارث على قطاع التعليم، وعلى الخريجين، وعلى اقتصاد البلد، وساهمت في شيوع حالات من البؤس الاجتماعي. فهناك المئات والمئات ممن منعتَهم من العمل، وهناك المئات من الشباب ممن تسببتَ في إعاقة نموهم الاجتماعي الطبيعي، وحرمتهم من تكوين أسر، لحساباتٍ فئويةٍ ونظراتٍ ضيِّقة، لا تتسع لاحتضان كامل خريطة الوطن.

ولكي تكتشف أحد جوانب هذه الكارثة، يمكنك أن تدخل اليوم على «غوغل»، وتكتب فقط: «قائمة 1912»، فتخرج لك من النتائج ما مجموعه 404.000. وهي قصةٌ طويلةٌ تؤكّد خطأ هذه السياسة، وخطأ الاستمرار فيها، وخطأ الإصرار عليها. فقد ظلّ 1912 خريج تربية بحرينياً مؤهلاً، من الجنسين، عاطلين عن العمل قهراً، لعدة سنوات، فيما استمرت الوزارة تتحجّج بأقاويل واهية لحرمانهم ومنعهم من العمل.

لقد حاولت الوزارة التستر على هذه الخطيئة وتبريرها، وكانت تخوّن من ينتقدها وتشكّك في نزاهته ووطنيته، وعادت اليوم لتعترف بلسانها، بوجود أكثر من 1500 خريج بحريني، أصرّت على استقدام ضعفهم من الوافدين لملء شواغرها وزيادة. وصدق من قال: إذا أردت أن تدمّر بلداً فاعط وزارة التعليم فيه لمن لا يعرفون أهمية التعليم.