مجتمع » حريات وحقوق الانسان

الازدواجية عند الحديث عن الحقوق

في 2015/08/24

محمد بن دينة- الأيام- الحقيقة التي لا يختلف عليها اثنان، أن احترام ثقافة وآراء الآخر، المقدمة الطبيعية لبناء مجتمع الشراكة، المتجانس في أهدافه ومصالحه العليا، حتى وإن كانت هناك تباينات في الرؤى بين بعض المكونات والفئات، وقد يكون بديهيا أن يلتزم من ينادي باحترام الرأي الآخر، بأن يكون له رأي حازم وقاطع بشأن من يحاول إقصاء الآخر.

فليس منطقيا أن يكون مطلب احترام الآخر، عنوانا ومضمونا للكثير من المنابر الدينية والمقالات الصحفية ومضامين عدد من مواقع التواصل الاجتماعي، متناسين في الوقت ذاته أن هناك من يعمد إلى إقصاء الآخر ليس فقط بالكلام والرؤى، وإنما في حالات كثيرة من خلال أفعال وممارسات تمثل ليس فقط إقصاء بل اعتداء على حق الآخرين في حياة آمنة مطمئنة.

والمثير للدهشة أن أولئك الذين يملؤون الدنيا ضجيجا بالحديث عن الحقوق والحريات، هم أنفسهم من يختفي لديهم الحديث والقول الفصل فيمن يحاول إقصاء الآخر، رغم مكانة البعض منهم دينيا ومجتمعيا وثقافيا...ألم يسمع هؤلاء مقولة الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه «من يُنصّب نفسه للناس إماماً، فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره».. ألم يعي هؤلاء أن أولى مراحل مخاطبة الناس قول الحق والتوازن في عرض الحقوق والتي يتزامن معها بالتبعية الوفاء بالواجبات؟ لا يليق أبدا الازدواجية عند الحديث عن حقوق الإنسان، فمثلما تطالب باحترام الآخر، عليك بالرأي الحازم والإدانة الصارمة لكل من يخرب ويرهب الآخر ويعتدي على أبسط حقوقه الإنسانية وهي حقه في العيش الآمن. لقد قالها المفكر الإسلامي الكبير جمال الدين الأفغاني «خائن الوطن من يكون سببا في خطوة يخطوها العدو في أرض الوطن».

يا سادة.. الوطنية إحساس عظيم أكبر بكثير من مفهوم البيت والديار، فهي علاقة من نوع خاص تربطنا بالأرض وما عليها من أبناء جلدتنا، تحب من خلالها بلدك وتدافع عنها حتى وإن اختلفت عقائديا وفكريا وسياسيا مع من معك، الوطنية بناء بحب وتطلع للمستقبل بأمل، أبعد من مجرد كلمة ومفهوم فهي ممارسة وسلوك وتوافق ودون ذلك ليس له مكان في منظومة الدولة المدنية الحديثة.

لقد تربينا على هذه الأرض الطيبة على أساس ثقافة التسامح ونحتاج ليبقى هذا الإرث واقعا بداخلنا، نحتاج لأن نتسامح ونتعايش بحب وإخلاص ونعمل على تقديم حسن النية على ما سواها، نحن في أمس الحاجة إلى تعميق ثقافة التسامح وتنشئة الأجيال عليها، وهذا واجب أخلاقي وتربوي ليس فقط تجاه أنفسنا وأبنائنا وإنما تجاه ديننا ووطننا.