اقتصاد » مياه وطاقة

لماذا تخشى السعودية المضي قدما نحو الإصلاح الاقتصادي؟

في 2015/11/03

ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد

إذا قررت التجول خلال فترة ما بعد الظهيرة في أحد مولات التسوق اللامعة في الرياض أو قررت قضاء أمسية في أحد المطاعم الفاخرة فإنك على الأرجح لن تعتقد أن هناك أي تراجع في أسعار النفط.

وهذا ليس من قبيل الصدفة، إنها السياسة السعودية في العمل. تقاسم الثروة النفطية مع الجمهور ساعد في الحفاظ على بقاء أسرة «آل سعود» آمنة في السلطة في ظل الاضطرابات التي تعصف بالمنطقة. عندما تنخفض الإيرادات بشكل ملحوظ، كما يحدث الآن، فإن حكام المملكة على استعداد لتحمل عجز كبير في الموازنة أكثر من استعدادهم للمخاطرة بالعبث بحجر الأساس للعقد الاجتماعي القائم، في نهاية المطاف، كما يقول الاقتصاديون، «عليك أن تدفع ثمنا ما».

ويتوقع صندوق النقد الدولي عجزا ماليا يزيد عن 20% في الناتج المحلي الإجمالي هذا العام. ويعني ذلك أن المدخرات السعودية يمكن أن تنفذ في خلال 5 سنوات. «ستاندرد آند بورز» قامت بخفض التصنيف الائتماني للبلاد خلال الأسبوع الماضي، لكنها الآن على ما يبدو تتجه لخفض الإنفاق على المشروعات وتخفيض مدفوعات المقاولين. أكبر مصدر للنفط في العالم سوف يكون راغبا في التأكد من أن المواطنين في البلاد لا يشعرون بوطأة شديدة.

«بشكل مباشر، لن تمس هذه التخفيضات أحوال الأسرة السعودية»، وفقا لـ«فاروق سوسة»، اقتصادي متخصص في شؤون الشرق الأوسط في سيتي جروب ومقيم في لندن، الذي أضاف أن «شبكة الأمان الاجتماعي من أموال الرعاية وغيرها من النفقات الاجتماعية تعهدت الحكومة بأنها لن تمس».

مكافآت الملك

ورغم كل شيء فقد زادت الحكومة من سخائها هذا العام. بعد صعود الملك «سلمان» إلى العرش في يناير/كانون الثاني، فقد قام بتوزيع راتب شهرين كنوع من المكافأة لجميع موظفي الدولة كجزء من صفقة تكلف حوالي 30 مليار دولار. مع تدفق هذا المال خلال النظام فقد ظل مول غرناطة المركزي في الرياض معبئا ويقول موظفو المبيعات في شركة ماك لمستحضرات التجميل أنهم طلبوا من العملاء الوقوف في طوابير خارج المتجر ويقول الموظفون أن العمل قد بدا أفضل بشكل كبير.

ارتفع متوسط مبيعات التجزئة في البلاد بأكثر من 10% هذا العام، ولكنه انخفض بنسبة 3.5% الشهر الماضي، مقارنة بشهر سبتمبر/أيلول من العام الماضي على الرغم من أن سبب هذا الانخفاض يرجع جزئيا إلى عطلة عيد الأضحى التي أوقفت البلاد لعدة أيام. وقد وافق العيد شهر أكتوبر/تشرين الأول خلال العام الماضي، وقد شهد الشهر حينها انخفاضا مماثلا.

«ربما يرجع ذلك إلى تأثير العين رغم أنني أظن أن هناك علامات على عدم الثقة أيضا» وفقا لـ«جيمس ريف»، نائب كبير الاقتصاديين في مجموعة «سامبا» المالية في لندن، وذلك في معرض الإجابة على الأسئلة التي وجهت له بالبريد الإلكتروني حول دلالات التباطؤ.

«مونيكا مالك» كبيرة الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري قالت إن هناك دلائل على أن انخفاض أسعار النفط قد أثر بالسلب على الطلب الاستهلاكي خلال النصف الثاني من العام.

وأضافت أن «التوقعات بأن أسعار النفط سوف تبقى منخفضة لفترة طويلة قد أثر على توجهات المستهلكين»، وتابعت: «نحن نتوقع أن نرى بعض التقشف المالي في المملكة العربية السعودية والذي من المحتمل أن يؤثر على الطلب على السلع الاستهلاكية».

ومع ذلك، في حين انخفضت أسهم التجزئة السعودية منذ بدأت الصدمة النفطية في يونيو/حزيران من العام الماضي، وقد وافق ذلك ارتفاعا في أسهم الشركات الناشئة بشكل عام والتي أدت بشكل أفضل حتى من شركات الإنشاءات المملوكة للدولة.

«هذا القطاع يعد أكثر مرونة من غيره من قطاعات الاقتصاد»، وفقا لــ«جون سفاكياناكيس»، وهو مدير قسم الشرق الأوسط في «أشمور جروب» ومقرها الرياض، عن طريق الهاتف.

«عبدالرحمن الخثلان»، مؤسس ورئيس مجلس إدارة مجموعة AHK والذي يملك امتياز السلاسل الفرنسية الراقية، «لادوريه وفوشون»، يقول إنه كان هناك انخفاض طفيف في عدد العملاء هذا العام لكنه ما زال يخطط عن فتح ما لا يقل عن 4منافذ جديدة في الرياض وجدة والخبر.

المنح التي يتم تقديمها للسعوديين تتراوح ما بين التعليم، حيث تنفق الحكومة مليارات الدولارات سنويا على إرسال الطلاب إلى الخارج، إلى الطاقة الرخيصة. سعر البنزين أقل بكثير من 1 دولار للجالون الواحد والكهرباء رخيصة جدا لدرجة أن سكان الرياض لديهم حوافز قليلة لإيقاف تشغيل أجهزة التكييف عندما يذهبون بعيدا لقضاء عطلة الصيف.

البنزين الرخيص

وقالت مجموعة سامبا المالية ومقرها الرياض في تقريرها، أغسطس/آب الماضي، إن «دعم الوقود سوف يكلف المملكة العربية السعودية 52 مليار دولار بنهاية العام بما يعادل 8% من الناتج المحلي الإجمالي». المملكة العربية السعودية تحتل المرتبة الرابعة عالميا بعد قطر ولوكسمبورغ والكويت في دعم الطاقة للفرد الواحد، والمرتبة السابعة من حيث كمية الأموال المنفقة، وفقا لصندوق النقد الدولي.

وقال «فهد التركي»، كبير الاقتصاديين في شركة جدوى للاستثمار أنه «بينما شرعت دول الخليج ومنها الإمارات العربية المتحدة في خفض الدعم والإعانات، فإن المملكة العربية السعودية ربما تحذو حذوها هذا العام أو العام المقبل». إنها تحاول «التخفيف من آثار رتفاع أسعار النفط على الاقتصاد المحلي ككل، وعلى المستهلكين على وجه الخصوص».

في حين قال وزير النفط السعودي «علي النعيمي» هذا الأسبوع إن الحكومة سوف تسأل مسألة رفع أسعار الطاقة كما صدرت تصريحات مماثلة من مسؤولين خلال الأسبوع الماضي.

وتشهد المملكة العربية السعودية عجزا دراماتيكيا في الموازنة بعد سجلت متوسط فائض سنوي في موازنتها بلغ 7% خلال الـ15 عاما الماضية. ومن المرجح أن يتباطأ النمو الاقتصادي إلى 3% هذا العام انخفاضا من 3.5% في عام 2014، وفقا لمسح أجرته «بلومبيرغ».

وكان الإنفاق الحكومي حاليا هو محور الجهود السعودية لتجنب عدوى الربيع العربي في عام 2011: في ذلك العام، خصص الملك «عبد الله» 130 مليار دولار لخلق فرص عمل وبناء منازل ورفع الرواتب، ونما الاقتصاد بنسبة 10% خلال هذا العام.

بلغ النفط ذروته، متخطيا حاجز الـ140 دولار للبرميل، في عهد الملك «عبد الله». وهذا هو أحد أسباب تباطؤ الإصلاحات الاقتصادية وفقا لـ«غريغوري غوز»، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة تكساس.

«غوز» أضاف: «أكد الملك عبد الله في أواخر التسعينات أن كل شيء يجب أن يتغير ولكنه لم يفعل الكثير، خليفته ‘‘سلمان’’ قام بتغيير الفريق الاقتصادي للمملكة هذا العام، وقام بوضع ابنه، نائب ولي العهد الأمير ‘‘محمد’’ على رأس لجنة جديدة للإشراف على السياسة الاقتصادية والتنمية. تحت حكم «سلمان»، أصبحت المملكة العربية السعودية أيضا أكثر حزما في الخارج، وتشارك في الحرب في اليمن المجاور.

وقال «ديفيد بارتر» وهو زميل مشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في «تشاتام هاوس» أن القيادة لا تزال في حالة تغير مستمر لذا فإن إصلاحا جذريا للسياسة الاقتصادية السعودية قد يكون من الصعب فرضه.

«ينبغي أن يكون لديك جاذبية سياسية قوية جدا لفعل ذلك». وأضاف: «المشكلة أنه ربما تملك هذا حقا في الوقت الراهن».