مجتمع » تعايش

في الحق والاعتراف والتسامح

في 2015/09/08

أحمد برقاوي – البيان-

أصدرت دولة الإمارات العربية المتحدة قانوناً يكافح التمييز والكراهية، ويجرم كل أشكال التمييز على أساس الدين أو العقيدة أو الطائفة أو المذهب أو الأصل أو العرق أو اللون.

والحق، إن لصدور هذا القانون دلالات كثيرة وذات أثر إيجابي لا على دولة الإمارات فحسب، بل وعلى عالمنا العربي بعامة.

فلقد جاء هذا القرار في مرحلة تشهد فيها المنطقة العربية جملة من المظاهر الخطرة، بل والمدمرة إذا ما استمرت في تصاعد وتحولت إلى أساس لصراعات زائفة.

فهناك الظاهرة الطائفية التي استطاعت، ومع الأسف، أن تتحول إلى طريقة في وعي الآخر والموقف منه عند جماعات أقل ما يقال عنها، إنها مغتربة عن العالم المعيش.

فالنزعة الطائفية تنال من الرابطة الوطنية من جهة، وتضعف من قيمة الولاء للدولة من جهة ثانية، عبر خلق شرخ مجتمعي.

وهناك ظاهرة التكفير، وهي التي تحول جزءاً من الأيديولوجيين الدينيين المتعصبين إلى سلطة خارجة عن القانون تهدد أمن الوطن والمواطن.

وهاتان الظاهرتان تخلقان نوعاً من التناقضات والصراعات التي تؤدي إلى النيل من معتقدات الآخرين، الذي يصل إلى حد التهجم البذيء على المعتقدات الأهلية.

وإذا ما تطرقنا إلى الدلالة الفلسفية الكلية لهذا القانون فإنه تأكيد لثلاث قيم لا تقوم الدولة المعاصرة من دونها ألا وهي: الحق، الاعتراف، التسامح.

ففكرة الحق فكرة كلية شاملة جامعة مانعة، فالحق ليس مجرد حق بالملكية، فالحق لا يتجزأ، فحق الاعتقاد، وحق الانتماء الديني والمذهبي، وحق المواطنة من دون النظر إلى هذا كله، أو دون التمييز في الحق هو الذي ينقل الإنسان إلى درجة المواطنة. أجل الحق والمواطنة لا ينفصلان، وبالتالي الاعتداء على هذه الحقوق اعتداء على المواطنة، والحفاظ على هذه الحقوق حفاظ على قيمة المواطنة، وهذا هو أيضاً معنى دولة الحق.

أما قيمة الاعتراف فهي أساس الحياة المعشرية والعيش المشترك، فلا يمكن أن تتحقق الحقوق دون قيمة الاعتراف بها، والاعتراف بها ليس مجرد رغبة ذاتية، فالاعتراف إذ يأخذ شكل الواجب يتحول إلى نمط حياة، فالواجب هنا يحميه قانون دولة الحق.

فالاعتراف بالتنوع، واعتراف المواطنين المتبادل بوصفه واجباً قانونياً يحول التنوع والاختلاف إلى حال طبيعية وإلى ثراء للحياة المجتمعية والروحية. والاعتراف الذي صار واجباً بحكم القانون يحول دون أن يتحول التنوع إلى أساس للتناقض، ومن ثم إلى سبب للصراع.

والصراع أصلاً لا يقوم إلا على أساس من عدم الاعتراف. وكيف يمكن للانتماء للدولة وللوطن دون قيمة الاعتراف المتبادل الذي تحميه الدولة قانوناً. إذاً دولة الحق هي دولة الاعتراف.

أما القيمة الثالثة فهي قيمة التسامح، وقيمة التسامح مرتبطة ارتباطاً شديداً بقيمة الاعتراف، فالتسامح هو الاعتراف للمختلف بممارسة الحق، وكي لا يكون التسامح مجرد دعوة، بل ولكي تصبح حقيقة واقعة فيجب أن تكون ثمرة دولة التسامح التي تجرم أي شكل من أشكال عدم التسامح، فالعنصرية مثلاً بوصفها ممارسة مجتمعية هي شكل من من التمييز والقائم على سلب الحق بالمساواة الإنسانية، وإذا أصبحت الدولة عنصرية كما كان الحال في جنوب أفريقيا، وفي فلسطين المحتلة «إسرائيل» فإنها تغدو دولة التمييز وعدم التسامح مكرسة ذلك بالقانون

ولعمري فإن هذه القيم الثلاث بحضورها القانوني، وبوصفها ماهية الدولة فإنها تنتقل من مجرد قيم أخلاقية دعوية خاضعة للأهواء إلى قيم فاعلة بوصفها قيم الدولة، التي شرعنها القانون، ويحافظ عليها القانون ويحميها القانون ويعمل على تحقيقها بوصفها واجباً.