ح.سلفية » متفرقات

التطرف.. المواجهة تبدأ بـ(تنوير العقول)

في 2015/11/09

الرياض السعودية-

ويؤكد د.نايف بن محمد المرواني - خبير أمني- أن "داعش" عدو ذو كيان محدد الأهداف والغايات مما يقتضي إيجاد إستراتيجية وطنية تعدها وتنفذها كافة قطاعات الدولة، وتركز على الجانب الإعلامي كونه الأهم في كشف مخططاتهم، وبيان الدور الذي تقوم به الأجهزة المعنية في التحقيق والمواجهة، لأننا نلاحظ أن هناك قصوراً في الإعلام الأمني في جانب التوعية، والبيان لحجم الجرائم التي تُرتكب، وأساليب استمالة الشباب المقبوض عليهم، مضيفاً ان الدور الأول يقع على الناطق الإعلامي الأمني ببيان التدابير الاحترازية ونقلها بصورة محاضرات وندوات موجهة للشباب والأولياء بدلاً من الاقتصار على البيانات المقتضبة في إطار النفي أو الإثبات فقط، كما يقع الدور الآخر على جانب آخر مهم أيضاً يتمثل في الإعلام التربوي كون الشريحة العمرية المستهدفة هم من في المراحل التعليمية والجامعية المختلفة، والذين هم في أمس الحاجة إلى التوعية والإرشاد، فالتركيز على جانب التوعية والإرشاد، والإعلام ذو الشفافية من شأنها أن توجد مسارات عديدة للتواصل لتعين على فهم حاجاتهم والعمل على تلبيتها، مبيناً كذلك الوقوف على الأسباب التي تجعلهم صيداً سهلاً في أيدي المنظمات الإرهابية.

وحول الفئات التي غالباً ما تستهدفها "داعش" قال د.المرواني: ان التنظيم لا يعرف في معظم الأحوال عن من يستهدفه، فهو يرمي بسهامه المسمومة في الفضاء الافتراضي لتصيب من لديه ظروف مواتية للجذب ويعيش في بيئة ملائمة للتعايش مع ما يهدف له التنظيم، ومن هذه الظروف وجود الشباب في أسر مفككة، أو ذات تنشئة هشة، أو تعيش ظروف معيشية صعبة من حيث الدخل والوظيفة، وكذلك ذوي الحالات الذهنية غير المستقرة، ممن يتسمون بسمة تدني مستوى تقدير الذات وضعف الانتماء والولاء وهذه الظروف متعلقة بالجنسين ليجدوا بيئة خصبة تعوضهم بكل ما يحتاجونه كسباً لولائهم المطلق للتنظيم، وهذا الأمر يتطلب تحقيقه جهداً كبيراً وإمكانات عالمية استطاع التنظيم توفيرها.

وفيما يتعلق بمن التحقوا ب"داعش" وهم غير متدينين وليس لهم ارتباط بالجماعات المتشددة لا من قريب ولا من بعيد، قال د. المرواني: هؤلاء لم يتلقوا من العلم الشرعي إلا القليل المرتبط بالمناهج الدراسية فقط، وأصبح لديهم ثقافة شرعية محدودة مقرونة بتجربة حياتية بسيطة، ويأتي منظري التنظيم الإرهابي ليصوروا لهم الدين بما يرونه وِفق غاياتهم المرسومة بمنهجية علمية منها على سبيل المثال استخدام طريقة الإيحاء لاستمالة إرادة الشباب وتقويتها باعتبار الإيحاء عملية عقلية تقوم على تقبل الشباب لأفكارهم الجديدة بثقة، بل إنهم يتعصبون لها دون الاعتماد على أساس منطقي في قبولها أكثر الأحيان وتدفعهم إلى تنفيذها من تلقاء أنفسهم.

تقصي حقيقة الجرائم الارهابية

من جهته شدد د. عبدالله بن متعب بن ربيق - باحث قانوني وحقوقي - على أهمية تشكيل فريق بحثي من قبل مختصين في علم الإجرام وعلم الاجتماع وعلم النفس والإرشاد الديني، ويكون مقرهم في إحدى مراكز البحث المتخصصة، ويرتكز بحثهم على كشف وتقصي حقيقة الجرائم الإرهابية، وعمل كل الخطط الإستراتيجية للتوصل للحلول الممكنة للحد من حدوث مثل هذه الجرائم، فالحلول الأمنية لابد أن تكون سابقة لحدوث الجرائم ولا تنحصر في ضبطها بعد حدوثها، مضيفا إننا نواجه إجراماً غير تقليدي يؤثر على شباب انحرف عن الطريق وأصبح أداة وآلة في يد فئة مجرمة تريد الإضرار في وطننا، داعياً إلى استثمار واستصلاح الشباب في طرق الخير حتى لا ينحرفوا لطرق الإجرام والسلوكيات الضارة.

وقال: الأمر خطير جداً ويحتاج إلى فرق وورش عمل ونقاش وندوات علمية، من أجل تقصي ودراسة التغير والتحول الفكري السريع عند الشباب، ولابد من تضافر الجهود بين البيئات التربوية - الأسرة والمدرسة والجامعة والمسجد وسائل الإعلام بمختلف أنواعها - في مواجهة هذه الأفكار المنحرفة والأفعال الإجرامية الخطيرة، وتربية الأبناء على أسس الحوار، والتفكير النقدي والإبداعي، وتنمية آلية التفكير وإعمال العقل، وبناء علاقة وثيقة بين الوالدين وأبنائهم على أساس متين من الحوار والمصارحة والتفاهم والمتابعة والاهتمام اليومي، لكي يكونوا قادرين على محاربة الأفكار الإجرامية الخطيرة، ولكي لا يستطيع أحد زرع أفكار متطرفة وهدامة في عقولهم.

فكر الخوارج

ويؤكد أحمد السعدي - مستشار أسري - على أهمية إيضاح فكر الخوارج ومنهجهم منذ عصر الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، وقال: طبعا هذا الفكر هو فكر الخوارج الذين كانوا أيام خير العصور أيام صحابة رسول الله صلي عليه وسلم قتلوا خليفة المسلمين في بيته عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو يقرأ القرآن الكريم وقتلوا الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو متجه إلى صلاه الفجر إذاً هذا فكر كفّر الصحابة وكفّر أهل بدر وأحد وأصحاب خير البرية عليه أفضل الصلاة والسلام، وقد حذّر منهم الرسول صلي عليه وسلم وأمر بقتالهم، مستدركاً ولكن السؤال لماذا انتشر هذا الفكر وأين دور العلماء والدعاء وأستاذه الجامعات في توضيح مثل ذلك؟ هل هو قصور فيهم أم ماذا؟ ولكن لابد أن نكون أكثر صراحة مع أنفسنا، وان نعي خطورة هذا الفكر وان نقيس الأمور بمقاييسها.

العزلة الاجتماعية

ويرى د. حمد بن عبدالله اللحيدان -كاتب صحفي- ان هناك اشكالية في التواصل بين مكونات المجتمع بما في ذلك مكونات الأسرة الواحدة وذلك بسبب عوامل متعددة منها فارق السن والاهتمامات والانشغال الا ان الادهى والامر هو عن الانغماس بمخرجات التقنية مثل الانترنت ومخرجاتها من ادوات التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيس بوك واخواتها والتي عزلت وقللت من التواصل الحي بين افراد الاسرة الواحدة، فما بالك بالمجتمع مما جعل الشباب نهباً لتلك الوسائل، مشيراً ان هذا بدوره جعل من تلك الادوات الصديق الاول للشباب حيث يقضي الشاب اغلب بل جل وقته معه حتى انه عطل البعض عن المذاكرة والاهتمام بالواجبات الاسرية والمدرسية مع العلم ان الحوار في هذه الادوات يكون ذا جانب واحد، ذلك ان الشاب يصبح بمثابة المتلقي فقط دون ان يكون له دور او اعتراض على ما يشاهد او يقرأ وبما ان الشباب لديه حب الاطلاع المقرون بقلة الخبرة وضعف الخلفية الثقافية فإن المعلومات ووسائل الاقناع التي يتلقاها من تلك المصادر تصبح في نظره صحيحة ومؤكدة خصوصا في غياب من يحاوره ويبين له الخطأ من الصواب، وبالتالي يصبح بعض الشباب صيدا بل نهبا سهلا ل"داعش" ومنظمات الجريمة المنظمة التي تمتهن السرقة والقتل وتهريب المخدرات وترويجها خصوصاً في ضوء غياب الهجوم المضاد والمعزز بالحقائق والدود المفحمة.

ويشدد د.اللحيدان على ان السلاح الاول لمقارعة تلك المنظمات ورد كيدها في نحرها هو التفوق عليها في استخدام الانترنت ومشتقاته كوسيلة لصالح توعية واقناع الشباب بمختلف توجهاتهم وهواياتهم ووسائل جذبهم. ويشير الى ان "داعش" مدعومة من قبل جهات محترفة في مجال استخدام التقنية في مجالات التغرير وقلب الحقائق وتلفيق التهم وهي في سبيل ذلك تعد لهم البرامج والوسائل والمغريات والاعلانات والدعاية التي تضرب على وتر ميول بعض الشباب ورغباته ولهذا لا بد من استعمال تلك الوسائل للرد عليهم على ان يقوم على تلك الوسائل جهابذة قادرون على المنافسة ورد الهجوم بهجوم اقوى منه وانجع، مؤكدا ان الدعاة واساتذة الجامعات والمعلمين ما زالوا محدودي القدرة متبايني الاتجاهات تنقص كثير منهم القدرة على ايصال المعلومة الموثقة فكل الذي لديهم معلومات تشوش عليها الانترنت والفضائيات واصحاب الفتوى المفخخه، وهذا يعني انه لا بد من ايجاد هيئة او مركز توجيه موحد يوفر المعلومة ويوفر الوسيلة ويعمل على تعميم ما يستطيع المسؤولون عن التوعية تقديمه خارج نطاقهم المحدود.

واكد ان تعاون الاعلام بجميع وسائله من صحف واذاعة وفضائيات وانترنت وفروعها من وسائل التواصل الاجتماعي مع كل من الدعاة واساتذة الجامعات والمعلمين على اختلاف مشاربهم وتباين اطروحاتهم وكذلك مع الجهات الامنية المعنية سوف يوحد المجهود ويوضح الرؤية ويسهل المهمة عند التخاطب مع الشباب على اختلاف توجهاتهم.

نزع فتيل التحريض

وقال د.اللحيدان: ان نزع فتيل التحريض له اولوية قصوى واعني بذلك العمل على حل كل الوسائل والوقائع التي يمكن ان تتخذ وسيلة للتحريض وفي مقدمة ذلك البطالة والفساد وازمة الاسكان وغيرها من الارهاصات التي لا يخلو مجتمع منها الا ان النسب متباينة وتتفاوت من مجتمع الى آخر، مضيفاً لا بد من اجراء دراسات عميقة ومفصلة على من تم القضاء عليهم او من تم ضبطهم او من فجروا انفسهم بحيث تغطي تلك الدراسة جميع الجوانب بما في ذلك النوازع والمسببات المختلفة التي دعت مثل هؤلاء للانخراط بصفوف الارهاب بالاضافة على تغطية وسائل استقطابهم واقناعهم والتغرير بهم ناهيك عن توريطهم وعدم قدرتهم على التراجع، ليس هذا وحسب بل إن دراسة خلفياتهم النفسية والتربوية وتوجهاتهم الفكرية كل ذلك سوف يسهل عملية المواجهة والاقناع والتصدي لمثل تلك الظاهرة بإذن الله.

واردف مازلنا نواجه حرب الارهاب بالوسائل الامنية وعلى الرغم من تفوق تلك الوسائل وقدرتها الفائقة على السبق والاحباط والتعامل والتفوق والمباغتة والسرعة وهو الامر الذي جعل المواطن مطمئناً والامن مستتباً والارهاب يندحر والعدو ينقهر، الا ان ذلك يحتاج الى مؤازرته بأساليب فكرية مساندة وموازية بما في ذلك عملية المناصحة فالاول له دور الحسم والردع والثاني له دور في التوعية والتنوير بحيث يصبح كل مواطن رجل امن يحذر ان يمر الارهاب من خلاله او من خلال اسرته او من جواره فله دور في التوعية وله دور في التبليغ والارشاد وله دور في الشجب والاستنكار وهذه جميعاً مطلوبة لان دحر الارهاب يصب في مصلحة الفرد والمجتمع والدولة ككل.

شدد خبراء ومختصون على ضرورة احتواء الشباب في كافة المجالات، الدينية والتربوية والثقافية والرياضية وحمايتهم في هذا الوقت الذي أصبحوا فيه مستهدفين من قبل المنظمات الإرهابية التي جعلت منهم أدوات سهلة للقتل، وطالبوا بدراسة حالاتهم الاجتماعية والنفسية وتقصي كافة الأسباب التي أودت وستؤدي بالكثير منهم في مزالق الإرهاب والتطرف.

مشيرين في ذات السياق إلى وجود ما يبدو قصوراً في التعاطي مع هذا الموضوع في الوقت الذي باتت فيه الشفافية مطلباً ملحاً من مطالب الحياة المعاصرة بالإضافة إلى ضعف في مستوى التوعية والإرشاد في مكونات الأسرة والمجتمع، فهناك أسباب أخرى مدعاة للتطرف والإرهاب ومن الضرورة بمكان تقصيها ومعالجتها مثل الاضطهاد بكافة أنواعه اللفظي والحسي والمعنوي والعنف الأسري والبطالة وترويج المخدرات وتعاطيها، كما أن البعض يعتقد أن من يقوم بتفجير نفسه في المساجد ويستهدف المصلين أن هذا الفعل خارج عن إرادته في إشارة منهم إلى أن «داعش» تستخدم السحرة والمشعوذين خصوصاً بعدما اتضح مؤخراً أن ممن التحقوا ب»داعش» غير متدينين ولا تبدو عليهم ملامح الاستقامة إضافة أنه لا تربطهم بالجماعات المتشددة أي صلة لا من قريب ولا من بعيد.