من هنا وهناك » من هنا وهناك

نهاية الاعتراضات؟ - هكذا تقطف السعودية ثمار شراء نيوكاسل

في 2023/10/10

تشوك بنفولد- DW- عربية- 

فاز نادي نيوكاسل المملوك للسعودية على باريس سان جيرمان المملوك لقطر في "أبطال أوروبا". صحيح أن هناك كم من الناس عارضوا فكرة استثمار السعودية، لكن مباراة الأربعاء أظهرت تغيّر الكثير من الأمور.

غطت الأعلام السوداء والبيضاء مدرجات ملعب سانت جيمس بارك، فقد عاد نادي نيوكاسل يونايتد إلى دوري أبطال أوروبا بعد غياب دام 20 عامًا، انطلاقا من أحد أكثر ملاعب إنجلترا تسجيلا لذكرياته. امتلأ اليوم بـ 52 ألف مشجع حضروا لقاءه مع باريس سان جيرمان.

قبل أقل من شهر، خسرت المملكة العربية السعودية بنتيجة 1-0 أمام كوريا الجنوبية في مباراة دولية ودية أقيمت في الملعب ذاته، ولم يحضرها سوى 3000 شخص. يحاول النادي جاهداً توضيح أنه ليس مملوكًا بشكل مباشر للدولة الخليجية، بل لصندوق الاستثمارات العامة التابع لها، والذي يسيطر عليه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ما جعل هذه المباراة الودية على أرض ملعب النادي الإنجليزي تظهر كما لو أنها استفزاز لكرة القدم الإنجليزية.

وجاء خبر اعتزام السعودية لتقديم طلب استضافة كأس العالم 2034، قبل ساعات فقط من انطلاق المباراة، بمثابة استعراض آخر. كما صار قميص نادي نيوكاسل خارج ملعبه حاليا، أشبه بقميص المنتخب السعودي، بينما صار هذا النادي من الأكثر شعبية بين مواطني هذه الدولة الخليجية. وقد تمت صفقة بيع خلالها الجناح ألان سانت ماكسيمين من نيوكاسل لنادي الأهلي السعودي، وتم توقيع صفقة رعاية مع Sela، وهي شركة أغلب أسهمها في ملكية صندوق الاستثمارات العامة.

نادي باريس سان جيرمان بدوره تعود ملكيته لقطر منذ سنوات، بينما تعود ملكية مانشستر سيتي حامل لقب دوري أبطال أوروبا، لدولة الإمارات العربية المتحدة. وقد خلف استحواذ هذه الدول الخليجية على الأندية الأوروبية امتعاضا لدى الكثيرين، لكن يبدو أن النجاحات على أرض الملعب تخفف من وطأة الرفض ومخاوف الرافضين من المشجعين في عموم أوروبا وإنجلترا على وجه التحديد، لكن ليس جميعهم توقفوا عن التنديد.

خفوت الحديث عن حقوق الإنسان

جون هيرد، أحد مشجعي نادي نيوكاسل يونايتد، ومن بين المنخرطين في حملة الرفض لامتلاك السعودية للنوادي الإنجليزية، يقول إن سمعة النادي سوف تتأذى من هذه الصفقة.

ويقول لـ DW: "على كل مشجع أن يحتكم لضميره، أنا لا أشجع على مقاطعة الجماهير للنادي، لكن على المشجعين والسياسيين المحليين والبرلمانين والإعلام والهداف التاريخي آلان شيرر وكل شخص له علاقة بالنادي، أن يلتزموا بما وعدوا به. لقد قالوا قبل الصفقة أن "امتلاك السعودية للنادي لن يمنعنا من الحديث عن أوضاع حقوق الإنسان فيها"، لسوء الحظ، هذا لم يحدث".

مدير النادي، إيدي هاو، تفادى مراراً الإجابة على الأسئلة المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان والحرب المستمرة على اليمن، عبر الادعاء بأن ذلك ليس من اختصاصه. ووفقاً لمنظمة العفو الدولية، تشمل الانتهاكات التي تتهم بها السلطات السعودية "استهداف الأفراد بسبب ممارستهم السلمية لحقهم في حرية التعبير وتكوين الجمعيات"، و"عقوبة الإعدام حتى في حالات كان المخالفون فيها أطفالاً وقت ارتكاب الجريمة التي اتهموا بها" و" التمييز ضد المرأة".

بعض المقاطع على وسائل التواصل الاجتماعي، أظهرت بعض مشجعي نادي نيوكاسل وهم يهاجمون من ينتقدون امتلاك السعودية للنادي وكل من يتبنى وجهة نظر المشجع هيرد. هذا الأخير يرد:  "المشكلة هي أن بعض مشجعي نيوكاسل، لسوء الحظ، يكررون هذه  الفكرة، وهذا غير مقبول على الإطلاق، لا يمكننا السماح بالتغاضي عن الديكتاتورية".

حملة مشجعي نادي نيوكاسل ضد امتلاك السعودية له، لم يكن لها أثر كبير على مباراة الأربعاء، ويتضح جليا أن غالبية مشجعي النادي الإنجليزي إما يشعرون أن صوتهم حول القضية لن يحدث فرقا أو تغييرا، أو أنهم غير مبالين بشأن هذه القضية من الأساس، أو ببساطة سعداء لأن الاستحواذ السعودي في عام 2021 أخرج النادي والمدينة من حالة الركود إلى مرحلة أفضل.

العودة إلى دوري أبطال أوروبا

عبر الكثير من المشجعين عن فرحتهم الغامرة بعودة ناديهم للتألق في دوري أبطال أوروبا، ومن بينهم ميك إدموندسون، صاحب متجر التذكارات الرياضية، The Back Page، الذي صرح لـ DW قائلا "إنه أمر رائع، مثل الحلم". موضحا أنه لا يتحدث نيابة عن كل مشجعي النادي، لكن حسبه "الغالبية العظمى، من الأشخاص الذين أعرفهم ويحضرون مباريات الفريق، لديهم نفس وجهة نظري".

في حين أن المشجعين مثل إدموندسون يكتفون فقط بفرحة الإنجاز والاستمتاع بتكرار أمجاد النادي بعد سنوات في شمال شرق إنجلترا من جديد، ويحلمون حتى بالفوز بأول لقب منذ 1955، فإن آخرين يرون أن استثمارات المملكة العربية السعودية في نادي نيوكاسل، وكذا في الجولف، والكريكيت، والفورمولا وان، إضافة إلى الاستثمارات الهائلة من البطولة السعودية في لاعبين أجانب، يخفي شيئاً أكبر بكثير وهو أمر مثير للقلق حسبهم.

المملكة العربية السعودية تريد حسب ستانيس إلسبورج، عضو منظمة الشفافية والديمقراطية الدنماركية في مجال الرياضة "أن تضع نفسها في مصاف القوى العالمية مثل الصين والولايات المتحدة، وتريد أن تصبح لاعبا جيوسياسيا كبيرا".

ويضيف: "جميع هذه الدول، السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، يستخدمون الرياضة كوسيلة لتلبية تطلعات السكان وتحقيق رغباتهم الترفيهية، وتوفير مصادر بديلة للتسلية والفخر الوطني في ظل غياب الحقوق السياسية والحريات المدنية".

ويتوقع إلسبورج أن تكون بطولة كأس العالم لكرة القدم للرجال الخطوة التالية في المكاسب  في المجال الرياضي بالنسبة للسعودية.

أما بالنسبة للمشجع إدموندسون، فإن تأثير الإدارة السعودية على نيوكاسل يشكل مصدر فرح، إذ عبر عن ذلك قائلا "لقد استثمروا الكثير من المال في المدينة، لديهم خطط للاستثمار في مختلف المجالات وليس فقط في كرة القدم أو النادي، بل في المدينة نفسها والمنطقة برمتها، إنه أمر جيد ومفيد للجميع".

المشهد تغير كثيرا، فآخر مرة لعب فيها نادي نيوكاسل في دوري أبطال أوروبا، كانت عام 2003، خرج حينها من الدور التمهيدي على يد فريق بارتيزان بلجراد. كان للنادي مالك محلي، جون هول، وكان المدرب جينها بوبي روبسون.

وعلى الرغم من مرور 20 عاماً فقط، إلا أن مثل هذا الوضع يبدو الآن غريباً في الدوري الإنجليزي، حيث صار عدد الأندية المملوكة من قبل الإنجليز أقلية، ويتم التعاقد مع أفضل المدربين من الخارج.

فتح أبواب الدوري الإنجليزي الممتاز، وباب حكومة انجلترا أمام أي شخص لديه ما يكفي من المال، بما في ذلك الدول التي لديها مشاكل في مجال حقوق الإنسان، ليس بالأمر الجديد. لكن غياب أي تراجع كبير في المدرجات أو الشوارع من طرف المواطنين والمشجعين، يشير إلى أن الغالبية العظمى من راضون عن الوضع.

وهو ما يراه ستانيس إلسبورج "أمرا مؤسفا" إذ يقول "الرغبة في تحقيق نتائج أفضل واستثمار أكبر في النادي ربما تفوقت على المخاوف، وهو أمر مؤسف، لأن تفويت الملكية تأتي بمشاكل خطيرة في عالم كرة القدم".

لكن من العدل التذكير بأن 52 ألف إنجليزي، لم يتأخروا في النزول إلى الشوارع احتفالا بالفوز بنتيجة 4-1، دون تفكير بما بعد الاستثمار في كرة القدم. كما أن الهدفان الثاني والثالث كانا من توقيع اللاعبين المحليين دان بيرن وشون لونجستاف. كان هذا فوزًا لمشجعي النادي، لكنه كان أيضًا انتصارا للسعودية، ولن يكون الأخير.