مجتمع » تعايش

المناهج والصراع الإقليمي

في 2015/09/02

أ. د. عبداللطيف بن نخي – الرأي- سأعرض في هذا المقال ظاهرة مجتمعية تأججت مجدداً بعد فترات من الهمود. خطورة هذه الظاهرة تكمن في أنها تمس أمن المواطن واستقرار الوطن بل وسيادة الدولة، وهي من منظور آخر مقياس لدرجة تسلل الصراع الإقليمي إلى الداخل الوطني بل إلى القلب الكويتي. فالأوضاع خطيرة وتتطلب منا الالتفاف حول شرعيتنا وإعانتها بكل ما نملك من حكمة و قوة من أجل ترميم سورنا الرابع نسيجنا الاجتماعي.

المجتمع الكويتي يعاني من فتور في مشاعر الولاء والانتماء الوطني مقابل حميّة في الانتساب الطائفي والارتباط العنصري. هذه الظاهرة نتاج حملات إعلامية مستمرة موجهة من قبل القوى الإقليمية المتنافسة منذ الثورة الإسلامية في إيران، قد تكون لبنان أول دولة في المنطقة تأثرت بهذا التنافس ولا تزال أسيرة ذلك، كما يبدو أن الكويت ليست خارج نطاق ساحة الصراع الاقليمي. كما في لبنان، المحاور الإقليمية تجند الشخصيات المحلية المؤثرة وتوظف الوسائل الإعلامية لبرمجة ثلاث رسائل رئيسة في عقول المواطنين: أولها إسقاط الثقة بالوطن ومستقبله، وثانيها تمجيد المحور المجند ورموزه، وثالثها نبذ المحور المقابل ومن يتعاطف معه، ولا أرى حاجة لذكر تطبيقات للرسائل الثلاث، ولكنني أدعوك لمراجعة الأحداث المحلية والرسائل التي تزامنت معها في فضاء التواصل الاجتماعي لترى بعقلك تلك المساعي، كما يمكنك كشف المجندين من خلال ملاحظة التباين السافر في مؤلفاته الإعلامية حول المستجدات التي تهدد أمن الوطن ومصالحه.

المتابع لدرجة الاحتقان الطائفي في الكويت يلاحظ بأنه يتفاقم باشتداد المواجهة بين القوى الإقليمية، وحيث إن المنافسة بين هذه القوى دخلت مرحلة الحرب كما كانت في الثمانينيات من القرن الماضي، لذلك تجد أن استهداف لحمتنا الوطنية اليوم بذات الدرجة التي كانت عليه في الثمانينيات. وإذا راجعت حالة العلاقات بين تلك القوى على مر السنين، لوجدت أن الفتن في مجتمعنا تخمد كلما تحسنت العلاقات بينها. نحن بحاجة عاجلة لمشروع وطني متكامل لإعادة بناء سورنا الرابع ولكن على قواعد دستورية تقصي النعرات الطائفية والعنصرية.

التصدي للظاهرة الاجتماعية الخطيرة يجب أن يكون من محورين رئيسين. في المحور الأول يجب على وزارتي الداخلية والإعلام مضاعفة جهودهما في التصدي للانتهاكات الفادحة لقيم تضامننا الاجتماعي، وفي ملاحقة مخالفي قانون الوحدة الوطنية من أفراد أو مؤسسات إعلامية، والنواب مطالبون بتحمل مسؤولياتهم الدستورية لمعالجة هذا القصور الخطير من قبل الوزارتين في ظروف أقل ما يقال عنها بأنها محتقنة.

أما المحور الثاني فيتضمن تقويم الثقافة المجتمعية بمجالاتها المعرفية والوجدانية والسلوكية. فالبعض منا يعيش حالة من التناقض، فتجد خشيته من مخاطر إرهابية، تدفعه نحو سلوكيات متطرفة تنخر في سورنا الرابع فتحفز الخلايا الإرهابية النشطة والنائمة على استهدافنا.

لذلك أقول بأن تفاقم الخطاب الطائفي وتوالي الهزات الاجتماعية، جميعها يؤكد الحاجة لتدخل جراحي تربوي في قلوبنا لإصلاح عقيدتنا الاجتماعية واستئصال الأورام الوجدانية منها.

المشرع الكويتي أراد أن يعي مجتمعه المدني أن «العقوبة شخصية» كما جاء في المادة (33) من دستورنا. وكان يتأمل أن نرتقي إلى مستوى الامم المتحضرة التي تعتبر أن «المتهم برئ حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع» لذلك صرح بذلك في المادة (34) من الدستور. لذلك فإن الهوة كبيرة بين واقعنا الاجتماعي وبين ما تمناه رعيل الدستور.

البعض، بقصد أو من غير قصد، يختزل مبررات المطالبة بتنقيح المناهج وتقويم مناهل الثقافة المجتمعية في دوافع طائفية. ولكن الواقع ينفي ذلك لأن الأحزاب السياسية الإسلامية - بجميع طوائفها - كانت منذ التحرير ولا تزال إلى يومنا هذا متوافقة على مناهجنا الدراسية. ومن يبحث في سجلات البرلمان لا يجد أي مبادرة برلمانية حول تنقيح المناهج من قبل أي نائب ينتمي لأحد تلك الأحزاب.

مناهجنا اليوم تلقينية تربي الأجيال من أجل مشاريع الإسلام السياسي، باختلاف أطيافه، على حساب أمن الكويت وتنميتها. وتنامي حلقات الانتماء الإقليمية على حساب الوطنية، وتبعاتها الأمنية والاجتماعية، براهين بالدليل المعاش على أن تطوير منابع ثقافتنا المجتمعية ضرورة عاجلة لتعزيز أمننا الداخلي والخارجي. الاستاذ حجاج والدكتورة العنود والدكتور سعود والدكتور عبدالعزيز والدكتور حمود من بين النماذج الوطنية «المتدينة» التي لمست مساعيها المضنية لإخماد الفتنة ووقف نزيف الجسد الكويتي.. مجتمعنا بحاجة لتعليم يستنسخ أمثالهم لإصلاح ما افسده الاسلام السياسي.