مجتمع » تعايش

وحدة الامة والتصدي للدور السعودي شرطان للتغيير

في 2015/09/10

صوت البحرين-

يخطيء من يعتقد ان تراجع مشروع التغيير السياسي في العالم العربي يعني موته، فالتغيير سنة إلهية في المجتمعات لا يستطيع احد منع حدوثه، خصوصا مع استحكام الظلم الذي لا يستقيم مع العدالة الالهية والقوانين الكونية التي تمثلها. فقوانين الله عادلة بشكل مطلق. فالقوانين الطبيعية تقوم على مبدأ حفظ التوازن الكوني، فلا إفراط ولا تفريط، وحركة الكون شرقا وغربا، صعودا وهبوطا تتم وفق تلك القوانين الالهية التي لا تبديل لها ولا تغيير. والمجتمعات كذلك محكومة بقوانين مماثلة ذات طابع اجتماعي تؤطر حياة البشر وتسعى لتحقيق العدل والسعادة والرفاه في اوساطهم. اما الظلم والانحراف والاستبداد فهي ظواهر تتناقض مع قيم الاستواء والتوازن، ولذلك لا يمكن ان تبقى الى الابد، وان وجدت فهي طارئة سرعان ما تزول بسبب ما تحدثه من تناقضات تتفاعل ايجابا او سلبا حتى تقتلعها.

وما يحدث في العالم العربي اليوم لا يخرج عن هذا النمط. فقد انتشر الظلم والانحراف والاستبداد بفعل عوامل عديدة خصوصا في السنوات الاربع الاخيرة التي هيمنت فيها قوى الثورة المضادة التي تمثل الشر والانحراف والظلم. ولكي تستطيع تلك القوى بسط نفوذها وحرف مسار التغيير، عمدت لتجهيل الجماهير عبر وسائل اعلامية انفقت عليها المليارات وتم توجيهها للتعتيم على الحقيقة وتجميد العقل وتغييب المنطق وتغليب لغة القوة وادخال الرعب في النفوس، وإشغال الناس عن الخير والطاعة الحقيقية لله سبحانه. هكذا استحكم الطاغوت في امتنا المسلمة، وهو استحكام غير مسبوق في العصور الحديثة، وان كان له سوابق كثيرة في تاريخ المسلمين. فما اشبه الليلة بالبارحة، وما اصدق الآيات التي وصفت الاعراب بانهم “أشد كفرا ونفاقا، وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله”، ونفت صفة الايمان عنهم “قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا، ولكن قولوا أسلمنا، ولما يدخل الايمان في قلوبكم”. وما أدق الآيات التي تتحدث عن التظاهر بالدين واخفاء غير ذلك “وممن حولك من الاعراب منافقون، ومن اهل المدينة مردوا على النفاق، لا تعلمهم، نحن نعلمهم، سنعذبهم مرتين”. تللك الظواهر تتكرر اليوم بوضوح تام. وفي لغة السياسة اصبح اولئك الاعراب يستخدمون لغة معارضيهم ومصطلحاتهم بدون ان يؤمنوا بها، فتحدثوا عن الديمقراطية وحقوق الانسان مع اصرارهم على ممارسة التعذيب وتشبثهم بالحكم باستبداد مطلق. تظاهر طغاة اليوم بما لا يؤمنون به، بهدف الحاق الهزيمة بمناوئيهم وكسر ارادتهم لوقفهم عن مواصلة مشروع التغيير.

وما يحدث في البحرين انما هو امتداد لما يجري في البلدان العربية الاخرى، مع بضعة فوارق: اولها ان ثورة شعب البحرين متواصلة برغم التحريض ضدها ومحاربتها بسلاح الطائفية، واستقدام الجيوش الكبيرة للاستعانة بها ضدهم. ثانيها: ان تلك الثورة لم تستعن بالاجانب ولم تستقو باعداء الامة وهي تتصدى لابشع نظام استبدادي ديكتاتوري قبلي في المنطقة، بل استعانت بالله سبحانه واعتمدت على جهود ابنائها، بدون ان يفت من عضدها سقوط الشهداء تباعا وسجن زرافات النشطاء والتنكيل بمن يطالب بحقه. ثالثها: ان مطالبها واضحة ترفض المساومة عليها، فلا بقاء لنظام الاستبداد الطائفي الذي يمثله الخليفيون، مهما طال الزمن او قصر. ولا مساومة على الحقوق الاساسية المشروعة للشعب واهمها حق تقرير المصير وكتابة الدستور الدائم وانتخاب حكومة من ابناء الشعب لممارسة مهمات الحكم بدون وصاية او استعلاء او استكبار. رابعها: ان شبابها لا يبارحون الميادين برغم ادوات القمع غير المحدودة التي تمارس بحقهم بدون رحمة. هؤلاء الشباب يتعرضون للقتل والسجن والتعذيب ولكن لسان كل منهم يختلج بقول: أحد أحد. فالله واحد، وهو الخالق والآمر والناهي، ولا مكان لغيره في منصب الربوبية والحكم. خامسها: ان شعب البحرين يؤمن بوحدة الامة ووحدة مصيرها، وسبق ان اعلن مقولته الصادقة: التغيير اما ان يحدث في كل البلدان العربية او لا يحدث في اي منها. ولذلك يؤمن هذا الشعب حق الايمان بحتمية انتصار شعوب الامة على طغاتها، وان النصر سيكون حليف المجاهدين الصادقين الصابرين، طال الزمن او قصر. سادسا: ان شعب البحرين مؤمن، يتوكل على الله وحده، ولا يبحث عن دعم من احد ولا يستعين بغير الله، ولا يعتمد على جهود احد الا ابناء الوطن. هذه السمات جعلت من ثورة شعب البحرين مثالا للنضال الوطني السلمي القادر على تحقيق آمال الجماهير طال الزمن ام قصر.

الوعي المطلوب لانتصار ثورات الشعوب لم يتوفر لقيادات اغلب ثورات الربيع العربي. فقد انساقت القيادات والنخب المثقفة وراء دعوات الطائفية والمذهبية ونزعت لباس الثورة والتغيير. هذه حقيقة ثابتة يؤكدها هذا الاستقطاب الحاد في الساحات العربية وفق خطوط التمايز المذهبي. ولكي يمكن استعادة المبادرة من قوى الثورة المضادة وافشال خطتها يتطلب الامر امورار ثلاثة: اولها تشكيل تحالف جماهيري ثوري ضد قوى الثورة المضادة وتسمية الجهات المتورطة فيها، وفي مقدمتها السعودية وحليفاتها الخليجيات. وما لم يمتلك قادة الثورات والحركات السياسية الشجاعة الكافية للافصاح عن الدور السعودي بوضوح وبدون مواربة او مجاملة او حسابات غير مضمونة، فسيبقى حكام السعودية قادرين على التصدي لمشاريع التغيير وافشالها. مطلوب ان يشار بالبنان بشكل واضح للسعودية بانها تقود الثورة المضادة، وان سياساتها قمعية مفرطة، وان نظام حكمها استبدادي مطلق. الامر الثاني تأصيل وحدة الامة ورفض محاولات تفتيتها، وافشال المشروع الطائفي والمذهبي الذي فرض على المسلمين بقوة المال والسلاح. فاعداء الامة يراهنون على بقائها في حالة من التشرذم والتفتت والتخلف. فاذا نهض المخلصون من ابنائها لقيادتها على طريق الخلاص من الاستبداد ورفضوا محاولات تمزيق الامة بكافة الوسائل، فسيكونون قادرين على توجيها الامة المتكاملة، نحوالنصر المؤزر (وما ذلك على الله بعزيز). فالامة الموحدة قادرة على توفير بدائل لقوى التطرف ودعوات التكفير، وتستطيع التصدي لمحاوفة حرفها عن الطريق الذي يقودها الى بر الامان.

ثورة شعب البحرين كانت سباقة لاستيعاب الحقائق المذكورة، ووضعت النقاط على الحروف، فادركت خطط الثورة المضادة قبل ان تبدأ، وتصدت لخططها التمزيقية، وتصدت للسعودية لانها تصدرت مشروع الثورة المضادة وتآمرت مع عسكر مصر للانقلاب على المشروع الديمقراطي جملة وتفصيلا. كما ان ثوار البحرين استوعبوا معاني الوحدة وكيف ان “المسلمين يد على من سواهم”، فرفعوا شعار وحدة الامة ورفضوا المساومة على ذلك، وهتفوا في كل مكان: الشعب يريد اسقاط النظام”. هكذا بدأوا وواصلوا ثورتهم، وعلى اساس ذلك سيصلون الى بر الأمان، ممثلا بالانتصار النهائي المحتوم بعون الله تعالى. اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين