مجتمع » تعايش

«تويتر» ودعوات مفتوحة لتفخيخ الحياة

في 2015/09/10

جعفر الجمري- الوسط-

كثير من المنصَّات التابعة إلى وسائل التواصل الاجتماعي، يتضح الهدف من قيامها، وبشكل مباشر. نتكلم عن المفترض من هدف قيامها: خلق أرضية وأسلوب وطريقة مغايرة لانفتاح البشر على بعضهم بعضاً. من المفترض بتلك الوسائل أن تأخذ علاقات البشر إلى مزيد من التعميق والهدف والمحصِّلات من ورائها. من المفترض أيضاً أن تعيد صوغ تلك العلاقات، بعد أن كانت عن بُعْد، وأصبحت عن قُرْب، العمل على تثبيتها بكثير من تراكم الوعي، والانتباه إلى ضرورة أن يكون البشر متعايشين على هذا الكوكب، كي يستطيعوا إعماره كما يجب، وفي ذلك إعمارهم أيضاً.

ما يحدث اليوم أن بعض تلك المنصَّات عمَّقت، وعملت على تحفيز إيقاظ التاريخ الذي نام عليه كثيرون. لم يكن نوماً بقدر ما كان استراحة البحث عن فرص تكون مدعاة لإيقاظه، وهو ما يحدث اليوم. «تويتر» نموذجاً لموجات محتقنة ومسمومة ومصابة بحالات السعار، تشتغل على التاريخ الذي لا تُلمُّ بكثير من تفاصيله ودقائقه، والمنعطفات الحادَّة التي تسبَّب فيها بشر، قبضوا ليكتبوا تاريخاً بحسب المواصفات، والرغبة، والمزاج، والاتجاه الذي يريد بعض الذين تحكَّموا في مسار الأمة أن يأخذوها إليه، وهو مسار لن يعد إلا بالكثير من المخاطر، والمهالك، وهو في كثير منه المصداق البارز والشاهر، الذي يتجنَّبه كثيرون اليوم «ولا تُلْقُوا بأيديكم إلى التهلكة».

توفر مثل تلك المنصَّات مدى رحباً ومفتوحاً لممارسة وإدمان تلك «التهلكة». ثمة أطراف من مصلحتها التفرُّج على مثل تلك الصراعات والحروب التي يقودها ويتصدَّى لها عبر «تويتر» وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي، أنصاف متعلمين؛ بل يتصدَّى لها أميِّون بامتياز، ولا يعنيهم في قليل أو كثير أي معنى لانسجام ووئام وتعايش بين مكوِّن وآخر. ثمة لعبة قذرة من ورائها آلة ضخمة تضخ ما يدفع مثل تلك الأصوات إلى الاستماتة في دورها المنحرف والقذر.

لا توفِّر مثل تلك المنصات اليوم - واقعاً - في كثير من الفضاء المتاح للمتردية والنطيحة من مُخرِّبي الحياة والوعي بضرورة تحصينها، إلا مزيداً من تسميم تلك العلاقات وتفكيكها والأخذ بها إلى المعلوم من المآلات هذه المرة؛ وليس المجهول، كما يحلو لنا أن نركن إلى التعبير عن حال متأزمة وغير واضحة المسار.

ولم توفِّر مثل تلك المنصَّات - في جانب غير مستهان به منها - إلا ذخيرة إمداد للذين يعملون من جحورهم في تخريب الحياة وتفخيخها، الرقص الهستيري المجنون، كلما ارتفعت أعداد الضحايا، من الذين لا شأن لهم لا بالمنصَّات تلك، ولا شأن لهم بالذين ارتضوا الفعل، فخرجوا على الناس بما يذكِّرنا ويحيلنا إلى سورة «المنافقون»، وما يترتب عليها، وما تحويه من تشخيص لما يكنِّون، وعلى الضدِّ مما يُظهرون.

«تويتر» وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي، دعوات لبعض المجانين كي يكون تفخيخ الحياة سهلاً، واختطافها أكثر سهولة؛ دون أن ننسى أو نتغافل عن الجانب المضيء من تلك المنصَّات، والأثر العميق الذي أحدثتْه في مسار العلاقات الإنسانية في جهاتها الأربع.