سياسة وأمن » حروب

الإمارات و«الانتقالي» يعتمدان السلبية: فلنطبّق «حل الدولتين» في اليمن

في 2023/09/25

 لقمان عبدالله- 

تقف المكونات اليمنية المنخرطة في ما يسمى «الشرعية»، إزاء المفاوضات التي جرت بين وفد صنعاء والجانب السعودي في الرياض، والتي من المفترض أن تستكمل في الأيام المقبلة، موقف المتفرج فاقد الحيلة. وأكثر هذه المكونات تضرّراً من تلك المفاوضات هو «المجلس الانتقالي الجنوبي» الذي فُهم من مقابلات رئيسه، عيدروس الزبيدي، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، أنه يقدّم استجداء مذلاً للمملكة بضرورة إشراكه في المفاوضات، ملوّحاً في الوقت نفسه بعرقلتها

وصلت المكونات اليمنية المنضوية تحت ما يسمى «الشرعية»، إلى لحظة الحقيقة في مفاوضات الرياض، والتي جرى استبعادها منها. ورغم الاحتجاجات التي أطلقها «المجلس الانتقالي الجنوبي» على هذا التهميش، إلا أن المجلس نفسه لا يستطيع القيام بشيء من دون موافقة راعيته، الإمارات، وبالتالي فإنه لن يكون قادراً على العرقلة بمعزل عن أبو ظبي التي تبدو هي نفسها وقد أُسقط في يدها، نتيجة إعطاء الأميركيين الضوء الأخضر للسعودية للوصول إلى اتفاق مع «أنصار الله». ففي مقابلته مع صحيفة «الغارديان» البريطانية الأسبوع الماضي، اشتكى رئيس «الانتقالي»، عيدروس الزبيدي، من تهميش الجنوبيين في محادثات الرياض، مؤكداً «أننا لا نعرف ما يحدث إلا من خلال الإعلام فقط». وذكر أنه تلقى دعوة لزيارة العاصمة السعودية، لكنّه أمضى يومين هناك من دون أن يتمكّن من لقاء المفاوضين السعوديين. وفي إشارة مبطنة الى إمكانية عرقلته لأي اتفاق، قال إن تجاهله بهذه الصورة «لن يؤدي إلى تحقيق سلام وحلول ناجحة للأزمة اليمنية».

لكن الأمين العام لـ«مجلس الإنقاذ الوطني» اليمني الجنوبي، أزال الجاوي، رد على الزبيدي برسالة عبر منصة «X»، قال فيها إن «السعودية كقائد للتحالف أعلنت الحرب على اليمن من دون أن تستشير الرئيس السابق، عبد ربه منصور هادي، وعزلته من دون أن تستشيره أيضاً. وصنعت مجلسكم وعيّنتكم من دون استشارتكم، فمن الطبيعي اليوم أن لا تستشيركم في شأن المفاوضات. بل غير الطبيعي هو استشارتكم في هذه المفاوضات أو في أي أمر آخر... فلماذا الصراخ الآن؟» وتساءل سياسيون ونشطاء محليون، أيضاً، حول الأسباب التي تجعل هذه المكونات والأحزاب التي يتشكّل منها «المجلس الرئاسي» و«الحكومة الشرعية» تبدو في هذا الوضع الضعيف والفاقد للحيلة، معتبرين أن تلك القوى السياسية كان قرارها مرهوناً للخارج منذ وقت مبكر في الحرب، ورمت بكل بيضها في سلال دول «التحالف»، مقابل ترتيبات ومناصب وامتيازات فندقية ومالية؛ واليوم، تجد نفسها خارج اللعبة والعملية السياسية، ويراد منها أن تحضر للتوقيع فقط «كشاهد ما شافش حاجة».

«الانتقالي» المحرَج أمام جمهوره، عمد إلى التعويض عن إقصائه، عبر التفاخر بمرافقة الزبيدي لرئيس «المجلس الرئاسي»، رشاد العليمي، إلى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، على أنها مكسب سياسي كبير، وأن الزيارة وما رافقها من لقاءات سجّلت مكاسب ديبلوماسية واستراتيجية ونجاحاً في إيصال «قضية شعب الجنوب إلى أروقة مراكز صناعة القرار في العالم»، وأن ذلك ستكون له أبعاد سياسية وديبلوماسية وعسكرية في تأكيد «عدالة ومحورية» قضية الجنوب.

لكن الخلافات بين الجانبين السعودي والإماراتي حول مقاربة القضية اليمنية ستظلّ ترخي بظلالها على وكلاء الطرفين المحليين. ويلقي الجانب الإماراتي ووكيله المحلي (الانتقالي) باللائمة على الجانب السعودي، متهمين إياه بعدم وضوح الرؤية بشأن المسار السلمي الذي تقوده المملكة وتريد أن يفضي بها إلى الخروج من الملف اليمني الشائك، من دون أن تكون قد عالجت تفاصيل كثيرة لا يمكن إغفالها والقفز فوقها. وعلى رغم تمسك الرياض بالوحدة اليمنية حتى هذه اللحظة، فإن وكلاء أبو ظبي يرون أن الرياض «لم تحسم قرارها بشأن قضية الجنوب»، علماً أن هؤلاء يرفضون «أيّ صيغة حكم في الحل النهائي مهما كانت إلا بحلّ الدولتين» (أي انفصال الجنوب عن الشمال) باعتبار ذلك الأسلم والأقل كلفة للمملكة ذاتها، إذا أرادت أن ترسي سلاماً مستداماً وتضمن الهدوء التام على حدودها.

قبل أسبوع، أثار الأكاديمي الإماراتي، عبد الخالق عبد الله، جدلاً في الأوساط اليمنية والخليجية بتغريدة على منصة «X»، قال فيها إن «قضية جنوب اليمن ليست قضية انفصال، وإنما تحرّر وطني»، في إشارة إلى دعم الإمارات لاستقلال الجنوب اليمني. وتساءل: «لماذا يصرّ البعض على تسليم الجنوب العربي لجماعة الحوثي الإيرانية الانقلابية في صنعاء؟». ويبدو أن «الانتقالي» ومن خلفه الإمارات لا يزالان يعمدان إلى السلبية في مقاربة المفاوضات الدائرة حالياً ويهدّدان بشكل دائم بالورقة الاقتصادية في وجه أي اتفاق يزعمان أنه تجاوز لحقوق جنوب اليمن وقضيته - علماً أن معظم منابع النفط ومصبّاته على بحر العرب تقع تحت النفوذ الإماراتي -. وهذا ما لمّح إليه الزبيدي في مقابلاته بالقول إن «الجنوب وحده هو الذي يمكنه اتخاذ القرار بشأن موارده»، معتبراً أن «إعطاء الإيرادات من الجنوب للشمال يقوّض حقنا في تقرير المصير».

وعلى رغم الوضوح والجرأة في خطابات «الانتقالي» وقياداته المتكئة على الموقف الإماراتي، إلا أنه ليس لديهم إجابات عن كثير من الأسئلة إذا مضت السعودية في سياسة التهميش والإقصاء، ونجحت في توقيع الاتفاق بشأن الملف الإنساني الذي من ضمنه رواتب الموظفين العموميين في كل الأراضي اليمنية. فهل لدى «الانتقالي» ومن خلفه أبو ظبي بدائل جاهزة للانتقال من قبيل الانسحاب من الشراكة في حكومة ما يسمى «الشرعية» أو انسحاب الأعضاء المحسوبين على «الانتقالي» من «المجلس الرئاسي»؟ ومن ثمّ هل «الانتقالي» مهيّأ لاتخاذ قرارات من جانب واحد، مع ملاحظة أن تلك القرارات اتخذت من قبله أكثر من مرة، ثم تراجع عنها؟ الإجابة عن تلك الأسئلة ليس مكانها في الأروقة المحلية اليمنية، وخصوصاً الجنوبية، وبالتحديد ليست لدى «الانتقالي»، بل في ما سوف ينتج من الوساطات التي يجريها مسؤولون أميركيون بين كل من السعودية والإمارات. وإلى حين الوصول إلى تسوية سياسية بين الطرفين، فإن الخطة الإماراتية تقوم على تقوية وكلاء أبو ظبي في اليمن، حتى لو أدى ذلك إلى استمرار هذا النزاع بعد الاتفاق أيضاً.