قضاء » قوانين

مختصون: قانون تجريم (الطائفية) يحد من الانفلات والتصدع داخل المجتمع

في 2015/11/14

المدينة السعودية-

أكد مجموعة من الباحثين أن هناك حاجة ملحة لسن قوانين تسري على الجميع وتحدّ من ظاهرة الكراهية والطائفية على اعتبار أن سن مثل هذا القانون يعد أولى المراحل لوقف هذا الانفلات الذي تسبب وسيتسبب في الكثير من التصدعات في الوطن الواحد وفي الأمة عامة، لأنّ الإسلام هو دين المحبة والسلام والإخاء والوئام، مشيرين إلى أن التعدد والاختلافات الفكرية في أي مجتمع يمكن أن تكون ظاهرة إيجابية إن كان هناك قانون يحمي حقوق الجميع بدون تمييز، في حين يرى بعضهم أنّ هناك تجاوزات كبيرة في وسائل الإعلام تحدث وتصريحات غير مسؤولة تحثّ على العنصرية والكراهية سواء من أشخاص أو من جهات من المفترض أن يكونوا قدوة للمجتمع... وعطفا على ذلك، فهل بات من الضروري السعي نحو سن قانون يتصل بتجريم الطائفية والكراهية والعنصرية، وكيف يمكن استصدار من مثل هذا القانون؟

بداية تؤكد سفيرة الأمم المتحدة لشؤون المرأة والطفل، حصة العون، بضرورة الحاجة لقوانين تسري على الجميع وتحدّ من ظاهرة الكراهية والطائفية والتي تهدد من تماسكنا الديني والوطني، معتبرة أنّ من أولى مراحل تطبيق نظام قوي يوقف هذا الانفلات الذي تسبب وسيتسبب في الكثير من التصدعات في الوطن الواحد وفي الأمة عامة هو الإعلام بكل قنواته المرئية والمقروءة والمسموعة، مؤكدة أنّ مثل هذه الخطوات ستؤدي إلى أن يتوقف الأغلبية تدريجيًا، ثمّ متابعة قنوات التواصل الاجتماعي خاصة أصحاب الأسماء الصريحة لسهولة التوصل إليهم ومعاقبتهم، مشددةً على أنّ ضرورة إيقاف الأسماء والمواقع الوهمية فورًا بالتعاون مع مرجعيات هذه القنوات وأن تكون العقوبة صارمة لكائن من كان حيث لا يستثنى أحد أبدًا، ملمحةً إلى أنه لا مانع من الإنذار أولًا والعقوبات المالية ثانيًا ثمّ المحاكمة والسجن ثالثًا وأخيرًا، إضافة إلى التشهير بمن لم يستجب للمراحل الثلاث، مضيفة: إنّ كل قانون إذا أردنا تطبيقه ونجاحه يجب أن لا يكون مفاجئًا بل الإنذار أولًا وإعطاء فرص للتوقف أو التخفيف لذا لابد أن يكون هناك العقاب التجريبي وقياس جدواه وتدرجه أفضل من العقوبة القاسية لأول مرة كما أنّ التشهير بهذه الأبواق العامة أو الشخصية ونشر العقوبة إعلاميًا عبر قنوات الدولة الرسمية ليرتدع الجميع وأن لا نستعجل النجاح منذ البداية فلابد أن تسند هذه الأمور لجهة تنشأ من أجل هذه المهمة، مؤكدةً على أهمية تشكيل لجنة مكونة من ممثلين للجهات الحكومية الأمنية والقانونية والشرعية والبحثية والتربية، مع أهميه التوعية المكثفة لأضرار العنصرية على الدين والأمن الوطني والأممي والذي يساهم فيه الجميع من المهتمين وقادة الرأي والرياضة والتربية لتسهيل إيصال الوعي للشباب الذين هم الثروة الوطنية والأغلى والاهم وهذا عمل جاد وصعب لابد أن يختار له الأكثر خبرة وتوازن وعقلانية.

وعن العوائق التي من شأنها أن تقف حجر عثرة في إصدار مثل هذا القانون، ترى العون، بأنّ تطبيق هذا القانون يلتزم بشرط العدل والمساواة بحيث لا يستثني أحدًا فإذا طبق على الجميع بدون مراعاة لخواطر البعض على حساب البقية سيسهل تنفيذه وتطبيقه وتقبله من الجميع أما الاستثناءات فهي السلاح المدمر لكل أنظمتنا وقوانيننا التي نصدرها في كافة جوانب الحياة، مشددةً على أهمية أن نتعظ من انتشار الفساد المالي والإداري الذي لا يمكن القضاء عليه مادام أنّ هناك استثناءات وهذه العبر لابد أن تكون نصب عيون من سيصدر هذه القوانين والأنظمة التي تردع الجهلاء والخونة والعملاء في ذات الوقت، مؤكدةً على أهمية أن نضع المصلحة العامة نصب أعيننا ونحن نطلق مثل هذه القوانين والأنظمة الرادعة لانتشار الطائفية والعنصرية بين أبناء الأمة الواحدة.

من جانبه يعتقد الأكاديمي والباحث الشرعي د. إبراهيم الحازمي، أنّه يجب التدخل السريع لسن قانون يجرم الكراهية والطائفية والتحريض على العنف لأنّ الإسلام هو دين المحبة والسلام والإخاء والوئام، مؤكدًا أنّ هذه الطائفية والتحريض على القتل بالهوية أدت إلى تقتيل وتفجير وتشريد وتعذيب في دول الجوار ولذلك فهي تهدم الأوطان والأمم والشعوب، ولذلك يقول عثمان بن عفان: رضي الله عنه (إن الله يزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن)، منوهًا بأنّ السعودية قارة كاملة ولذلك قد يستغل الأعداء والخصوم ذلك فيكون الشحن الطائفي والتكفير للآخر هو السلاح الأشد فتكًا وقتلًا وهلاكًا بهذه الأمة ولذلك يجب استئصال الكراهية والحقد والقتل على الهوية، مشيرًا إلى وجود عوائق تقف في وجه تنفيذ قانون يجرم الكراهية والطائفية ولكن يمكن أن يتجاوزها الإنسان وينطلق إلى الهدف وذلك بالعدل والمساواة وتجفيف منابع التحريض والطائفية، مؤكدًا بأنّ النقد ليس جريمة إذا كان بشروط وأدب الحوار، حيث لابدّ من وضع بنود وبيان الخطوط العريضة لهذا القانون وتعزيز الولاء والتمسك بالكتاب والسنة ثمّ الدعوة إلى حب الوطن تحت شعار (الوطن للجميع ) والجميع مسلمون، مؤكدًا على ضرورة تفعيل التطبيق لقانون الجرائم المعلوماتية على كل من يحرض على العنف والإرهاب.

ويضيف الحازمي قائلًا: «كما أن لهيئة كبار العلماء الدور الكبير والرائد حيال ذلك لأنّها المرجع الديني الأول في السعودية وكذلك وزارة الشؤون الإسلامية يمكن أن تقوم باتخاذ الإجراء المناسب لتنظيم الخطاب الديني وكذلك وزارة الإعلام لها دورها الكبير في منع قنوات الفتنة من الظهور وكذلك مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية كونها المسؤولة عن الانترنت»، مشددًا على أهمية أن يكون العقاب على قدر الفعل فإذا كان تحريضًا أو كراهيةً أو عنصريةً فإنّ القضاء كفيل بذلك، مشيرًا إلى أنّه قد صدرت أحكام نشرت في الصحف على بعض هؤلاء تتفاوت حسب الفعل الذي قام به فمن المهم أن لا يترك كل فريق يفصل القانون حسب ميوله وفكره وأهدافه وكذلك يكون القانون فيه شمولية لجميع أطياف المجتمع دون تحيز وواسطة ومذهب وقبيلة.

من جهته يعتقد الكاتب والمفكر صالح بن عبدالله السليمان، بأنّه في هذا الزمن تغلب سيطرة الأقلية على الأكثرية فتستعمل الأقليات لسحق الأغلبية بما يسمى حقوق الأقليات، مشيرًا إلى أنّه قد يكون غياب الديمقراطية بالمفهوم الغربي سهّل هذا فكلمة (كافة) لا يمكن أن تكون فالمجتمعات فيها متناقضات لا تجمع في الديمقراطية تكون الصناديق هي سلاح الأكثرية، وهذا غير موجود لدينا فتصبح حقوق الأقليات هي السلاح الفعال، وعلى أثر ذلك يكون الصراع هو صراع بين أقلية وأكثرية، سلاحها إما الصناديق أو وثيقة حقوق الإنسان، مؤكدًا أنّ الكراهية إحساس لا يمكن المعاقبة عليه, لكن عندما يتم المجاهرة أو نشر الكراهية علانية يمكن عند ذلك المحاسبة عليه. ويرى السليمان أنّ صياغة القوانين ومذكراتها التفسيرية هي من يمكنها معالجة مثل هذه الأمور فكلما كانت الصياغة محكمة ولا يمكن أخذها على أكثر من وجهة نظر فيكون من الصعب تجاوزها، مؤكدًا أنّ التحريض ونشر الكراهية يمكن معاقبتها أما العنصرية فنحتاج إلى وقت للتوعية قبل فرض القوانين عليها كما حدث في أمريكا، مشيرًا إلى حادثة تحرير العبيد في 1865م ولم يصدر قانون الحقوق المدنية إلا عام 1964م أي بعد 100 سنة، ومن هنا فإنّ من المهم الإدراك بأنّ القوانين تفرض على الأفعال وليس على المشاعر فمن المهم التركيز على الأفعال وليس على لغة العواطف.

وفي هذا السياق يؤكدّ الأكاديمي والناقد الاجتماعي د. علي الشعبي أنّ التعدد والاختلافات الفكرية في أي مجتمع يمكن أن يكون ظاهرة إيجابية إن كان هناك قانون يحمي حقوق الجميع بدون تمييز، مشددًا على أنّ وجود قانون يجرم الكراهية والطائفية والمناطقية والتمييز على أساس المعتقد أو اللون أو الجنس أو المنطقة هو ضرورة وبالذات في هذا الوقت الذي تداخلت فيه الثقافات وتعددت فيه التوجهات الفكرية، مستبعدًا أن تكون هناك معوقات لإصدار مثل هذا القانون فالمملكة ووفق النظام الأساسي للحكم تقوم على عدم التمييز بين مواطنيها وإن الجميع سواسية عند القضاء والحصول على الحقوق كاملة، مشددًا على أنّه إذا هناك قانون أو نظام فإنّه سيترك للقضاء الحكم وفق القانون أو النظام ولهذا ليس من المستبعد أن تكون هناك مشكلة كبيرة في طريق التطبيق، أو أن يكون هناك انتقائية في قضية التجريم أو صعوبة في معرفة الأفعال المحرضة على الكراهية والعنصرية.

وفي نفس الإطار يرى الخبير الإعلامي أحمد العباسي، أنّ هناك تجاوزات كبيرة في وسائل الإعلام تحدث وتصريحات غير مسؤولة تحثّ على العنصرية والكراهية سواء من أشخاص أو من جهات من المفترض أن يكونوا قدوة للمجتمع، مؤكدًا أنّ مثل هذا الأمر يصبّ في خانة الكراهية التي تمزق المجتمع وتمس وحدته الوطنية، ومن هنا فمن الضروري والواجب أن يكون هناك قانون يحاسب التصريحات أو الأفعال كما أنّه لا يوجد من يجرم كل من يمارس العنصرية أو يحث على الكراهية لذا يصبح الأمر أشبه بالمباح في بلد يقتدي بشخصية عظيمة وبرسالة صاحبها يرفض العنصرية وكانت أحد مبادئه أنّه لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى، وعلى أثر ذلك يجب وضع تصور لمشروع يحافظ على الوحدة الوطنية ويجرم الأفعال التي تمس الوحدة الوطنية ومن الضروري سن تشريعات وأنظمة وقوانين تجرم العنصرية بحيث يستطيع المتضرر برفع دعوى قضائيًا ضد من تسبب في إيذائهم معنويًا، مشددًا على ضرورة أن يكون للمؤسسات الثقافية والتعليمية والإعلامية الدور الأكبر في ترسيخ مفهوم الوطنية ومكافحة العنصرية، حيث أنّ المساس بالوحدة الوطنية خط أحمر وقد آن الأوان لتجريم العنصرية ومكافحتها ويجب المحافظة على تجربة الملك عبدالعزيز في الوحدة الوطنية، مضيفًا: إنّ الشعب من الشرق إلى الغرب والشمال إلى الجنوب تجمعه ثقافة واحدة ودين واحد ومن هنا فإنه يجب على الكتاب والمثقفين عدم اللعب على وتر المناطقية والمذهبية وعدم الترويج للآراء والأطروحات الشاذة، ومن هنا يجب التنبه إلى ما يثار عبر الإعلام من ألفاظ أو أطروحات عنصرية والتي من شأنها تهييج الوضع وإثارة البغضاء، مؤكدًا على أنّ السعودية هي أولى بسن هذا القانون كونها المركز الديني الأول في العالم الإسلامي، وكون السعودية تضم عددًا كبيرًا من القبائل والمذاهب الإسلامية، منوهًا على أنّ هذا التنوع الكبير لابد له من لمّ الشمل بتعزيز اللحمة لا توتيرها عبر إثارة النعرات والفتن القبلية والمذهبية بين الحين والآخر، وبالتالي فإنّ الوطنية هي محور نقاش يتداوله المشككون في الوسائل الإعلامية المختلفة، مؤكدًا أنه يجب أن لا يقبل الجميع بالتهميش لأي فئة فلا توجد لدينا أقليات مهضوم حقها كما حتى وإن كان هناك أكثرية تتبع توجه معين، مشددًا على أنّ جريمة العنصرية تعتبر في العالم من الجرائم الكبرى إلا أنك تستغرب عدم وجود نظام عقوبات محدد يجرمها ويحد من انتشارها وأقلها نطالب بتجريم التمييز حتى من دون عقوبة.