من هنا وهناك » من هنا وهناك

آخرها "تيج" .. ما أسباب كثرة السيول والأعاصير في عُمان؟

في 2023/10/23

الخليج أونلاين- 

تعتبر سلطنة عمان إلى جانب اليمن المحاذية لها من أكثر الدول العربية تعرضاً للأعاصير والعواصف المدارية على مدار 140 عاماً تقريباً، حيث يتعرض البلد الخليجي، الذي يقع في الركن الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة العربية، بانتظام لآثار الأعاصير المدارية بسبب ساحلها الممتد على طول بحر العرب.

والسبب الرئيسي في أضرار الأعاصير المدارية في شبه الجزيرة العربية الفيضانات التي تسببت إجمالاً طيلة الأعوام الماضية في خسائر قدرت بمليارات الدولارات ومئات الوفيات، ما أثقل ميزانية الدولة الخليجية بكثير من النفقات.

وعاشت عُمان، منتصف أكتوبر 2023، ترقباً واستعدادات خاصة، مع تعرضها لعاصفة مدارية ضربت السواحل والمناطق الساحلية والداخلية من البلاد، وهو ما يعيد أكثر من قرن عاشته البلاد وسط عواصف وأعاصير كان بعضها مدمراً.

عاصفة "تيج"

وفي الموسم المحدد الذي تنتظره كل عام تعيش السلطنة حالياً حالة مدارية تتمثل بالعاصفة المدارية "تيج" في منتصف أكتوبر 2023، والتي تتجه بسرعة شديدة في بحر العرب، وبدأت بضرب سواحل سلطنة عُمان واليمن، وسط تحذيرات وإعلان حالة الطوارئ.

ومساء 22 أكتوبر بدأت تأثيرات الحالة المدارية (تيج) على ولاية سدح، بعدما هطلت على مركز الولاية ومناطق حدبين وحاسك وجوفاء وصوب، أمطار خفيفة أدت إلى تكون بعض البرك المائية.

وكانت تحاليل المركز الوطني للإنذار المبكر من المخاطر المتعددة في عُمان، أشارت إلى بدء تأثير الحالة المدارية "تيج" على أجزاء متفرقة من محافظة ظفار بتدفق كتل من السحب وهطول أمطار متفاوتة الغزارة خلال الساعات الماضية.

كما لفتت إلى تمركز الإعصار المداري من الدرجة الثالثة جنوب غرب بحر العرب على دائرة عرض 12.9 شمالاً وخط طول 54.7 شرقاً، ويبعد المركز حوالي 450 كيلومتراً عن سواحل سلطنة عُمان، وتقدر سرعة الرياح حول المركز من 100 إلى 112 عقدة.

وعلى ضوء ذلك، استعدت عُمان بشكل كبير للعاصفة، حيث قال محمد الكلباني، مدير عام التنمية الاجتماعية مشرف قطاع الإغاثة والإيواء بمحافظة ظفار، إنه تم فتح 45 مركز إيواء على مستوى المحافظة، 17 منها للوافدين.

كما أشار إلى إخلاء بعض مواقع المواطنين في صلالة الوسطى والمناطق الساحلية بولايتي رخيوت وضلكوت والقرى القريبة من وادي عدونب وجزر الحلانيات ونقلهم إلى الشقق المخصصة للإيواء بولاية صلالة.

من جانبها، قالت إدارة ميناء صلالة العماني إنها قررت إغلاق الميناء مؤقتاً؛ لتأثر المحافظة بالإعصار (تيج) بعد إصدار الأرصاد الجوية تحذيراً من اقترابه من سواحل عُمان.

بدورها أعلنت وزارة الصحة العُمانية أنها قررت بالتنسيق مع اللجنة الوطنية لإدارة الحالات الطارئة "إخلاء مستشفى السُّلطان قابوس بصلالة بمحافظة ظفار، على أن تستقبل جميع الحالات الطارئة في مبنى مركز طب وجراحة القلب بصلالة، وفي قسم الطوارئ بمستشفى القوات المسلحة بصلالة".

سيول مدمرة

وعلى مدى تاريخها تعرضت السلطنة للعديد من الأنواء المناخية المختلفة من حيث مدى قوتها وتأثيرها، وتحفظ الوثائق العُمانية العديد من المعلومات التي تتعلق بحالات مدارية بعضها تسبب بأضرار جسيمة.

وفي سبتمبر 2021، ألحق "إعصار شاهين" دماراً كبيراً بعديد من مناطق السلطنة التي ضربها، وخلّف 12 قتيلاً وعشرات المصابين، وكلّف الحكومة تعويضات بلغت 162.2 مليون دولار للمتضررين.

كما تعرضت السلطنة، مطلع العام الجاري، لـ"أخدود العزم" الذي غمرت مياهه عديداً من المناطق وألحقت أضراراً بالممتلكات.

وفي تاريخ السلطنة هناك عدد كبير من الأعاصير المدمرة التي عرفها السكان منذ مئات السنين، وتناقلتها الروايات.

ومما توثقه الصحف المحلية حادثة وادي "كلبوه" في زمن الإمام الوارث بن كعب سنة 795 م، التي غرق فيها الإمام بعد محاولته إنقاذ بعض المساجين من أن يجرفهم الوادي الشهير بنزوى، الذي كان قد امتلأ بفعل الأمطار الغزيرة التي هطلت في تلك السنة.

وفي 17 أكتوبر 1119م، هطلت أمطار غزيرة وفيضانات في عُمان، وخصوصاً في سمائل والمناطق المجاورة لها، ودمرت عدداً كبيراً من المناطق وأغرقت الأموال والمنازل.

أما في 11 أبريل 1492م، بحسب ما ذكر الشيخ مداد بن عبد الله بن مداد الناعبي، فهطلت أمطار غزيرة بنزوى دمرت كثيراً من حوائرها ومساجدها وحصونها ومزارعها وغيرها من البنى الأساسية.

وسجل شهر مايو 1683م هبوب رياح عاتية على بعض مناطق عُمان، مصحوبة بأمطار شديدة؛ مما أدى إلى حدوث خسائر جسيمة في المزروعات واقتلاع أشجار النخيل.

وذكر ابن رزيق في "الفتح المبين" أنه في سنة 1798م نزلت أمطار غزيرة على أغلب مناطق عُمان استمرت ما يقرب من 60 يوماً.

أبرز الأعاصير

اجتاح السلطنة في نهاية الأسبوع الثاني من شهر يونيو 1977 إعصار شديد بلغت سرعته 120 عقدة، وداهم عدداً من ولايات السلطنة.

تسبب الإعصار بأضرار مؤسفة في الأرواح والممتلكات؛ ففي جزيرة مصيرة تضرر ما يربو على 1400 منزل مبني بالمواد الثابتة، وفقدان أكثر من 3000 شخص المأوى، وأعلنت حالة الطوارئ في الجزيرة.

أما بالنسبة لولايتي جعلان بني بو علي وبني بو حسن، فأدى الإعصار إلى حدوث سقوط جماعي في النخيل تسبب في إتلاف عدد من المنازل، والحال نفسه في عدد من المناطق، فضلاً عن إتلاف أعمدة الكهرباء والهاتف.

وجرى بناء 600 مسكن شعبي للمواطنين الذين تضررت منازلهم من جرّاء الإعصار في جزيرة مصيرة، وتعويض المتضررين بمبالغ مالية بلغت مليوناً وربع مليون ريال، وذلك بأمر الراحل السلطان قابوس.

كما ضرب سلطنة عُمان إعصارا "هيكا" أواخر 2019، و"مكونو" عام 2018، وقد تسببا بتعطيل العمل وإجلاء آلاف السكان من مناطق عمانية.

ما الأسباب؟

تفيد مواقع الأرصاد والتنبؤات الجوية بأن موقع سلطنة عُمان الجغرافي والفلكي هو السبب وراء تعرضها لحالات مناخية مختلفة.

وبحسب الراصد الجوي العُماني مهند عبد الله البلوشي، تسمى الأعاصير التي تتشكل فوق خط الاستواء أو أسفله بالأعاصير أو الحالات المدارية؛ "بسبب وقوعها ضمن نطاق مدار الجدي أو مدار السرطان، على عكس الحالات التي تنشأ في خط الاستواء وتسمى بالحالات الاستوائية".

وفي حديث سابق لـ"الخليج أونلاين" أوضح البلوشي أن تعرض السلطنة لمثل هذه الأجواء المناخية يعود إلى وقوع جزء كبير من سواحل السلطنة على بحر العرب الذي هو جزء من المحيط الهندي.

تلك الأجواء غالباً ما تنتج عن بيئة مناسبة؛ مثل هدوء الرياح العمودية، ودرجة حرارة مياه سطحية تتعدى 26 درجة مئوية، كذلك تحتاج إلى توافر كمية عالية من الأبخرة والرطوبة التي تساعد على نمو الكتل حول مركز الحالة، بحسب البلوشي.

وللحالات المدارية مخاطر تتزايد في عدة نواحٍ؛ أهمها حدوث أمواج المد العالي. أما التأثيرات من ناحية هطول الأمطار فيشير الراصد العُماني إلى أن الأنظمة المدارية تمتاز بغزارة الأمطار المصاحبة لها مع الرياح التي ترافقها؛ مبيناً أن هذه الأنظمة تحمل معها كميات أمطار تفوق 100 ملم، تهطل في العادة بشكل متواصل مع عبور الحالة.

هطول الأمطار بكثافة كبيرة، يقول البلوشي، إنها السبب في حدوث الفيضان المفاجئ المسبب للسيول وغمر الشوارع والمنازل بالمياه، وهوما يكلف الدولة ملايين الدولارات لإعادة الحياة إليها.

في شرحه لنشاط بحر العرب يوضح البلوشي أنه ينقسم إلى قسمين اثنين:

الأول: يبدأ من الثلث الأخير من شهر أبريل وينتهي في الثلث الأخير من يونيو، وفي الغالب نهاية نشاط الموسم الأول تكون متذبذبة عكس بدايته، حيث إن نهاية الموسم الأول تعتمد على توقيت هبوب رياح المونسون، التي تعمل على تخفيف درجة حرارة مياه المحيط الهندي.

و"مونسون" هو في الأصل لفظ أخذ من الكلمة العربية "موسم"، وسمي باللاتينية "مونسون"، واستخدمت كلمة "موسم" لأول مرة لوصف الرياح التي تهب على بحر العرب.

وبحسب البلوشي، فإن القسم الثاني يبدأ موسمه من الثلث الأخير من سبتمبر، وينتهي مع نهاية أكتوبر، مع الأخذ بالحسبان أن هناك سنوات امتد فيها النشاط إلى شهر نوفمبر، ونادراً ما امتدت حتى ديسمبر.

تلك الحالات التي مرت على السلطنة وضعتها بين الدول الرائدة في مجال إدارة مثل تلك الأزمات، حيث تتخذ التدابير والاحترازات للخروج بأقل الأضرار من جميع النواحي، وفق البلوشي، الذي يقول: إن "تطور الأرصاد الجوية العُمانية نتيجة تراكم الخبرات السابقة جعل منها الواجهة الرسمية في تلقي الأخبار بدقة".