خاص الموقع

السعودية وبريكس.. تساؤلات مشروعة

في 2023/09/05

(فؤاد السحيباني \ راصد الخليج)

من جديد يطل على المملكة العربية السعودية "خريف قلق" مرة أخرى، تحركات محمومة ومتعددة المستويات اقتصاديًا، تتوافق مع ملامح تغيير في الوجهات والسياسات والتحالفات، وهذه العملية كلها بتباين خطواتها وتعدد دوافعها، وأحيانًا غرابتها، لا تترك مجالًا للشك بأن ما يجري هو أقرب لسرب طيور ضاع نظامه وتبعثرت أجنحته وتاه أفراده، كل منها مع ريح يرى فيها آماله، أو حتى ضرورات بقائه.

الصندوق السيادي السعودي هو بطل الخريف الجديد، بكل تأكيد، فبعد أن مد مظلة اهتمامه إلى كرة القدم، وبدد فيها كل ما استطاع مسؤولوه أن يبددوه من موارد وثروات على عقود ولاعبين ومدربين، قرر أن يخطو خطوة أخرى نحو الصناعات الثقيلة، تجاوبًا فيما يبدو مع خطوة دخول تجمع "البريكس"، واستهدافًا كما قيل لدعم "القطاع الصناعي والقطاع الخاص" في المملكة، وإعادة قطار الاهتمام بتنويع مصادر الثروة والإيرادات ضمن "رؤية المملكة 2030"، إلى قضبان الحركة وأوضاع الانطلاق.

وخرج صندوق الاستثمارات العامة بإعلان مثير، كشف فيه استحواذه على أكبر شركتي حديد في المملكة، حديد التابعة لسابك وحديد الراجحي، فيما قال إنه صفقة تستهدف إطلاق شركة عملاقة لصناعة الحديد والصلب، توفر احتياجات المملكة من هذه السلعة الحيوية، بأعلى جودة ممكنة، مع التأكيد بضخ استثمارات ضخمة وجديدة في هذا القطاع، وفق أهداف التحول الصناعي الكبير، أو المنتظر.

هذا الإعلان وحده يجسد ويختصر كل مشاكل القرار في المملكة، الانعكاس الحي والكامل للعشوائية المسيطرة على الفضاء السعودي، والارتباك الكامل فيما يخص اتخاذ القرار، من يملك لا يتمتع بفكرة عن ماذا يريد، وبالتالي أي طريق يجب أن يسلك، الرعونة هي سيدة الموقف والأجواء، والشكوك هي حاكم اليوم والغد.

قبل 4 أعوام بالضبط، كانت الشركة السعودية للصناعات الأساسية "سابك"، وهي واحدة من أكبر الشركات العالمية في مجال البتروكيماويات، مملوكة للصندوق السيادي، قبل أن تنتقل في هذا التاريخ إلى شركة "أرامكو" عملاق النفط، واليوم يعود جزء منها "شركة حديد" إلى الصندوق السيادي من جديد.

يمكن فهم القرار الأول، في 2019، حين قرر الصندوق السيادي أن ينقل "سابك" إلى "أرامكو"، وهي كلها شركات عامة، كأنك تنقل أموالك من جيب إلى جيب، وذلك لرفع القيمة التسويقية لشركة "أرامكو" قبل طرحها الذي فشل في البورصات العالمية، وهو طرح يجري الحديث عنه من جديد، في استنساخ لخلطة الفشل العجيبة ذاتها، وكأن لا أحد يقرأ ولا أحد يتعلم.

سيفشل طرح أرامكو في البورصات العالمية، كما فشل منذ 4 سنوات، بسبب واحد وواضح وهو أن أي مستثمر أجنبي لن يجازف باستثمار أمواله في شركة تفتقد الشفافية وتنعدم لديها مقومات الإدارة الرشيدة، مهما بلغت توزيعات الأرباح المذهلة التي تقدمها لفتح شهية المستثمرين، التي بلغت العام الماضي 2022، نحو 160 مليار دولار، على العكس فإنها ستكون دليلًا أكبر على تصرفات مالية لا تتمتع بكفاءة الرؤية ولا بالرشد اللازمين للثقة.

المثير للأسى في قصة الصندوق السيادي السعودي أنه تمامًا مثل سياسات وتحالفات المملكة الجديدة، لا يمكنك أن تتابعها إلا بالكثير من الحيرة، ولا تستطيع تفكيكها أو فهمها بالعقل والمنطق، هل دخول الرياض إلى تجمع "البريكس" يعني الاتفاق مع دوله على أهداف القطيعة مع الدولار وبناء عالم جديد متعدد الأقطاب، أم أنه مجرد خطوة تأمين تتحسب للمستقبل، وتبقي في الوقت ذاته كل جسورها مفتوحة مع واشنطن وورقتها الخضراء والعلاقات الخاصة جدًا معها.

المفهوم في العالم كله، منذ انتظم البشر في جماعات، وحتى لحظة النهاية، أن المجتمعات تنضم في منظمات أكبر إقليمية أو دولية، بناء على علاقات هوية تفرض عليها ضرورة ولاء، تستحق أو تبرر التكلفة المدفوعة، أو تنضوي في تجمعات معبرة عن مصالح يترتب عليها التزامات، وهي أيضًا بأهدافها ومكاسبها قد تهون في سبيلها المغامرة وأثمانها الكبيرة، لكن أن تخطو كل يوم في اتجاه، فذلك أقرب لتصرفات من أراد لنفسه ووطنه أن يخترع غرقًا.