مجتمع » حريات وحقوق الانسان

على بعد خطوات .. عاصفة مجلس حقوق الإنسان

في 2015/08/28

حمد العامر- الأيام- في كلمته الافتتاحية للدورة الـ29 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف في (15 يونيو 2015م)، خصَّ المفوض السامي لحقوق الإنسان زيد رعد الحسين البحرين بفقرة مهمة في خطابه أثارت ردود أفعال متباينة سواء على المستوى الرسمي أو على مستوى الأطراف السياسية البحرينية المختلفة، حيث قال: (.... في البحرين هناك عشرات المحتجزين الذين ادّعوا تعرضهم للتعذيب وسوء المعاملة، بما في ذلك في سجن جو، وأنا أدعو إلى التحقيق الفوري في هذه الادعاءات، وجميع المحتجزين بسبب ممارستهم للأنشطة السلمية ينبغي الإفراج عنهم، والطريق إلى الأمام لضمان السلام والاستقرار والازدهار لجميع البحرينيين، هو من خلال حوار حقيقي بين الحكومة والمعارضة، من دون شروط مسبقة....)؛ ونظراً لقرب موعد انعقاد الدورة الـ 30 لمجلس حقوق الإنسان في سبتمبر القادم والتي ستشارك فيها مملكة البحرين بوفود تمثّل السلطتين التنفيذية والتشريعية وعددا من مؤسسات المجتمع المدني إلى جانب تمثيل المعارضة البحرينية بجمع هائل يثير الاستغراب والتساؤلات حول الجهات الممولة والداعمة لإقامة هذا الجمع الكبير في جنيف مدة لا تقل عن ثلاثة أسابيع، وما ستتطرق إليه هذه الدورة من مناقشات حول ملف حقوق الإنسان في البحرين؛ يتبادر إلى الذهن سؤالان ينبغي التركيز عليهما،

السؤال الأول: لماذا تظل تبعات الأزمة التي شهدتها البحرين عام 2011م مستمرة في أروقة مجلس حقوق الإنسان وعلى رأس أجندتها دائماً في اجتماعاتها الرئيسية والفرعية؟ سواء في جنيف أو في اجتماعات اللجنة الثالثة المعنية بحقوق الإنسان والمرأة في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك؟

يعود ذلك حسب اعتقادي لعدة أسباب يمكن إيجازها في الآتي:

أولاً: عدم اقتناع مجلس حقوق الإنسان بالجهود التي بذلتها مملكة البحرين للوفاء بالتزاماتها التي وعدت بها خلال جلسات المجلس في الفترات السابقة ، على الرغم من الجهود الكبيرة التي أرى انها تم تنفيذها حتى الآن .

ثانياً: انتهاء الزيارات التي يقوم بها المقررون الأمميون لمجلس حقوق الإنسان إلى البحرين بوعود لم ترَ النور -كما يَرَوْن - رغم ما يقدمونه من شروحات وأفكار لمساعدة البحرين على تنفيذ وعودها والتزاماتها، إلى جانب عدم تمكّن هؤلاء المقررون من الاجتماع بصنَّاع القرار، والذي قد تكون أسبابه -ومن واقع معايشة- إصرار مقرري مجلس حقوق الإنسان أو الوفود الأوروبية الأخرى أحياناً على ترتيب زياراتهم في فترات معينة غير مناسبة لصنَّاع القرار نظراً لارتباطاتهم المسبقة بمهام وأعمال خارج البلاد.

ثالثاً: اكتفاء (جهاز متابعة تنفيذ توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق) التابع لوزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف منذ تشكيله بقرار من مجلس الوزراء في (29 أبريل 2012م) وحتى الآن بإصدار أربعة تقارير فقط حول الخطوات التي اتخذتها قطاعات وأجهزة الدولة في سبيل تنفيذ التوصيات التي خلصت إليها لجنة تقصي الحقائق المنتهية أعمالها في (نوفمبر 2011م)؛ حيث صدَرَت تلك التقارير في (يونيو 2012م، نوفمبر 2012م، ديسمبر 2013م)، وآخرها في (فبراير 2014م) وذلك بحسب ما هو موثَّق في الموقع الإلكتروني للجهاز, مما يعكس انطباعاً سلبياً لدى الرأي العام المحلي والعالمي بعدم قيام الجهاز  بواجباته المنصوص عليها في قرار تشكيله . فماذا استجد بخصوص تنفيذ توصيات لجنة تقصي الحقائق خلال (18 شهر) الماضية؟ فالرأي العام العالمي ومن يهتمّ بالشأن البحريني من مختلف الأطراف والتوجهات بحاجة لمثل تلك التقارير الدورية التي تساعد على تبيان جهود الدولة واهتمامها وسعيها الدؤوب لردع الصدع ومعالجة آثار الأزمة المؤسفة.

وعلى إثر ذلك؛ وكما ذكرت في بداية مقالي، يتبادر إلى الذهن السؤال الثاني:  حول مدى الاستعداد للمشاركة في أعمال الدورة القادمة لمجلس حقوق الإنسان؟

والجواب : إنه وعلى الرغم من قصر المدة المتبقية لانعقاد جلسات مجلس حقوق الإنسان في سبتمبرالقادم ؛ الا إنه بالإمكان تصحيح الصورة وإعادة المياه الى مجاريها الطبيعية  في العلاقات الثنائية بين البحرين ومجلس حقوق الانسان بجنيف باتخاذ الخطوات التالية فوراً:

1-  قيام وزارة الخارجية -بصفتها الجهة المسؤولة عن ملف حقوق الإنسان- بإجراء اتصالات عاجلة مع الخارجية السويسرية لوقف سعيها لقيادة (لوبي أوروبي) في مجلس حقوق الإنسان لإصدار قرار ضد البحرين، وتقديم كافة الشروحات الموثَّقة حول ما تم تنفيذه من التزامات حقوقية ووعود قدمتها البحرين في فترات سابقة للمجلس، وسيكون مناسباً ومؤثراً جداً لو تم استدعاء السفير السويسري (غير المقيم) للاجتماع بمعالي الشيخ خالد بن احمد ال خليفه وزير الخارجية لنقل آخر التطورات حول اوضاع حقوق الانسان  في البحرين  الى الخارجية السويسرية في (برن) والاعراب عن رغبتها في وقف هذا الضغط السياسي الذي تمارسه سويسرا في هذا الشأن وتخليها عن قيادة هذا (اللوبي) الذي يأتي - كما اعتقد-  بتكليف من الدول الأوروبية خاصة الإسكندنافية منها.

2- قيام وزارة الخارجية بالترتيب لعقد اجتماعين منفصلين ،، يخصَّص الأول لسفراء الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن الدولي، والثاني لسفراء الدول الأوروبية المعتمدة لدى المملكة، على أن يتم الترتيب للاجتماعين بعناية فائقة وبمشاركة عدد من المختصين في وزارة الداخلية ومجلسي الشورى والنواب والجهات المختصة لتقديم شروحات متقنة وموثَّقة لأهم إنجازات المملكة في مجال حقوق الإنسان وجهودها لتنفيذ التوصيات المتعلقة بهذا الملف، على أن تُسلَّم لكل سفير نسخة باللغة الإنجليزية من تلك العروض بعد نهاية الاجتماع.

3- سرعة تشكيل وفد برلماني قوي ومتمرِّس ولديه خبرة واسعة في مجال حقوق الانسان يمثِّل مجلسي الشورى والنواب، للقيام بزيارتين قبل اجتماع مجلس حقوق الانسان في جنيف ، الاولى للمفوض السامي لحقوق الإنسان في جنيف . والثانية للمفوض السامي لحقوق الإنسان في بروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبي كونه مفتاح التحرّك الأوروبي والموجِّه الفعلي للسياسة الحقوقية للدول الأوروبية الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان، لتقديم الشروحات الموثَّقة والدلائل المادية من صور وتسجيلات مرئية حول ماتم إنجازه في مجال حقوق الإنسان في البحرين.

وبما أن الشيء بالشيء يُذكر، فقد لاحظت في الفترة الأخيرة قيام مجلس النواب بإصدار عدد من البيانات رداً على التصريحات والقرارات الصادرة عن البرلمان الأوروبي أو المفوضية الأوروبية والتي تنتقد فيها البحرين في مجال حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير، وفي اعتقادي أن ذلك امر يتطلب معالجة لهذه التصريحات أو المشاركات النيابية في بعض الفعاليات الخارجية التي كثيراً ما تخرج عن النص ويكون لها انعكاسات سلبية في التعامل المستقبلي بالمفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي تحديدا ،  والذي يعلم جيداً بان مثل هذه التصريحات هي من باب الاستهلاك الإعلامي المحلي فقط  وتعتبر من وجهة نظره كذلك انعكاسا غير إيجابي لا يساعد على تطوير العلاقات القائمة بين الجانبين كما صرح لي بذلك عدد من مسؤولي المفوضية الأوروبية  في أكثر من اجتماع معهم بالمفوضية الأوروبية  خلال فترة عملي السابقة  سفيرا لمجلس التعاون لدى الاتحاد الاوروبي ببروكسل .

لذلك فإن المطلوب فعلاً عند الإدلاء بأية تصريحات أو عند مخاطبة الدول الاوروبية ومؤسساتها أن يكون هناك تنسيق وموقف رسمي موحد متفق عليه بين السلطة التشريعية (مجلسي الشورى والنواب)  ووزارة الخارجية بصفتها الجهة التنفيذية المسؤولة عن ملف حقوق الإنسان بالمملكة.