مجتمع » تعايش

(اللحمة الوطنية).. تطغى على ما سواها

في 2015/09/26

أحمد الحناكي- الحياة-

يتردد صدى عبارة «الُّلحمة الوطنية» كثيراً بين أوساط المواطنين الشرفاء الذين تهمهم مصلحة الوطن، واعتباره فوق أي اعتبارات أخرى. وفي كل بقعة في العالم يتباهي كل وطني بوطنه، ويفتخر ويدافع عنه ويقدم روحه فداء له.

طلابنا السعوديون في الخارج، وبحكم بعدهم عن بعض رؤوس الفتنة ومروجي التطرف والإرهاب، يصبحون أكثر قرباً إلى بعض وتضمحل انتماءاتهم المذهبية أكثر من أي وقت مضى، ويصبحون في نهاية المطاف طلاباً أو مواطنين سعوديين فقط. ومن أجل كل ذلك نرى كثيراً من الدول في العالم تلغي خانة الديانة من الجواز أو البطاقة الشخصية، بل إنه يحق لك أحياناً أن تقدم شكوى فيما لو سألتك جهة غير أمنية في بعض الدول عن ديانتك.

في المملكة، وقبل ثلاثة أيام من نشر هذه المقالة مرت الذكرى الـ85 على الوحدة التي نتج منها وطننا الغالي، وذلك التاريخ يطغى على ما قبله ويجبه، فقد انصهرت المدن والأقاليم والمذهبيات والقبائل والعشائر تحت كياننا الوطني العظيم. محبة الوطن برأيي غريزة طبيعية تنشأ من حبنا للأرض والرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- قال: (من مات دون شراك نعليه فهو شهيد) وإذا كان رسولنا العظيم قد أعطانا هذا الحق فما بالك بمن يستشهد دفاعاً عن أرضه أو وطنه؟

العلاقة بين المواطن ووطنه قصة عشق تتضاءل عندها قصص قيس وليلى، أو روميو وجولييت، فهي علاقة سامية وممتدة ودائمة منذ بداية التاريخ ومن لا يحب وطنه لا يحب أمه ولا يحب عائلته ولا يحب أصدقاءه؛ لأنهم جزء لا يتجزأ من هذا الوطن. ومثلما قال الكاتب المصري الراحل جلال عامر: (قد نختلف مع النظام، لكننا لا نختلف مع الوطن، ونصيحة أخ لا تقف مع «ميليشيا» ضد وطنك، حتى لو كان الوطن مجرد مكان ننام على رصيفه ليلاً).

هل نكتفي بتدبيج العبارات الإنشائية عن الوطن من دون الحديث عما يجب أن نقدمه له؟ لا طبعاً، فعلينا تقديم الكثير من العمل والإنتاج والإخلاص والنهوض بوطننا والفخر به والدفاع عنه والذود عن مكتسباته، ولا يتحقق كل هذا بالمناسبة من دون النقد الذاتي الصريح للمنشآت الحكومية ومؤسساتها.

كثير من الناس يخلط بين انتقاد وزارة «ما» في قطاع حكومي، وبين الولاء للوطن، وهو مع تقديري خلط ساذج؛ فالمسؤول مهما كان حجمه معرض للنقد وللمساءلة ما دام قد تولى هذه المسؤولية الجسيمة التي يخدم بها وطنه من خلال خدمة مواطنيه.

كما أن الكثير يعتقد بأن المواطنة تعني أن تتعصب لبني وطنك ظالماً أم مظلوماً، مستحقاً أم غير مستحق، وهذا خطأ فادح يسيء إلى وطنك قبل أن يسيء إلى من يطبق هذه القاعدة العنصرية.

إن أقبح ما يحدث أحياناً هو المزايدة على الوطن أو حبه أو الولاء له أو قصر الانتساب له لفئة معينة، بينما وفي العالم أجمع الوطن للجميع ويتسع للجميع.

إذنْ، دعونا من إصدار الأحكام وتوزيع التصنيفات وإلصاق الاتهامات، وبدلاً من ذلك كله نسعى لما هو في رفعة هذا الوطن بأمانة وصدق.

جميل أن يكون لدينا أنشطة عن اليوم الوطني في مدارسنا، إلا أن الأجمل هو أن نزرع في أطفالنا حب الوطن ونبعدهم عن الخوض بكل ما يزرع في نفوسهم الصغيرة وعقولهم البريئة من تمييز لهم عن بعض.

لست أتشدق بوطنيتي زاعماً أنني أكثر وطنية من المواطنين، ولكنني وكثيرين نريد لوطننا أن يكون دائماً في المقدمة. وصدق الشاعر حين قال: (بلادي، وإن جارت علي، عزيزة وأهلي، وإن ضنوا عليَّ، كرام)، كل عام أنتم بخير، وكل عام والوطن بخير.