اقتصاد » رقابة

ملف اللحم ورفع الدعم!

في 2015/10/08

قاسم حسين- الوسط البحرينية-

اهتمت الصحف المحلية بقرار رفع الدعم عن اللحوم، طوال هذا الأسبوع، وتغطية ما تكشّف عنه حتى الآن من آثار وتداعيات.

الأنظار كانت تتركز على سوقي المنامة والمحرق (يعمل بهما 124 محلاًّ)، حيث يمثلان قلب عملية التوزيع على المستهلكين، ومن خلالهما يمكن بسهولة رصد ردود فعل الجمهور. العناوين كانت تتحدّث عن خلو سوق المحرق تماماً، وعزوف واسع عن الشراء في سوق المنامة، وهي قضية أصبحت خاضعةً للجمهور، فهو الذي يؤثر على معادلة العرض والطلب، ولم تترك لقوانين السوق كما يبشر به دعاة الليبرالية المتوحشة.

المسألة ليست اقتصاديَّةً بحتةً، وإنما ذات بعد اجتماعي عميق، كما أنها لحسن الحظ، لم تخضع لأية مجادلات طائفية أو مساومات سياسية. إنها ببساطة صدمةٌ أصابت المجتمع برمته، حيث تمس لقمة عيش الجميع، برفع الدعم عن مادةٍ أساسية، تدخل في الوجبات الغذائية، كل يوم وليلة تقريباً. كما أن رفع الدعم أدّى إلى ارتفاع كبير وصارخ في السعر، بين 50 و350 في المئة (كيلو الدجاج من 1.2 إلى 1.8 دينار، واللحم من 1.0 إلى 3.5 دنانير).

ما حصل حتى الآن، هو أن الجمهور، وفي رد فعل تلقائي، لجأ إلى مقاطعة اللحم، ليس رغبةً في الصدام، وإنّما لأن السعر المطروح يمثل عبئاً كبيراً على موازنة غالبية الأسر البحرينية، بدليل أن وزارة التنمية الاجتماعية سجّلت 118 ألف أسرة بحرينية للحصول على المبلغ التعويضي. وعلى المدى القريب، قد تتخلّى الأسرة عن شراء اللحم حتى لو حصلت على المبلغ الذي لا يغطّي إلا ربع احتياجاتها الفعلية. وعلى المدى المتوسط، ستضطر غالبية الأسر إلى التقليل من اللحوم والبحث عن بدائل غدائية أخرى، «فمُكرَهٌ أخاك لا بطل»، وخصوصاً عندما تتعرّض موازنتها إلى ضغوط أكبر وأشد، مع ما يتمُّ تسريبه عن وجود مواد وخدمات أخرى على قائمة رفع الدعم، بدءًا بالبترول والماء والكهرباء، وانتهاءً بالرغيف.

الأسرة البحرينية، ونعني هنا 90 في المئة من مجموع الأسر التي تشكل الطبقتين الوسطى والدنيا، ستضطر إلى تقليل استهلاكها للحم، ويتوقع الكثيرون أن يقلّ استهلاك اللحوم بنسبة 40 إلى 50 في المئة، في الفترة المقبلة، ما لم تُصحّح الأسعار بطريقةٍ أو بأخرى.

هذا ما يتوقع حدوثه إذاً في الأمد المنظور: تقليل استهلاك اللحوم وخصوصاً الحمراء، والاقتصار على العطل الأسبوعية أو المناسبات الاجتماعية والمواسم الدينية، مثل شهر رمضان المبارك. أما على المدى البعيد، فإن القرار وما ستتلوه من قرارات مرتقبة، سيؤثر على إضعاف القدرة الشرائية للمواطن، وإنهاك موازنته. وكما حدث للمواطن قبل أعوام مع موجة ارتفاع الأسعار، سيلجأ إلى تقليل ما يصرفه على اللحم، اضطراراً لا زهداً. فقبل عشرة أعوام، كان بإمكانك أن تدخل السوق لتشتري مختلف أنواع الفواكه والخضراوات بعشرة دنانير، ما يكفي العائلة الصغيرة لمدة أسبوعين، أما بعد 2008 فقد أصبح هذا المبلغ عاجزاً عن شراء أكثر من خمسة أو ستة أصناف.

اقتصاديّاً، ستوسّع قرارات رفع الدعم عن السلع والخدمات، من رقعة الفقر، وتزيد أعداد الأسر الواقعة تحت خط الفقر، وتضعف القدرة الشرائية لبقية أسر الطبقة الوسطى من المجتمع. وقد تتكيّف الأسرة البحرينية مع ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء، وقد تقلّل استهلاكها إلى الحد الأدنى في حدود موازنتها، لكن كيف ستتكيّف مع ما يتم التلويح إليه من رفع الدعم عن الماء والكهرباء والرغيف إذ ستضاعف الأسعار؟

كنّا نتمنى أن تكون لقمة العيش آخر ما يتم التفكير فيه على طريق تصحيح أخطاء السياسات الاقتصادية العميقة.