علاقات » اوروبي

(السعودية وفرنسا).. تنسيق حقيقي لمواجهة التحديات أم تقارب لعقد الصفقات؟

في 2015/10/14

شؤون خليجية -

مع زيارة رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس، للمملكة العربية السعودية تجددت التساؤلات: هل تكون فرنسا الجواد الرابح لدعم الرياض في مواجهة التهديدات المتصاعدة من قبل حلف "موسكو- طهران" المتنامي مع تخاذل الحليف الأمريكي عن مساندتها سياسيا وعسكريا في مواجهة نظام الأسد والتمدد الإيراني الروسي بالمنطقة، وهل يمكن الرهان على باريس لملأ وسد الفراغ الاستراتيجي المتعمد من واشنطن بعد أن رجحت في مواقف مصيرية كفة طهران سواء أثناء توقيع الاتفاق النووي أو في تدخلاتها السافرة واحتلالها لسوريا والعراق وتمددها في اليمن ثم استدعاءها الحليف الروسي لحسم المعركة سريعا دون رد فعل حاسم من الولايات المتحدة باستثناء بيانات الشجب دون حتى توجيه إنذارات حيث تركت السعودية عرضة للابتلاع والتطويق من جميع الجهات ورفضت توقيع اتفاقيات أو معاهدات أمنية مشتركة لحمايتها حال تعرضها لاستفزاز إيراني.

زيارة رئيس الوزراء الفرنسي

وكان رئيس وزراء فرنسا مانويل فالس قد وصل إلى الرياض، مساء أمس الاثنين، في زيارة للسعودية، ويضم الوفد الرسمي المرافق له وزير الشؤون الخارجية والتنمية الدولية لوران فابيوس وزير الدفاع جان إيف لودريان، وزير الدولة مسؤول عن العلاقات مع البرلمان لدى رئيس الوزراء جان ماري لوغان ووزير الدولة المسؤول عن النقل والبحار والصيد آلان فيد اليس، والنائب عن الفرنسيين خارج فرنسا آلان مارسو.

ويؤشر طبيعة الوفد الفرنسي لأجندة اللقاء المتوقعة سياسية تتعلق بالشأن السوري وملف داعش وعسكرية تتعلق بصفقات سلاح والتنسيق الأمني وربما تأسيس تحالفات أمنية في ظل استعراض روسيا للقوة بأحدث الأسلحة ورفع العقوبات تدريجيًا على واردات السلاح لإيران، وتعاون اقتصادي، وأزمة فلسطين والاحتلال الإسرائيلي.

تأتي الزيارة في أجواء تباعد واشنطن عن الرياض والفجوة بينهما تتزايد وتعمقت بسبب الاتفاق النووي الإيراني والتقارب الإيراني الأمريكي، وصمتها على التحالف الروسي الإيراني وتغلغله لابتلاع المنطقة والذي سمح بتمدد طهران وتجرؤها بالمنطقة، ما جعل السعودية والخليج تبحث عن حلفاء استراتيجيين جدد وجاءت فرنسا على رأسهم.

وتعد المواقف الفرنسية تجاه النظام السوري وإيران والاتفاق النووي هي الأقرب للرياض ودول الخليج والتي اتسمت إلى حد كبير بالصلابة وعدم التغير بعد التدخل الروسي بسوريا، كذلك تربطها علاقات قوية قديمة ودائمة بالخليج تمثلت في صفقات سلاح نوعية واقتصادية وتمويل سعودي لصفقات فرنسية لدول عربية.

في المقابل يرى مراقبون، أن فرنسا لم تتخذ موقف فعلي للضغط على روسيا واكتفت بالتصريحات، ولم تعترض على تحركات المبعوث الأممي لسوريا، ولم توقف المبادرات الروسية الإيرانية السورية التي تهيمن على مبادرات مبعوثها "دي ميستورا" فهل تتحرك مجددا داخل مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي لحلحلة الأزمة وإحداث توازن أمام روسيا.

فرنسا مرشحة للعب دور أكبر

وبحسب المراقبين، فإن فرنسا مرشحة للعب دور أكبر بالتعاون مع الرياض ودول الخليج سياسيا وعسكريا واقتصاديا في إطار سياسة تنويع الحلفاء ومصادر السلاح ومناطق التأثير، ولكن يجب الاعتماد على تأثير فعلي وليس مجرد مواقف شفوية بمؤتمرات صحفية، مشيرين إلى أن اختبار فرنسا بتجربة الاتفاق النووي كانت مبشرة حيث نجحت في الضغط لضمان تفتيش المنشآت النووية الإيرانية، عقب زيارة الرئيس الفرنسي للسعودية في 11 مايو الماضي وحضوره لأول مرة القمة التشاورية الخليجية، وتضغط الآن ضد نظام الأسد، ولم تنجح بعد في بلورة موقف لإقصائه .

التنسيق بشأن الأزمة السورية

يعد ملف التنسيق السعودي - الفرنسي بشأن نظام بشار الأسد يتصدر زيارة رئيس الوزراء الفرنسي، ويعد الموقف الفرنسي الأكثر صلابة وتماسكا ضد الأسد ويتفق لحد كبير مع موقف الرياض وتمتلك باريس أوراق ضغط داخل مجلس الأمن كعضو دائم وبالاتحاد الأوروبي، فالرئيسي الفرنسي فرانسوا هولاند في 7 أكتوبر الجاري أكد أن "رحيل الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة هو أساس الحل للأزمة السورية ،وحذر من أن تندلع حرب بين السنة والشيعة في الشرق الأوسط تمتد إلى أوروبا.

وقال هولاند في كلمة أمام نواب البرلمان الأوروبي في مدينة ستراسبورغ، بحضور المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل: إن "أوروبا لن تكون في مأمن من حرب شاملة إذا تركت الصراع بين السنة والشيعة يتصاعد في الشرق الأوسط ستكون حربا شاملة تمتد إلى أراضينا".

وجدد "هولاند" التأكيد على موقف بلاده بأن أي حل للأزمة السورية يجب أن يكون على أساس وجود بديل للأسد، وقال: "يجب أن نبني في سوريا مستقبلا سياسيا مع كل الذين يمكنهم المساعدة، بعيدا عن بشار الأسد أو داعش".

ومن ثم يبدو الموقف الفرنسي الأكثر تفهما لتداعيات التدخل الروسي الأمنية والفكرية على دول الخليج والمنطقة، ما يؤهلها بقوة لتسد الفراغ الذي أحدثه تخاذل الولايات المتحدة، ليس فقط في سوريا ولكن بالمنطقة.

تقارب الرؤية السعودية الفرنسية

بناء على إشارة من الخارجية الفرنسية شرع المحققون الفرنسيون بتحقيق جنائي يتعلق بانتهاكات وجرائم ضد الإنسانية قام بها نظام الرئيس السوري بشار الأسد في 30 سبتمبر الماضي.

وأعلن وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان، في 9 أكتوبر أن "غالبية الضربات الروسية في سوريا، تستهدف حماية نظام بشار الأسد، وليس ضرب تنظيم "داعش". وقال لودريان، لإذاعة (أوروب-1): إن من 80 إلى 90% من العمليات العسكرية الروسية منذ 10 أيام تقريبا، لا تستهدف "داعش"، بل تسعى خصوصا إلى حماية بشار الأسد.

تتقارب الرؤية السعودية والفرنسية في مضمونها بعد التدخل الروسي فمبكرا قال وزير الخارجية الفرنسي في 2 أكتوبر أن الهجوم الروسي، مجرد ذريعة، والهدف الوحيد هو دعم بشار الأسد، الفكرة هي أن يكون لدينا، وفقا لاتفاق جنيف، هيئة انتقالية تضم عناصر من النظام، ليس بشار، ولكن عناصر من النظام والمعارضة المعتدلة، وعلينا أن نبني ذلك، والأمر يحتاج إلى التفاوض، ولكن لا بد من القول أنه في نهاية العملية، لن يكون هناك مكان للسيد بشار"

صفقات السلاح وتعاون أمني

أعلن رئيس الوزراء الفرنسي، مانويل فالس، اليوم الثلاثاء، أثناء زيارته للرياض عن توقيع سلسلة من الاتفاقيات والعقود ومذكرات التفاهم مع السعودية بقيمة 10 مليارات يورو. وقال فالس، في تغريدة له على حسابه في تويتر: "فرنسا- السعودية: "عقود بعشرة مليارات يورو".

وأفادت مصادر من محيط رئيس الوزراء أن الاتفاقيات المختلفة هي في مجال الطاقة والصحة والزراعة والصناعة الغذائية، وفي مجال الملاحة والتسليح والأقمار الصناعية والبنى التحتية.

وتصدرت صفقات السلاح والتعاون الأمني أجندة الزيارة فالسعودية والخليج مهتمون بتجهيزات عسكرية فرنسية، وقالت مصادر مطلعة إن "فرنسا والسعودية اتفقتا على عقود طيران كبيرة".

وكانت قد أبدت الرياض اهتماماً في الآونة الأخيرة بشراء سفن هجومية مرنة مثل حاملتي الطائرات اللتين اشترتهما مصر، بالإضافة إلى فرقاطات متعددة الأغراض من طراز فريم، لكن المفاوضات لم تبدأ حتى الآن. كما أعربت المملكة عن اهتمامها بشراء أقمار تجسس صناعية من صنع مجموعة تاليس الدفاعية الفرنسية، التي عبرت عن أملها في الفوز بعقد كبير مع الرياض. فيما تأمل فرنسا بيع اثنين من مفاعلات الجيل القادم التي تعمل بالماء المضغوط ومن صنع مجموعة أريفا النووية التابعة للحكومة الفرنسية، إلى الرياض.

كما تدعم الرياض تمويل صفقات سلاح فرنسية عربية، فقد أبرم الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند والجنرال المصري عبد الفتاح السيسي في 24 سبتمبر 2015 اتفاقا يقضي بشراء مصر للسفينتين الحربيتين من طراز "ميسترال" وقال مصدر حكومي فرنسي إن السعودية ستشارك في تمويل شراء السفينتين، وتبلغ قيمة الصفقة 950 مليون يورو على أن يتم تسليم السفينتين بداية مارس 2016. كذلك في 20 إبريل 2015 تسلم الجيش اللبناني الدفعة الأولى من الأسلحة الفرنسية المقدمة له في إطار منحة سعودية تبلغ 3 مليارات دولار.

تأمين الخليج في مواجهة "موسكو- طهران"

مع تصاعد تهديد الحرس الثوري الإيراني وحلف "موسكو- طهران" للسعودية والخليج واستعراض القوة والأسلحة الحديثة تبرز أهمية فرنسا ومدى إمكانية أن توفر غطاء أمني دفاعي لحماية أمن الخليج خاصة بعد سحبت أمريكا حاملة الطائرات "روزفلت" من مياه الخليج العربي، بالتزامن مع إعلان وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان أن بلاده أجرت تجربة ناجحة لنموذج جديد من صاروخ بالستي موجه، في إشارة إلى تطور قدرات طهران على مستوى تحسين دقة إصابة بطاريات صواريخها، كذلك جربت روسيا قنابل عنقودية جديدة وصواريخ متطورة في سوريا في رسالة تهديد لدول المنطقة.

فهل يمكن أن تنضم باريس أو تدعم تحالف سني عربي في طور التشكل يضم السعودية وتركيا وقطر في مواجهة حلف موسكو طهرن الأسد.