اقتصاد » دراسات

البنوك الإسلامية في الخليج.. تحديات تلوح في الأفق رغم ثبات النمو

في 2015/09/14

جالف ستاتس نيوز-

تُبلِي المؤسسات المالية الإسلامية بلاءً حسنًا داخل دول مجلس التعاون الخليجي، في ظل نمو الميزانيات العمومية للبنوك بنسبة 7 % سنويًا. لكن التوسع لا يزال محدودًا؛ نتيجة الاعتماد المفرط على العقارات ونقص المنتجات المتطورة.

ولدول الخليج تاريخ طويل مع الصناعة المصرفية والمالية الإسلامية. فعندما افتتح بنك أبو ظبي الإسلامي في عام 1976، أصبح أول بنك تجزئة إسلامي في العالم. ومنذ ذلك الحين، والخليج لاعب رئيسي في هذه الصناعة التي نمت بشكل كبير خلال العقد الماضي، والتي تضاعفت قاعدة أصولها خلال خمس سنوات وصولًا إلى عام 2014، حيث بلغت قرابة 2 تريليون دولار، تتواجد 60 % منها في دول مجلس التعاون الخليجي.

وأظهرت الميزانية العمومية، التي يغذيها طلب محلي قوي في النظام المصرفي الإسلاميّ، نُمُوًا مُطّردًا، بلغ متوسط زيادته نحو 17 % سنويًا بين عامي 2009 و2013، وفقًا لوكالة ستاندرد آند بورز.

ويتوقع المحللون أن تظل شهية المستهلكين قوية؛ ما يعني معدلات نمو أعلى، على حد قول الرئيس العالمي لوحدة التمويل الإسلامي في موديز، خالد هولادر، مضيفًا: "نتوقع أن يستمر هذا التوجه".

وتستفيد البنوك أيضًا بشكل ملحوظ من ارتباط العملات الخليجية بالدولار، الأمر الذي يساعد على سحبها في الأسواق العالمية من أجل الصكوك والسندات.

ويصب في صالح العملة الخليجية أيضًا حقيقة أنها مدعومة من قبل حكومات غنية بالسيولة النقدية، الأمر الذي يخلق ما يسميه هولادر "النظام الإيكولوجي غير العادي، حيث تكون الحكومة غالبًا أكبر مقترض ومودع ومساهم ومنظم". يضاف إلى ذلك كله، بيئة صحية للمصارف والمؤسسات المالية الإسلامية في الخليج.

 

 الروَّاد

وتقود السعودية هذا المسار، بقاعدة أصول تبلغ قيمتها 339 مليار دولار في عام 2014. وبامتلاكها أكبر بنكين إسلاميين في المنطقة- البنك الأهلي التجاري ومصرف الراجحي- لا تزال السعودية هي السوق الأكبر والأهم للصيرفة الإسلامية.

وتأتي الإمارات في المرتبة الثانية بـ 144 مليار دولار، ثم قطر بـ 111 مليار دولار، وبعدها الكويت بـ 107 مليارات دولار، وفقًا لإحصائيات مؤسسة إدبيز البريطانية.

 

 ضرورة التنويع

 لكن هناك تحديات تلوح في الأفق. فعلى عكس ماليزيا- القوة العالمية الأخرى في مجال التمويل الإسلامية التي تتمتع بنوكها ومؤسساتها المالية الإسلامية بمحافظ استثمارية أكثر تنوعًا- تواجه دول الخليج عائقًا يرتبط مباشرة بمتطلبات الشريعة من حيث التعامل في الأصول الملموسة، وليس الديون.

أدى هذا إلى الاعتماد المفرط على سوق العقارات، الذي يمثل أكبر الأصول الملموسة في المنطقة، لكنه أيضًا شديد التقلب، وغالبًا ما يكون مصدرًا للخسائر. هذا التركيز على العقارات جعل العديد من البنوك الإسلامية تعاني من ضعف جودة الأصول، مقارنة بنظرائها.

ويتفاقم الوضع في ظل تعثر جهود دول مجلس التعاون الخليجي للتنويع، وهي المشكلة التي انعكست على المؤسسات المالية الإسلامية. ذلك أنهم يعملون في الاقتصادات التي تفتقر بشدة إلى التنوع، حيث تسيطر الحكومة، بشكل مباشر أو غير مباشر، على معظم النشاط الاقتصادي، ما يصعب على البنك التنويع في هذه البيئة"، على حد قول هولادر.

وفي هذه النقطة، يقول رئيس مجلس الإدارة الرئيس التنفيذي لشركة إدبيز للاستشارات، همايون دار: "الاعتماد على العقارات كان لا مفر منه؛ نظرًا لغياب البدائل. وفي ظل عدم وجود منتجات أكثر تطورًا، تفضل المصارف الإسلامية في الخليج سوق العقارات رغم تقلبه".

 

الأساس الدينيّ

سيمثل الخروج من منطقة الراحة تحديًا؛ لأسباب ليس أقلها طريقة هيكلة المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية. ذلك أن الخدمات المصرفية الإسلامية في جوهرها استثمار مدعوم بالأصول، مع التركيز على تقاسم المخاطر والأرباح. أما النفوذ الزائد والإقراض غير المضمون، الذي تشتهر به بنوك أوروبا وأمريكا الشمالية، فلا يحظى بأي تشجيع.

ومن المفترض أن تكون المؤسسات المالية الإسلامية مبنية على مبادئ الاستثمار الأخلاقية، المتجذرة في الشريعة. ولضمان الالتزام، يقوم علماء الدين بتقديم المشورة، وهو المفهوم الذي يتناقض تمامًا مع البنوك التقليدية.

وخَلُصَ تقرير "دار"، الصادر أواخر يونيو، إلى صعوبة مقارنة المصارف الإسلامية بنظيرتها الغربية التقليدية. قائلًا: "بدلًا من ذلك، نحن نقارن بين الروح الغربية وطريقة التفكير الشرقية. فيما قد يحلو لآخرين اعتبارها مقارنة بين الأخلاقية واللاأخلاقية".

ويقول محلل آخر: إن الاختلافات أقل مما يتضمنه الأساس الديني للقطاع المصرفيّ الإسلاميّ. وحاليًا، يفوق الاختلاف من حيث الشكل نظيره من حيث المضمون. من أجل ذلك حينما ننظر إلى البنوك الإسلامية في نهاية المطاف فإننا نقيمها باستخدام ذات المنهجية التي تميز البنوك التقليدية؛ لأنها- كما هو متوقع- لديها مشكلات تتعلق بالقدرة على الوفاء بالديون والسيولة، كما أن لديها أصولًا واستثمارات وتقوم بالتمويل إن لم يكن القروض، ولذلك فإن مخاطرها الائتمانية مشابهة جدًا للبنوك التقليدية"، بحسب "هولادر".

لكنه أشار أيضًا إلى أن "التركيز على حقوق المساهمين أكثر من الدين يعتبر أفضل للمجتمع ككل. ذلك أنه يساعد على تحسين توزيع رأس المال داخل الاقتصاد في أغراض أكثر إنتاجية، ويساعد على خفض مستوى المديونية داخل المجتمع".

أما دور العلماء المسلمين فهو أكثر صعوبة. حيث يوضح "دار" ذلك قائلًا: "هل بإمكانكَ أن تخدم سيدين في الوقت ذاته؟ لديكَ علماء دين مسؤولون عن إصدار موافقات على مختلف الهياكل، لكن إذا لم يقبلها السوق، فإن دورهم يُختَزَل. لذلك هناك بعض التوتر بين الهدفين. وأود القول إن نتائج هيكل الصكوك حاليًا تصب في صالح السوق أكثر من الدين".

وفي حين أن السوق قد يكون له القول الفصل، لا يمكن إغفال دور علماء الدين، برغم كل شيء. "من الصعب للغاية تسويق [المنتجات] بدون موافقتهم"، كما يشير "دار". "وعلماء الشريعة يتحدثون بصوت مرتفع جدًا، ولهم احتكاك مباشر بعامة المسلمين".

 

طموح دبي

أثارت قضايا الحوكمة أيضًا بعض الأسئلة. من بين دول الخليج، تبرز البحرين باعتبارها دولة تتمتع بنظام مصرفيّ تنظيميّ قوي، على الرغم من أن الاضطرابات السياسية أضرت بالصناعة المصرفية والاقتصاد ككل.

ومما لا يثير الدهشة، أن النظام المصرفي الإسلامي الأكثر تقدمية في الخليج يوجد في دبي. حيث ازدهر توجه "الباب المفتوح" في عهد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الذي كان صريحًا في دعمه للتمويل الإسلامي، وأعلن يوم 8 يوليو تفوق دبي على المراكز المالية الأخرى من حيث إدراج سندات إسلامية في وقت سابق، عما كان متوقعًا.

ووفقًا لرويترز، ارتفعت الصكوك المدرجة في سوقي دبي، ناسداك دبي وسوق دبي المالي، إلى 36.7 مليار دولار  في يونيو (حظيت ناسداك دبي منها بـ33 مليار دولار)، مقابل 7 مليارات في عام 2013، عندما أعلن محمد بن راشد رغبته في أن تصبح الإمارة أفضل مركز للتمويل الإسلامي.

هذا يضع دبي قبل ماليزيا (26.6 مليار دولار)، والبورصة الأيرلندية (25.7 مليار دولار) وبورصة لندن (25.1 مليار دولار)، التي كانت سابقًا أكبر ثلاثة مراكز للصكوك.

وقال محمد بن راشد: "عندما أطلقنا خطتنا لتصبح عاصمة العالم للاقتصاد الإسلامي قبل عامين، كانت هناك شكوك لدى بعض الإخوة. لكننا اليوم حققنا الهدف الأول حتى قبل الموعد الذي حددنها. لدينا رؤية واضحة لإنجازنا المقبل في عام 2020". جاء ذلك خلال اجتماعٍ لمجلس إدارة مركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي، الذي يرأسه الوزير محمد القرقاوي، رئيس المكتب التنفيذي لـ محمد بن راشد.

وكلف محمد بن راشد ابنه، ولي العهد حمدان، للإشراف على مشروع تحويل دبي إلى عاصمة عالمية للتمويل الإسلامي. وقال الشيخ حمدان خلال الاجتماع إن هناك مبادرات جديدة سوف تطلق قريبًا لتسريع التقدم.

ومع ذلك، يرى المعلقون أن هناك الكثير يتعين القيام به على صعيد الحوكمة والجبهة التنظيمية حتى يحقق القطاع التوقعات. ومع استمرار الأمور على ما هى عليه، حتى مع ثبات النمو، لا تشكل الخدمات المصرفية الإسلامية تهديدًا لهيمنة البنوك التقليدية.

لكن ذلك يمكن أن يتغير، إذا وجدت دول الخليج طريقة لتنويع اقتصادها، وتحرير البنوك من الاعتماد على العقارات، ومنحها المزيد من النفوذ الاقتصادي، ومعها القدرة على جذب حصة أكبر من سوق الصيرفة العالمي.