مجتمع » أسرة

سياسة توسّع قاعدة الفقراء

في 2015/08/28

قاسم حسين- الوسط- ماذا يفعل أحدنا، كأرباب أسر، حين يمر بضائقة مالية تهبط بمدخوله الشهري فجأةً إلى النصف، كما حدث مع أسعار النفط؟

سيبدأ أولاً بالتحكم في مصروفاته، فيعيد ترتيب بنود الصرف. ويبدأ أول ما يبدأ بما يتبرع به خارج الأسرة ليقتصر إنفاقه على أسرته؛ ثم يبدأ بتقليص الصرف على الكماليات؛ ثم يبدأ بالحد من الصرف على الأساسيات، حسب الأهم والمهم، فيقلّل مثلاً من الصرف على الملابس، ويقلّل عدد مرات الخروج إلى المطاعم والسينما، توفيراً للمصروفات. وربما أكثر ما يحافظ عليه هو ما يشتريه من طعام أساسي، كالوجبات الثلاث والخبز والخضراوات.

هذا هو السياق الطبيعي للأمور، فإذا قلب أحدهم المعادلة، وبدأ أولاً بتقليل وجبات الطعام، وترك هامش الصرف على بعض الكماليات، فإنه يخالف المنطق ويتعرض للانتقادات. وهذا هو ما يحصل اليوم بشأن قرار رفع الدعم، الذي بدأ باللحوم البيضاء والحمراء، وربما يتلو ذلك الطحين والوقود وخدمات الكهرباء والماء... إلخ.

من أغرب التصريحات التي سمعناها في الأيام الأخيرة، إعلان بعض الوزارات عن استعدادها وجهوزيتها الكاملة لتنفيذ قرار رفع الدعم عن «اللحوم»، وكأنه قرارٌ سيحقّق الرفاهية الكاملة للشعب البحريني! والحديث الذي تروّجه بعض الجهات عن بطاقة تموينية تشمل سلة غذائية من 15 سلعة، يبدو حديثاً فيه الكثير من المراوغة والتخدير والهرب من مواجهة الحقائق التي ستصدم قريباً غالبية المواطنين.

إنه لن يمر وقت طويل حتى تتبدى الآثار السلبية لهذه السياسة، التي ستضرّر أساساً الطبقتين الدنيا والوسطى، اللتين تشكلان تسعين في المئة من مجموع الشعب. فرفع الدعم عن اللحوم لا يعني التأثير على ما سيتناوله المواطن من أطباق اللحم على مائدته شهرياً، بل سيشمل ارتفاع أسعار جميع ما تقدّمه المطاعم بمختلف درجاتها، ما بين 30 إلى 50 في المئة. وإذا أضفنا إليها رفع الدعم عن مادة الدقيق، فإن ذلك سيؤثر على جميع ما تقدّمه المطاعم والمخابز الحديثة والشعبية من خبز ومعجنات ووجبات مازالت حتى الآن في متناول أكثرية المواطنين والمقيمين.

على الرغم من أننا لا نعارض إعادة التفكير في سياسة الدعم ومناقشة إعادة توجيهه لمستحقيه، إلا أن البدء بوقف الدعم عن الحاجات الأكثر ضروريةً كالطعام، هو بدءٌ بالطريقة المقلوبة، في تحديد الأولويات. فآخر ما كان ينبغي التفكير بوقف دعمه هو الطعام، واللقمة هي آخر ما يجب المساس به، فالجوع «أبو الكفّار». وما كان ينبغي أن تفكّر السلطة باتخاذ سياسات ستتسبب حتماً، ليس في زيادة أعداد الفقراء فحسب، بل في ظهور أعدادٍ من المحرومين والجياع.

طوال العقد الماضي، كان هناك 10 آلاف أسرة بحرينية تتلقى مساعدات شهرية مباشرة من وزارة التنمية الاجتماعية، حسب الإحصاءات الرسمية. وهناك أكثر من هذا العدد من الأسر التي تتلقّى مساعدات من أكثر من 100 جمعية وصندوق خيري منتشرة في مختلف مناطق البلاد. وهذه المؤسسات الخيرية لا يقتصر عملها على المساعدات الشهرية، بل يشمل تقديم مساعدات دورية في موسم الأعياد والعودة إلى المدارس، فضلاً عن تقديم الأجهزة الكهربائية والأثاث الضروري لبعض الأسر المعدمة، وشراء الأدوية واللوازم الطبية التي تعجز عنها. فهل سأل أحدٌ عن ما ستضيفه مثل هذه القرارات من أعباء إضافية على الصناديق والجمعيات الخيرية؟ وهل ستتمكن هذه المؤسسات الخيرية من المحافظة على ما تقدّمه من مساعدات حين تُضعف الطبقة الوسطى وتزيد نسبة الفقر في المجتمع؟ وكيف ستتعامل وزارة التنمية الاجتماعية حين تزداد قائمة الأسر الفقيرة طولاً؟ وهل ستتمكن من تلبية حاجيات ألفين أو ثلاثة آلاف أسرة إضافية ستعجز حتى عن شراء اللحم؟

إنه بدل البحث عن مصارف أخرى للتوفير في الموازنة العامة، لجأت السلطة إلى أقصر الطرق وأسهلها، وأقلها توفيراً، وأكثرها إضراراً بمصلحة غالبية المواطنين. وهو قرارٌ ليس مضموناً من حيث فاعليته في مجال التوفير، خصوصاً أن هناك موارد هدر كبيرة يعرفها الجميع.