قضاء » سجون

باختصار: جيل فقد حلم الحقيقة

في 2015/08/27

زهير ماجد- الوطن- نجح الأمن العام اللبناني في الإمساك بأشرس المشاغبين على الإسلام والعاملين للفتنة وتجار الكلام المقيت أحمد الأسير، لكن تلك النبتة المخترعة من قبل الخارج وبعض الداخل، تركت آثارها في مجتمعها، فهذا جيل من اللبنانيين والعرب وخصوصا من المسلمين، من صدق اللعبة التي أدارها ذاك المأسور، وأنهم رأوا في شخصه قدرة على تحريك عواطفهم الغاضبة التي تنتظر من يفجرها .. هنالك جيل عربي مسلم لم ننتبه له كثيرا، ولم نرَ تقاسيم وجهه الغاضب ولم ندخل إلى عقله المأزوم، هو هذا الجيل الذي يقاتل اليوم ضد الجيش العربي السوري، وضد الجيش العراقي وضد ما تبقى من جيش ليبي وهو المتمرد في صحراء سيناء، وهو المتخفي في أكثر من مكان ويظهر بين الفينة والأخرى.

ليست المسألة أن يتمكن الأمن من الإطباق على شخص خطير على الحياة اللبنانية وعلى مستقبل المسلمين فيها، بل كما قلت، هنالك المأسوف على شبابهم الجيل الضائع التائه الذي لم تتمكن عبر الحياة من تعليمه ووضع رجله في الطريق الصح .. جيل فقد حلم الحقيقة، سواء تعلم فهو غير متعلم، وسواء تخرج من الجامعات فكأنه لم يدخل واحة العلم تلك، أو تخصص في عمل فكأنه أمي في كل الصناعات .. جيل تم اختياره في موعد الانهيارات القومية فمشى إلى حيث يثأر لجهله بأن اختار الطريق الأشد جهلا، وداوى خطأ خياراته بخطأ مضاعف.

أحمد الأسير نموذج للإنسان العربي المستهتر الذي لم يعرف من الدين الإسلامي إلا بضع كلمات من أجل إغراء عقول لم تفرز بعد عقل الضرورة .. ولهذا نتساءل عن أولئك الذين حملوا السلاح إلى جانبه وقاتلوا الجيش اللبناني، بل وجدوا فيه تمثيلا لحالة جهالة، وكل مجهول مخيف، ولدى البعض محبب. ومن هنا نفهم لماذا يهرول بعض شبابنا العربي المسلم إلى التنظيمات الإرهابية التي تبدأ تجارتها الرابحة من علمها الأسود الذي تحمله، ومن ثم اسمها الذي تطرحه في سوق التعريف عن الذات، وبعدها في لعبة السلاح التي هي غواية شباب لم يجدوا لهم مكانا في أماكن سوية اختار بعضهم أهون الشرين وبعضهم عن قناعة تامة إلى أحد إفناء جسده من أجل قناعاته.

ليس من سلطة عربية ظلمت أولئك الشباب كي ينتقموا منها بهذه الطريقة، سوى أنهم استجابوا للطريق الوعر، ولعبة الشدائد عادة تعود للشباب الذي وحده يمكنه تحملها.

إذن مظلوم جيلنا العربي الحالي الذي من سيبقى منهم حيا سيلعن تاريخه الأسود كما فعل كثير من الأجيال التي سبقت وأسهمت في تاريخ سياسي أسود. لكن الكلام مع أبناء هذا الجيل قد فات أوانه، هو يريد خوض تجربة عن قناعة، وهو وحده من سيكتشف بعد عمر كم أخطأ في مسيرته الشخصية، وكم خرب ودمر وطنه وكم قتل وسفك من دماء وكم أجرم بحق الوطن والله والتاريخ والشعب والأسرة التي هي أسرته أولا.

فكيف نخاطبه وهو لا يسمع وإن سمع فلا يريد استجابة .. رحمة الله على هذا الجيل الذي سيأخذ المنطقة إلى نزاعات لا حصر لها قد تمتد أجيالا وزمنا وأمراضا لا يمكن التخلص منها بسهولة.