دول » الكويت

الانتخابات الكويتية: نحو تكرار مشهد 2022؟

في 2023/06/06

متابعات- 

يتجه 795 ألفاً و911 ناخباً وناخبة في الكويت، اليوم الثلاثاء، إلى صناديق الاقتراع لاختيار 50 نائباً عبر الاقتراع السري المباشر، من بين 207 مرشحين، بينهم 13 امرأة، في انتخابات مجلس الأمة (البرلمان)، والتي تُعقد للمرة الثالثة في عهد حاكم الكويت الجديد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح عقب توليه منصب الأمير في أواخر سبتمبر/ أيلول 2020.

وتأتي هذه الانتخابات بعد أزمة سياسية حادة في الكويت، وانسداد أفق العلاقة بين المعارضة في مجلس 2020 والحكومة، والتي انتهت بإعلان أمير الكويت، عبر خطاب ألقاه نيابةً عنه ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح في 22 يونيو/ حزيران 2022، عن الاستجابة إلى مطالبة نواب المعارضة بحلّ البرلمان والدعوة إلى انتخابات عامة، ثم عيّن في 24 يوليو/ تموز الماضي، نجله الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح رئيساً جديداً للحكومة.

وكان نواب المعارضة في مجلس 2020، قد بدأوا اعتصاماً مفتوحاً داخل البرلمان باسم "اعتصام بيت الأمة"، منذ 14 يونيو/ حزيران الماضي، والذي استمر 8 أيام حتى جاء خطاب أمير الكويت، وذلك للمطالبة بـ"رحيل الرئيسين"، في إشارة إلى رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم، ورئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح.

لكن الانتخابات التي أُجريت أخيراً، في 29 سبتمبر/ أيلول الماضي، والتي وُصفت بأنها انتخابات "تصحيح المسار" وبدء صفحة جديدة في العلاقة بين البرلمان والحكومة، لم يُكتب لها الاستمرار.

وقضت المحكمة الدستورية في البلاد، في 19 مارس/ آذار الماضي، بإبطال مجلس 2022، بسبب بطلان مرسوم الحلّ والدعوة إلى الانتخابات، والذي قوبل برفض قاطع من المعارضة التي أطاحت البرلمان السابق، ما دفعها إلى اتخاذ عدة خطوات تصعيدية نحو حلّه من جديد، وهو ما تحقق باستجابة أمير الكويت، وإعلانه في 17 إبريل/ نيسان الماضي، حلّ مجلس 2020 مرة أخرى، في خطاب ألقاه نيابةً عن الأمير وليّ العهد الشيخ مشعل الأحمد. ووصف خطوة الحل بـ"الانتصار للإرادة الشعبية"، مؤكداً "الثوابت والأسس التي تضمنها خطاب 22 يونيو/ حزيران 2022، فما زلنا على العهد باقين، وبالدستور متمسكين، وبالشعب معتزين، باعتباره صاحب الكلمة المسموعة في تقرير مصيره".

وعليه، تأتي الانتخابات الجديدة استكمالاً للمشهد الجديد الذي دشنه أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد، عبر خطابه خلال الصيف الماضي، والذي منح من خلاله تعهدات تاريخية، مثل عدم التدخّل في الانتخابات وفي التصويت على رئيس مجلس الأمة وبقية مناصب مكتب المجلس، وحتى عدم التصويت على اختيار اللجان البرلمانية، وهو ما أكّده عبر خطابه الجديد في إبريل الماضي.

وصدر مرسوم أميري، في 3 مايو/ أيار الماضي، بالدعوة إلى الانتخابات التشريعية، وتحديد موعد الاقتراع في 6 يونيو/ حزيران، بعدما صدر رسمياً، في 1 مايو، مرسوم حلّ مجلس 2020 من جديد.

الدوائر الانتخابية والناخبون

وتنقسم الدوائر الانتخابية في الكويت إلى خمس، تنتخب كل دائرة منها عشرة أعضاء. ويحق للناخب الإدلاء بصوت واحد فقط لمرشح واحد، وتبلغ مدة مجلس الأمة "أربع سنوات ميلادية من تاريخ أول اجتماع له، ويجري التجديد خلال الستين يوماً السابقة على نهاية تلك المدة"، وفق القانون الكويتي.

وتبلغ قائمة المرشحين النهائية 207، موزعة على الدوائر الانتخابية الخمس: 34 مرشحاً بينهم امرأتان في الدائرة الأولى، و45 مرشحاً بينهم 3 نساء في الدائرة الثانية، و34 مرشحاً بينهم 3 نساء في الدائرة الثالثة، و47 مرشحاً بينهم 4 نساء في الدائرة الرابعة، و47 مرشحاً بينهم امرأة واحدة في الدائرة الخامسة.

ويبلغ عدد الناخبين 100 ألف و158 ناخباً وناخبة في الدائرة الأولى، و90 ألفاً و478 ناخباً وناخبة في الدائرة الثانية، و138 ألفاً و364 ناخباً وناخبة في الدائرة الثالثة، و208 آلاف و971 ناخباً وناخبة في الدائرة الرابعة، و257 ألفاً و913 ناخباً وناخبة في الدائرة الخامسة.

وتستمر عملية الاقتراع اليوم لمدة 12 ساعة متواصلة، بدءاً من الساعة 8 صباحاً وحتى 8 مساء، ويُدلي الناخبون بأصواتهم في المدارس المخصصة للاقتراع، وذلك وفق مكان السكن، والتي بلغ عددها، بحسب وزارة الداخلية، "118 مدرسة كمراكز للاقتراع لتصويت الناخبين". كما بلغ عدد اللجان الأصلية والفرعية في الدوائر الانتخابية الخمس 759 لجنة، واعُتمدت خمس مدارس كلجان رئيسية في الدوائر الانتخابية لإعلان النتائج النهائية في الانتخابات.

ويبدأ فرز الأصوات بعد إغلاق الصناديق مباشرةً، وتُعلن نتائج كل دائرة على حدة من قِبل القاضي المشرف عليها، وبحضور مندوبين عن المرشحين ووسائل الإعلام ومراقبين محليين ودوليين للانتخابات.

وُيباشر تلفزيون دولة الكويت الرسمي نقل النتائج الأولية مع بدء الفرز، ويتفاوت موعد إعلان النتائج النهائية بين دائرة وأخرى، بحسب إجمالي أعداد المقترعين، أو في حال إعادة فرز صندوق أو أكثر لاعتراض أحد مندوبي المرشحين، والذي يستمر بالمجمل حتى ساعات متأخرة من الليل، وأحياناً حتى صباح اليوم التالي.

عودة وجوه سابقة

ويخوض هذه الانتخابات رئيس مجلس الأمة 2022 المُبطل، وعرّاب العمل البرلماني منذ سبعينيات القرن الماضي أحمد السعدون، عن الدائرة الثالثة، بعدما عاد إلى المشاركة في الانتخابات الأخيرة، عقب غياب دام عشرة أعوام لتزعمه معسكر المعارضة المقاطع للانتخابات وفق نظام الصوت الواحد. واكتسح السعدون الانتخابات الأخيرة بحصوله على المركز الأول برقم قياسي غير مسبوق بـ12239 صوتاً، وهو الرقم الأكبر منذ تطبيق النظام الانتخابي الجديد عام 2012.

وترجم رقم السعدون في الانتخابات ما يحظى به من قبول واسع لدى الشارع الكويتي، ما مكّنه من تولّي سدة رئاسة البرلمان المُبطل بالتزكية بعد ترشحه وحيداً إلى المنصب، وبدعم من مختلف مكونات المعارضة باعتباره قادراً بخبرته البرلمانية وتاريخه السياسي الطويل على احتواء أعضائها وتوحيد صفوفها، وذلك بعد خصومتها الطويلة مع رئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم بسبب أدائه في إدارة الجلسات واتهامه بمحاباة الحكومة. ومن الوارد جداً أن يُعاد سيناريو التزكية له في المجلس المقبل بسبب الإجماع الذي ما زال قائماً على السعدون.

في المقابل، يخوض مرزوق الغانم الانتخابات عن الدائرة الثانية، عائداً بقوة إلى المشهد السياسي بعدما اتخذ "قراراً مرحلياً" بعدم الترشح في الدورة الماضية، بعدما كان قد شكّل تحالفاً مع رئيس الحكومة السابق الشيخ صباح الخالد، وكان حلّ مجلس 2020 فضّاً رسمياً له. وبعد تسجيل ترشحه في "إدارة شؤون الانتخابات"، قال الغانم لوسائل إعلام محلية، عند سؤاله بشأن رغبته في الترشح لمنصب رئيس البرلمان، إن ذلك "سابق لأوانه".

وتعدّ حظوظ الغانم في الحصول على منصب رئيس مجلس الأمة مقابل أحمد السعدون شبه منعدمة، على الرغم من أنه يجيد المناورة السياسية. لكن من الواضح أن مشروع الغانم الذي رمى بثقله في هذه الانتخابات بعيد عن فكرة الرئاسة، ومن المتوقع أن يُشكّل كتلة معارضة في البرلمان من عشرة أعضاء على الأقل، تمكنه من طرح الثقة بأي وزير، وتقديم طلب عقد جلسة خاصة أو تقديم طلب إدراج مقترح بصفة مستعجلة على جداول أعمال الجلسات.

ومن المرجح أن تضم هذه الكتلة أستاذ القانون عبيد الوسمي، الذي قاد ما عُرف بـ"الحوار الوطني" في مجلس 2020 المنحلّ، والذي يعتبر أن زملاءه السابقون في المعارضة أفشلوا مشروعه من أجل تحقيق مكاسب سياسية في جلسات الحوار.

وتنطلق الانتخابات من تغيير بواقع 6 في المائة فقط، إذ تقدّم 47 عضواً من مجلس 2022 إلى السباق الانتخابي، فيما لم يعزف سوى 3 أعضاء عن الترشح، وهم خليل أبل وعمّار العجمي في الدائرة الثالثة، ويوسف البذالي في الدائرة الرابعة.

كما يخوض الانتخابات 14 عضواً من مجلس 2020 المنحلّ مرتين، ممن لم يحالفهم الفوز في الانتخابات الأخيرة أو ممن فضّلوا عدم خوضها، بالإضافة إلى ترشح 11 عضواً من مجالس سابقة، ما يعني احتدام المنافسة بين هذا العدد الكبير من ذوي الخبرات في العملية الانتخابية، سواء من الذين سبق لهم الحصول على مقعد برلماني، أو حتى من المرشحين الذين لم يحالفهم الفوز من قبل، ولكنهم حصلوا على مراكز متقدمة بالانتخابات أكثر من مرة.

تغييرات محدودة

ومن المتوقع أن تشهد نتائج الانتخابات، بحسب مراقبين، تغييرات محدودة عن المجلس المُبطل، لن تتجاوز في أفضل حالاتها 30 في المائة، كما يتوقعون تراجع نسبة المشاركة في الانتخابات بالمقارنة مع الانتخابات الأخيرة، التي بلغت بحسب التقديرات غير الرسمية نحو 70 في المائة.

وتوقع الخبير في شؤون الانتخابات، مدير عام "أنظمة صلاح الجاسم لاستطلاعات الرأي" صلاح الجاسم، أن تبلغ نسبة التغيير في مجلس الأمة "بحدود 30 في المائة". وقال في حديث مع "العربي الجديد": "نسبة التغيير المتوقعة بصورة عامة مقعدين عن كل دائرة، باستثناء الدائرة الرابعة حيث يتوقع أن تبلغ نسبة التغيير أكثر".

ولفت الجاسم إلى أن "ضعف عدد المرشحين يرفع نسبة عتبة النجاح في الانتخابات". وبشأن حظوظ المرأة في الانتخابات، عقب عودتها إلى البرلمان في المجلس المُبطل بحصولها على مقعدين، لكل من عالية الخالد في الدائرة الثانية، والوزيرة السابقة جنان بوشهري في الدائرة الثالثة، بعد غياب المرأة عن مجلس 2020، قال: "الاحتمال إما ألا تصل أو تحصل على مقعد واحد فقط".

أما عن نسبة مشاركة المواطنين في الانتخابات، فقال الجاسم إن "الكل حائر في هذه المسألة، لكن المؤكد أنها أقل من الانتخابات السابقة لثلاثة أسباب، الأول أنها فترة سفر، والثانية طقس الكويت الحارّ هذه الأيام، الثالث والأساسي ملل الناس من المشهد السياسي والانتخابات المتكررة".

من جهته، قال الخبير في شؤون الانتخابات جابر باقر، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "كلما زاد الحضور في الانتخابات أصبحت أفضل، وعبّرت عن الممارسة الصحيحة للديمقراطية"، لكنه أعرب عن أسفه "لوجود فتور عام في الشارع الكويتي، وعدم اهتمام من قِبل الناخب للمشاركة بالانتخابات".

وأضاف: "ألمس من خلال زياراتي إلى الدواوين (ملاحق متصلة بالبيوت يتجمّع فيها الرجال) امتعاض الناس من المجلس السابق والذي قبله، ومن ذهابهم إلى التصويت كل ستة أشهر في مقابل جمود حال البلد، وعدم وجود إنجازات أو تشريعات أو حتى عقد للجلسات". وتابع: "هذا كله يؤثر على الأجواء الانتخابية للأسف، وأتوقع أن تكون نسبة الحضور ضعيفة، ولا تتجاوز 50 في المائة في بعض الدوائر".

وعن توقعاته لنتائج الانتخابات، قال باقر: "أعتقد أن المجلس الجديد لن يكون مغايراً، بل مثل مجلس 2022، كما سنشاهد مفاجآت حتى بالأرقام مثلما شهدنا بعض المرشحين الذين حصلوا على أرقام فلكية في الانتخابات الأخيرة"، وأضاف: "الأسماء الجديدة في المشهد المقبل لن تختلف عن الشكل السابق، وأظن أنه لن يخلق انسجاماً ما بين الأعضاء والحكومة خصوصاً".

ورأى باقر أن "عمر المجلس المقبل سيكون قصيراً، قد يكون بسبب رفع كتاب عدم التعاون (مع رئيس الحكومة)، كما حدث في مجلس 2020، أو إبطال المحكمة الدستورية مجلس 2022 بسبب الخطأ في مرسوم الحلّ". وشدد على أن "المجلس الجديد إن لم يكن فيه استقرار، سنذهب في هذا البُعد مرة أخرى، سواء بعدم التعاون أو أي أمر آخر".