مجتمع » تعايش

أسس الفتن: قطع صلة الشباب بعلمائهم ووطنهم

في 2015/09/14

الوطن-  

يواصل أستاذ العقيدة المشارك بجامعة حائل الدكتور أحمد الرضيمان تفنيده أسس الفتنة التي يستند إليها من لحقوا بركب الخوارج، ودعا مهيجي الشباب إلى اتقاء الله، لأنهم يحملونهم ما لا طاقة لهم به، ويقطعون صلتهم بعلمائهم وولاتهم ووطنهم ومجتمعهم، مرتكبين جناية عظيمة.

 الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان، جاءت بما يتوافق مع الفطرة، ويصلح البلاد والعباد، فلا واجب مع العجز، ولا تكليف بما لا يطاق، والمشقة تجلب التيسير، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.

وقد راعت الشريعة الإسلامية الإمكانات والقدرات، فكلٌ ينزل منزلته، كما في الحديث: "أنزلوا الناس منازلهم".

والناظر في الأدلة الشرعية يجد أنها أعطت كل ذي حق حقه، ولكلٌ مسؤوليته وصلاحياته، فولي الأمر: له حقوق لا يجوز أن ينازعه فيها أحد، ولا يفتئت عليه أحد، فالجهاد موكول لولي الأمر، والمعاهدات والاتفاقات الدولية مناطة بولي الأمر، كما أن عليه واجبات لرعيته ومسؤوليات، تليق بمكانته وإمامته.

كما أن للراسخين في العلم حقوقاً، توجب احترامهم، والرجوع إليهم في المسائل الشرعية.

وعليهم مسؤوليات في نشر العقيدة الصحيحة، وهداية الأمة إلى سنة سيد المرسلين، فكل مسؤول حسب مقامه، وهكذا الرعية من الشباب والرجال والنساء والخدم وغيرهم، مسؤولون عما تحت أيديهم فقط، لا يجوز إقحامهم فيما ليس من شؤونهم.

قال عليه الصلاة والسلام: "كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راع ومسؤول عن رعيته "، فالنبي – صلى الله عليه وسلم – في هذا الحديث جعل الرجل راعيا في بيته، ومسؤولا عنه.

1- ضحايا الشحن العاطفي

كل شاب في بيت أبيه هو تحت رعاية والده، له حق الرعاية والعناية، وحسن التربية - لا يصح اختطافه من والده الذي يرعاه، وجعله مسؤولا عن الناس خارج الوطن – كما أن عليه لوالديه واجب الطاعة والإحسان والبر.

وبهذا ينشأ الشاب محاطاً بالرعاية والعناية من والديه، ومجتمعه، ووطنه، وقيادته، مما يكون له أحسن الأثر في الاستقرار النفسي، والانتماء لدينه ومجتمعه ووطنه.

إلا أن البعض – هداهم الله – يحملون الشباب ما لا طاقة لهم به، ويقحمونهم في الدخول في ما لا يعنيهم، ويعزلونهم عن وطنهم ودولتهم وعلمائهم، ويربطونهم بولاءات خارج حدود الوطن، وهذا المسلك هو أحد الأسس التي تقوم عليها الفتن.

ذلك أنهم – هداهم الله – يوهمونه أنه مسؤول عن الإسلام والمسلمين في أنحاء العالم، فهو مسؤول عن أي مسلم يخر صريعا في كشمير أو بورما أو الفلبين، أو أي بلد في العالم.

كما أنه – في نظرهم – مسؤول عن القضايا التي تكون خارج حدود وطنه، سواء كانت بين الأحزاب الإسلامية نفسها، أو بينها وبين حكام تلك الدول.

ويقولون: أرض الإسلام في أي بلد هي الوطن الحقيقي، وهم مسؤولون عنها، ولا عبرة بهذه الأوطان، التي لكل وطن فيها حاكم، ولها حدود، ولا عبرة بتعدد الأئمة.

ونتيجة لهذا الشحن العاطفي، المخالف للأدلة الشرعية، رأينا الشاب الذي كان هادئا صالحا، رأيناه بعد هذا الشحن والتهييج، يتمرد على والديه وأسرته ووطنه، ويكون ولاؤه واهتمامه لمن هم خارج حدود الوطن، ثم تضيق الدائرة فيكون الارتباط، ليس لجميع المسلمين خارج الوطن، وإنما لجماعة معينة من المسلمين، أو حزب معين، أو تنظيم معين، وبالتالي تكون مواقفه ليست مع مواقف دولته وعلمائه ووطنه، وإنما مع تلك الجماعة، أو ذاك الحزب، أو التنظيم، خارج حدود الوطن.

ولذلك يُشاهد بعض الشباب – وإن كانوا قلة – يقنت في مسجده دون إذنٍ من إدارة المساجد لشخص أو أشخاص قتلوا خارج الحدود، بينما لا يفعل ذلك عندما يستشهد جنود هذا الوطن، حتى لو طُلب منه ذلك.

ويلقي خطبة عن أحداث خارج الوطن، ربما لا يعرف تفصيلاتها، بينما تقع أحداث إرهابية إجرامية في وطنه، ولا يتحدث عنها، وكأنها لا تعنيه.. فما تفسير ذلك؟

فليتق الله: من يهيج الشباب، ويحملهم ما لا طاقة لهم به، ويقطع صلتهم بعلمائهم وولاتهم ووطنهم ومجتمعهم، فإن جنايته عظيمة.

وليتق الله من يعتلي المنبر، فيحمل المستمعين مآسي إخوانهم خارج حدود الوطن، مردداً إخوانكم يُقتلون، وتنتهك أعراضهم، وتُسفك دماؤهم، وأنتم هاهنا قاعدون، فماذا قدمتم لهم؟

ثم ينهي خطبته، بعد أن أشعل العواطف، دون أن يذكر ما المطلوب منهم، ولم يبين شروط الجهاد، ولا أحكام النصرة، ولا الراية التي يُقاتل تحتها.

فليس هذا المسلك من الحكمة، كما أنه ليس من الحكمة ما يفعله البعض من استدرار عواطف الشباب بالبكاء عند وجود أي خطأ أو منكر في وطنه، وإن كان ذلك الخطأ لا يُقارن بكبائر وموبقات يفعلها من يحب خارج الوطن، ولا ينكر عليهم.

2- لا حاجة للتهويل والبكاء

فلا حاجة للتهويل والبكاء، وكأن الناس هلكوا، وفي الحديث: "من قال هلك الناس فهو أهلكهم"، فالمنكر يعالج بالنصح، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، وليس بإثارة الشباب على ولاتهم بالنحيب والبكاء، بسبب وجود خطأ أو منكر.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وكثير من الناس إذا رأى المنكر، أو تَغيُر كثير من أحوال الناس ، جزع وكلَّ وناح، كما ينوح أهل المصائب، وهو منهي عن هذا، بل هو مأمور بالصبر والتوكل، والثبات على دين الإسلام، وأن يؤمن أن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، وأن العاقبة للمتقين، وأن ما يصيبه فهو بذنوبه، فليصبر إن وعد الله حق، وليستغفر لذنبه، وليسبح بحمد ربه بالعشي والإبكار).

فالمرجو:

ألا تُستغل عواطف الشباب ضد دينهم ووطنهم، ولا يُعطوا دور العلماء، ولا دور الحكام، فالكلام في الشريعة: إنما هو للعلماء وليس للشباب، وأمور السياسة والاتفاقات والحروب والمعاهدات مع الدول إنما هي للحكام، وليست لهم، فقد كُفوا المؤونة، فليلزموا العافية، فإن العافية لا يعدلها شيء، وما أُعطي أحدٌ عطاءً خيرا وأوسع من الصبر.

نسأل الله أن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه، إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.