صحة » اجراءات

مع توترات الشحن في البحر الأحمر.. ما إمكانيات سوق الدواء الخليجي؟

في 2024/02/21

محمد أمين - الخليج أونلاين-

لا تزال تداعيات هجمات جماعة الحوثي على سفن تجارية وعسكرية في البحر الأحمر تلقي بظلالها على دول المنطقة، وتحديداً الدول الخليجية، حيث يزداد المشهد تعقيداً مع مرور الأيام، ليمتد تأثيره إلى قطاعات جديدة.

وأثرت التوترات على شركات الصناعات الدوائية حول العالم، التي اضطرت كباقي شركات الشحن العالمية إما إلى إيقاف عمليات النقل إلى حين تحسن الأوضاع، أو لتغيير المسار إلى رأس الرجاء الصالح، الأمر الذي نتج عنه ارتفاع الأسعار، وزيادة مدة الشحن إلى الضعف على أقل تقدير؛ ما يعد مشكلة كبيرة لكون عملية نقل الأدوية تتسم بالحساسية.

وتتخوف الدول الخليجية من أن تصبح أمام أزمة في توفير الأدوية، خاصة أن الصناعة الدوائية المحلية تعتمد بشكل كبير على استيراد المواد الخام، وتتأثر سلبياً مع أي تداعيات على سلاسل الإمداد والنقل البحري واللوجستي بصورة عامة.

خطوة استباقية سعودية

تحسباً لأي طارئ، ولكونها تعد أكبر سوق في المنطقة لقطاع صناعة المستحضرات الدوائية والأدوية الحيوية (حجم سوقها يبلغ نحو 9 مليارات دولار)، بدأت السعودية بدراسة تعزيز الإجراءات اللوجستية لضمان استمرار سلاسل إمداد الصناعات الدوائية.

وأجرت اللجنة الوطنية لصناعة الدواء استطلاعاً شاركت فيه 13 شركة متخصصة في صناعة وتوزيع الأدوية في السوق السعودية، وأوصت بضرورة دعم سلاسل الإمداد في الصناعات الدوائية المحلية.

وأكدت اللجنة ضرورة البحث عن "موردين بدلاء" للمواد الخام من مناطق جغرافية متنوعة، بهدف تقليل مخاطر الاعتماد على مصادر محدودة، وزيادة مستويات المخزون من المواد الخام الأساسية، إضافة إلى إنشاء قاعدة بيانات للموردين، وفق ما نشرت جريدة "الاقتصادية" عبر موقعها الإلكتروني، الأسبوع الماضي.

ولدى المملكة نحو 50 مصنعاً مسجلاً للأدوية يغطي احتياجات السوق المحلية بنسبة 42% من حيث الحجم، و28% من حيث القيمة، وتصل صادرات هذه المصانع إلى 1.5 مليار ريال سنوياً (نحو 400 مليون دولار).

وبلغ حجم سوق الأدوية والمكملات الطبية نحو 34.5 مليار ريال (9,197 مليارات دولار) بنهاية عام 2022، مقارنة بـ 26.2 مليار ريال عام 2018 (نحو 7 مليارات دولار)، بمعدل نمو مركب بلغ 7.1%.

ولتأكيد أن الوضع مستقر حالياً في هذا القطاع، أعلنت هيئة الغذاء والدواء لـ"الاقتصادية" عدم وجود نقص في إمدادات المواد الخام الخاصة بالتصنيع الدوائي، مشيرة إلى أنها تتواصل باستمرار مع الشركات والمصنعين والجهات ذات العلاقة للتأكد من التوفر والاستدامة.

جاهزية قطرية

تعيدنا التوترات الحالية إلى فترة جائحة كورونا، التي برزت خلالها قدرة قطر العالية على التعامل مع التحديات التي طالت أنظمة الرعاية الصحية، حيث تولي الدوحة أهمية كبيرة لقطاع الصناعة الدوائية؛ من خلال جذب الاستثمارات ودفع عجلة التقدم بهذه الصناعة.

وهيّأت قطر، على مدار السنوات الماضية، بيئة مواتية لشركات الأدوية، من خلال استراتيجية تعتمد على تطوير خدمات الرعاية الصحية، والتزام الحكومة بالزيادة المستمرة في الإنفاق الصحي، والإنفاق على خدمات الرعاية الصحية الخاصة، وعقد صفقات أدوية حيوية.

وأدت سلاسة شبكات التوزيع وسهولة الحصول على خدمات الرعاية الصحية إلى زيادة الطلب في السوق، وضمان توفر الأدوية الأساسية. 

وتتصدر دولة قطر الإنفاق على الرعاية الصحية على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي بـ 1,827 مليار دولار، وفق "وكالة ترويج الاستثمار"، الأمر الذي ينعكس على استعداداتها للتعامل مع أي طارئ قد يعيشه قطاع الأدوية.

الإمارات تستقطب شركات الأدوية

تتميز دولة الإمارات بعوامل عديدة رفعت من حجم الاستثمار في قطاع الأدوية، الأمر الذي شجع الشركات العالمية على حجز مكانة لها وإنتاج أدوية فيها، وعلى رأسها البنية التحتية والأنظمة الحديثة.

وتحسباً لأي أزمة قد تصيب المنطقة، عملت الحكومة الإماراتية على تشجيع الاستثمار في القطاع الطبي والدوائي لتوفير الرعاية الصحية والأدوية بأعلى المعايير وتفادي حدوث أي نقص فيها، حيث من المتوقع أن يتزايد حجم قطاع الأدوية سنوياً ليصل إلى 18.222 مليار درهم (قرابة 5 مليارات دولار) بحلول العام 2026، بحسب تقديرات شركة "فيتش سوليوشنز" للدراسات.

وتضم الإمارات مكاتب ومقرات لأكثر من 90% من شركات الأدوية العالمية، ما مكنها من أن تصبح موطناً للصناعات الدوائية وبيئة للاستثمار الدوائي، فيما تسعى الحكومة إلى رفع عدد مصانع الأدوية الموجودة في البلاد بحلول 2030 من 24 إلى 30 مصنعاً.

وتبلغ نسبة المنتجات الصيدلاينة 44% من الأدوية التي تنتجها مصانع الإمارات، تليها المنتجات الطبية بنسبة 27%، ثم منتجات البيع بـ19%، بينما تمثل الأدوية البيولوجية 6%، والأدوية العشبية 4%.

وتحرص الحكومة الإماراتية على تحقيق الأمن الدوائي بما يضمن وصول الدواء لكافة المرضى، حيث شهد العام الماضي إطلاق استراتيجية الابتكار 2023-2026 لمؤسسة الإمارات للخدمات التي تهدف إلى تعزيز استدامة قطاع الرعاية الصحية المستقبلية وقدرته على المساهمة في تحقيق الاستراتيجية الوطنية لجودة الحياة 2031 والرؤية الوطنية "نحن الإمارات 2031"، وصولاً إلى تحقيق مستهدفات مئوية الإمارات 2071 التي سيكون خلالها قطاع الرعاية الصحية قطاعاً مستداماً.

منظومة استراتيجية كويتية

في ظل تصاعد التوترات والمشاكل التي تضرب سلاسل الإمداد في الوقت الحالي، تتجه الأنظار نحو الكويت، التي شهدت خلال السنوات الماضية عدداً من الأزمات فيما يخص نقص الأدوية، رغم الجهود التي تقوم بها وزارة الصحة لسد العجز وتوفير الاحتياجات، كانت آخرها شهر سبتمبر الماضي.

ودفعت الأزمة القديمة المتجددة الحكومة إلى إعداد منظومة لوجستية متكاملة تهدف إلى توفير مخزون استراتيجي يضمن احتياجات البلاد الأساسية لأكثر من عام، حيث ستشمل خدمات تخزينية متنوعة، تتضمن مخازن مكشوفة ومغطاة، مع التركيز بشكل خاص على تخزين الأدوية والمواد الغذائية وفق معايير جودة عالمية.

وبدأت الهيئة العامة للاستثمار تنفيذ هذه المبادرة من خلال تأسيس شركة تخزين كويتية برأسمال قدره 50 مليون دينار (161,6 مليون دولار) دُفع بالكامل، أما المنظومة المستهدفة فهي برأسمال قد يصل إلى 300 مليون دينار (969,779 مليون دولار)، وذلك في إطار خطة تدريجية.

وكانت مخصصات ميزانية عام 2023 للقطاع الصحي في الكويت بلغت نحو 13 مليار دينار، أي ما يعادل نحو 42 مليار دولار، وهي الأعلى في تاريخ البلاد.

البحرين.. تجربة مشابهة للوضع الكويتي

لا يختلف الحال كثيراً في مملكة البحرين عما شهدته الكويت خلال السنوات الأخيرة، إذ عانت المنامة من أزمة في نقص الأدوية، ما يسلط الضوء عليها حالياً ويطرح التساؤلات حول إمكانية تعاملها مع انعكاسات التوترات في البحر الأحمر على هذا القطاع.

وتعد أبرز مشكلة تواجه البحرين هي مساحتها البالغة بشكل إجمالي 8,269 كم2 (مساحة اليابسة: 786.5 كم2، مساحة المياه الإقليمية: 7,482.5 كم2)؛ وذلك لأن كثيراً من الشركات ترى أن حجم المملكة يشكل مشكلة إنتاجية فلا تستطيع القبول بتصنيع كميات متواضعة.

وبعد أن كانت الأدوية تنتجها بالكامل الشركات الكبرى، أصبح إنتاجها يقتصر على الشركات الصغيرة، وفق تصريح أدلى به رئيس لجنة القطاع الصحي بغرفة تجارة وصناعة البحرين خالد العوضي، نهاية عام 2022.

وفي إطار جهود الحكومة في التعامل مع التحديات التي تصيب هذا الجانب، أعلنت عام 2019 منح الترخيص لأول مصنع لإنتاج المكملات الغذائية "بحرين فارما"، الذي يعد أول مصنع محلي للأدوية والفيتامينات، لتعود في 2022 وتمنح الترخيص لمصنع الخليج للتكنولوجيا الحيوية، كأول موقع لتصنيع أدوية الحقن في البحرين، وتواصل مساعيها لتفادي الوقوع في هكذا أزمات مستقبلاً.

جهود عُمانية لمواجهة نقص الإمدادات الطبية

تعد التحديات الاقتصادية واللوجستية أبرز ما يواجه قطاع الأدوية في سلطنة عُمان، حيث إن توفير الأدوية بجودة عالية وبكميات كافية، وعدم وجود بديل لها في السوق المحلية، يشكل أكبر مخاوف وزارة الصحة.

والتحدي اللوجستي هو أكثر ما يواجه الموردين الدوليين والمحليين في السلطنة؛ بسبب القيود المفروضة على شحن البضائع، والتأخر في إيصال الأدوية، مع صعوبات مصنعية في توفير المواد الخام. 

ولا يمكن تجاهل أهمية تعزيز الإنتاج المحلي للأدوية في السلطنة، حيث تعمل الحكومة على تشجيع المستثمرين المحليين للمشاركة في صناعة الأدوية، وتشجيع الشركات المحلية على تطوير وإنتاج مزيد من الأدوية.

وتعمل الحكومة على تعزيز التعاون مع القطاع الخاص لضمان استدامة توفير الدواء، وإقامة شراكات استراتيجية لشراء وتوزيع الأدوية بشكل فاعل، حيث يُعدُّ ذلك من أولويات "رؤية عُمان 2040".

وبناءً على ذلك عززت السلطنة حجم الإنفاق على الخدمات الاجتماعية والأساسية في الميزانية العامة عام 2023 إلى 4.3 مليارات ريال عماني (7,8 مليارات دولار)، واستحوذ القطاع الصحي على 22% من هذا الإنفاق.

وشهدت صناعة الأدوية في سلطنة عمان نقلة مهمة مع افتتاح المرحلة الأولى لمصنع "فلكس" للصناعات الدوائية في المنطقة الحرة بصلالة، شهر يناير 2023، الذي بلغت كلفته نحو 58 مليون ريال عماني، إضافة إلى وضع حجر الأساس لأول مصنع لقاحات في السلطنة، في شهر يوليو من العام ذاته، والذي من المقرر أن تنتهي عملية تنفيذه في 2025.