سياسة وأمن » اتفاقيات

الأول منذ 4 عقود.. ما أهمية البروتوكول الأمني بين السعودية والعراق؟

في 2023/02/23

طه العاني - الخليج أونلاين-

تعد الهواجس الأمنية المشتركة إحدى أبرز محددات العلاقة بين العراق والسعودية، حيث يرتبط البلدان بحدود بريّة طويلة، وعلاقات جوار تاريخية.

وتصدّر الملف الأمني معظم اللقاءات والمباحثات الرفيعة بين البلدين خلال السنوات الأخيرة، حيث يحرص الجانبان على مواصلة التنسيق، خاصة بعد الهجمات الصاروخية والمسيّرة التي استهدف منشآت النفط السعودية عام 2019، والتي رجحت تقارير دولية آنذاك أنها انطلقت من العراق.

بروتوكول أمني

وفي خطوة جديدة في مجال التعاون الأمني أعلنت بغداد والرياض عن توقيع بروتوكول أمني هو الأول من نوعه منذ عقود، ليؤكد مواصلة الجهود الثنائية لبسط الاستقرار.

وأشارت وكالة الأنباء العراقية (واع)، في 19 فبراير 2023، إلى أن وزير الداخلية العراقي عبد الأمير الشمري الذي يزور المملكة، وقع مذكرة تفاهم أمني هي الأولى من نوعها منذ العام 1983 مع نظيره السعودي الأمير عبد العزيز بن سعود.

وأوضح بيان الداخلية العراقية أن البروتوكول الذي جرى توقيعه يشمل جميع أشكال التعاون الأمني وتبادل الرؤى وتفعيل العمل الأمني المشترك لما يضمن المزيد من الأمن للجانبين العراقي والسعودي.

من جانبه، صرّح وزير الداخلية العراقي أن "الزيارة ستبحث في عدد من الملفات التي تخص العمل المشترك والتنسيق والتعاون بين وزارتي الداخلية العراقية والسعودية، بهدف تطوير التعاون الأمني بين بغداد والرياض".

وبيّن الشمّري أن المباحثات تركز على تطوير العلاقات والتنسيق في مختلف المجالات بين البلدين من بينها العمل الاستخباري، ومكافحة المخدرات، وأمن الحدود الدولية، والأدلة الجنائية، والتدريب، وقضايا أخرى ذات اهتمام مشترك.

فيما أكد وزير الداخلية السعودي أن "هذه المباحثات تأتي استمراراً لتعزيز التعاون الثنائي في كل المجالات الأمنية والعمل المشترك بين وزارتي الداخلية في البلدين".

وشدد بن سعود على أن مباحثات البلدين ستسهم في تطوير العمل الأمني وتفعيله والوصول به إلى تطلعات قيادة البلدين وشعبيهما لتحقيق مزيد من الأمن والاستقرار.

تحقيق الاستقرار

ويأتي توقيع البروتوكول الأمني بعد أيام من تصريحات عراقية حول قدرة البلدين على تأسيس محور إقليمي يكون مرتكزاً للاستقرار في المنطقة والعالم، مؤكداً جديّتهما في ذلك.

وقال رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، في حوار مع صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، قبل أيام، إنه اتفق مع ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، على خريطة طريق لتطوير العلاقات الثنائية التي ستبدأ بزيارات وزارية، ثم انعقاد المجلس التنسيقي الأعلى المشترك لتنفيذ مشاريع على مدى 3 سنوات.

وأشاد السوداني بالتحسن التراكمي الذي تشهده علاقات بلاده مع السعودية منذ الحكومات السابقة، مع الحرص على إدامة هذه العلاقة والتأسيس لنظام إقليمي مستقر ويكون دعامة من دعامات الاستقرار في العالم.

واستؤنفت العلاقات بين بغداد والرياض منذ ديسمبر 2015، بعد انقطاع دام نحو 25 عاماً إثر الغزو العراقي للكويت، وشهدت السنوات الأخيرة رغبة البلدين في التوجه إلى مزيد من التقارب في المجالات كافة.

تعاون موسع

ويقول الخبير الأمني فاضل أبو رغيف، إن البروتوكول الأمني الجديد بين العراق والسعودية سيكون هذه المرة أوسع وأكثر قدرة على تنفيذ الصلاحيات، وسيكون ملفا المخدرات والإرهاب الأكثر تفاهماً وعملاً بين الجانبين.

ويشير، في حديثه مع "الخليج أونلاين"، إلى أن العراق تربطه حدود برية مع السعودية تتجاوز 800 كيلومتر، حيث سيتم ضبطها أمنياً من خلال تسيير دوريات راجلة ومفارز أمنية وأبراج وكاميرات حرارية وليزرية.

ويبيّن أبو رغيف أنه سيتم وفق الاتفاق الجديد توءمة التقنيات العراقية والسعودية بالنُظم والمعلومات لتبادل مزيد من المعلومات الأمنية والاستخباراتية.

ويعتقد أن البروتوكول سيؤدي إلى الحد بشكل كبير من أي عملية اتجار أو مرور للمخدرات على حدود البلدين، بالإضافة إلى تبادل معلومات المطلوبين في قاعدة البيانات العراقية لأي عضو من أفراد التنظيمات كالقاعدة و"النصرة" و"داعش" وغيرها.

ويضيف الخبير الأمني بأن الجانب العراقي سيحظى بمنظومة تقنيات عالية الدقة من الجانب السعودي، وسيكون التعاون مفعلاً بشكل واسع في الجوانب الأمنية والاستخباراتية والجنائية، وكذلك الجريمة المنظمة كالاتجار بالبشر وعمليات التهريب وغيرها.

أهمية البروتوكول

بدوره يرى أستاذ السياسة الاستراتيجية المساعد الدكتور قحطان الخفاجي، أن البروتوكول الأمني مهم لأسباب عديدة، حيث إنه يعد خطوة باتجاه إذكاء العامل القومي العربي، وتحجيم التفرد الإيراني بالملف الأمني العراقي، وكذلك لتحجيم دائرة التوجس الأمني المفتعل عن دور السعودية بالوضع العراقي.

ويؤكد لـ"الخليج أونلاين" أن الاتفاق سيدعم مفهوم الأمن القومي العربي، ويقنن الترتيبات الأمنية غير العربية، فيحد من الاعتمادية الأمنية على أطراف إقليمية غير عربية، ومن ثم يقلل حجم التدخل غير العربي بشؤون العراق والسعودية.

ويضيف الخفاجي أن مسارات العلاقات العراقية السعودية تتجه- من خلال البروتوكول- نحو مزيد من التعاون على الأصعدة كافة، حيث إن تبديد الهواجس الأمنية الثنائية، وبناء مدركات مشتركة، تمنح رأس المال ضمانة عملية للحركة والاستثمار، وتدفع البلدين لفتح آفاق تفاهمات مباشرة وعملية في مختلف مجالات التعاون.

اتفاقات سابقة

ورغم أن البروتوكول الأمني الذي جرى توقيعه هو الأشمل من نوعه، لكن سبق للبلدين الإعلان عن تفاهمات حول اتفاقيات أمنية متفرقة خلال السنوات الماضية.

حيث كشف تقرير للجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، في 18 أبريل 2019، عن تحديد ملامح أولية لاتفاقية حول التعاون الأمني بين الرياض وبغداد.

وشملت محاور الاتفاق تبادل المعلومات حول عناصر تنظيم "داعش"، والتنسيق الأمني على الحدود المشتركة بين البلدين، وأن تسلم بغداد العناصر الإرهابية السعودية الموجودة في السجون العراقية.

ومن أبرز ما تضمنته الاتفاقية السابقة هو الطلب الذي تقدّم به الجانب السعودي والمتعلّق بتعهد الحكومة العراقية بوقف أي نشاط عراقي لدعم الحوثيين في اليمن، حفاظاً على أجواء الحل السياسي في اليمن ومساندة التسوية هناك.

كما وافق مجلس الوزراء السعودي، في أبريل 2007، على مشروع بروتوكول تعاون أمني بين حكومات دول الجوار والحكومة العراقية في مجال مكافحة الإرهاب والتسلل والجريمة المنظمة، والموقع عليه في مدينة جدة يوم 18 سبتمبر 2006.

ومن أبرز ملامح هذا المشروع أن تعمل دول الجوار والحكومة العراقية على اتخاذ جميع التدابير اللازمة للحيلولة دون استخدام أراضيها مسرحاً لتخطيط أو تنظيم أو تنفيذ الجرائم الإرهابية أو التحريض على ارتكابها أو الترويج أو الشروع لها بأي صورة من الصور.

وتقوم دول الجوار والحكومة العراقية، بموجبها، بتطوير وتعزيز الأنظمة المتصلة بإجراءات المراقبة وتأمين الحدود والمنافذ البرية والبحرية والجوية لمنع حالات التسلل والتهريب وغيرها، لكن هذه الاتفاقية لم يتم العمل بها على أرض الواقع بسبب تزايد التوتر الخليجي العراقي خلال حكومة نوري المالكي حينها.