مجتمع » حريات وحقوق الانسان

ثورة على العنصرية

في 2015/08/21

سمر المقرن- الجزيرة- عندما يقبل القضاء أن يفتح أوراق لقضايا ما يسمى بـ»عدم تكافؤ النسب» ففي هذا تصريح قانوني بأن الأنظمة تدعم العنصرية وتوافقها، ولو كان من البداية قد قام القضاء بمعاقبة كل من يحاول إثارة النعرة العنصرية عن طريق المحاكم، لما تجرأ العنصريون إلى ما وصلوا إليه، فقد تطاولت العنصرية إلى حد القتل ولعل قصة الشاب الذي قتل شقيقته لأنها أرادت أن تتزوج برجل من غير جنسيتها ليست ببعيدة ففصولها كانت قبل ثلاثة أشهر فقط!

أما ما حدث مؤخرًا وليس آخرًا، من قصة (رشيدي يتزوج حربية) فقد وقف العنصريون موقفًا مخزيًا أن يحدث في القرن العشرين، وكان الأولى بالجهات الأمنية أن تتحرك ضد هؤلاء المجرمين الذين أرهبوا الفتاة وأسرتها، وجعلوا من تويتر منصة لترويج هذه النعرات التي تحدث على مرأى الجميع وهم في حالة اطمئنان تام بأنهم لن يُحاسبوا!

حقيقة لا أدري إلى أي مدى قد تصل العنصرية بنا في ظل عدم وجود مكافحة صريحة لها، ومن المعروف أن العنصرية هي عنوان المجتمعات المتخلفة، وتركها تستفحل بين الأجيال هو تكريس للتخلف المتوارث، ولا أرى أن لدينا صفات شكلية أو جسمانية نخشى عليها من الانقراض نتيجة التصاهر مع شعوب أخرى أوحتى مع أشخاص من نفس البلد، فليت عنصريتنا تقف على الحدود الجغرافية، بل المصيبة الأكبر أن عنصريتنا في الداخل قبل الخارج. هذا المشهد يجعلني دومًا أتساءل: ما هي الصفات الوراثية التي يُخشى عليها أن تتغير؟ نحن لا نملك سوى أسوأ أنواع البشرة نوعية ولونا، وتصبغات مشينة في المفاصل، وعيوننا ليست خضراء ولا زرقاء لنخشى على صفاتنا الجينية أن تتغير أو أن يندثر هذا «العرق» الفريد من نوعه، فما هي دواعي هذه العنصرية الغريبة؟

العالم يتغير، والعنصرية صارت جزءًا من ماضي الشعوب التي ودعت التخلف، ونحن ما زلنا نعيشها بكل أنواعها، بل ويتفاخر المجتمع بها على العلن، مع أننا مجتمع مسلم، والدين الإسلامي انبثق محاربًا للعنصرية قائمًا بثورته التنويرية ضدها، قد جعل البشر متساوين في كل شيء على أساس إنسانيتهم. فمتى سنطبق الدين الإسلامي بشكل صحيح؟ ومتى سنكف عن العبارات الإنشائية والادعاءات الشكلية في ممارسة الدين ونحن في هذه الممارسات أبعد الناس عن جوهره؟!

كيف نطالب فئات معينة في المجتمع بأن يكون ولاؤهم الكامل للوطن وهم يشعرون بالتمييز والعنصرية ضدهم؟ في وقت نحن نعيش فيه كل أنواع العنصرية سواء بشكل مباشر في التعامل الشخصي، أو بشكل غير مباشر من خلال شروط دون مسببات منطقية، كتلك التي تحدث بين الحين والآخر من قضايا سواء عبر المحاكم أو عبر الحملات القبلية التي يقوم بها فئة «جاهلة» في المجتمع تحتاج إلى قانون صارم يعيدها إلى الدرب القويم.

إن استمرار هذه العنصرية دون ثورة حقيقية توقفها، وقوانين صارمة تردعها ستزيد من حالة الجهل والتخلف الذي نعاني منه سواء كنا نشعر بوجوده أو لا نشعر!