دعوة » مواقف

حرب السعودية على جماعة «الإخوان المسلمين»

في 2023/01/23

 محمد سيد رصاص-

في موسم الحجّ عامَ 1939 التقى مؤسس ومرشد جماعة «الإخوان المسلمين» حسن البنا مع الملك عبد العزيز آل سعود. في ذلك اللقاء، طلب البنا فتح فرع للجماعة في السعودية، فما كان من الملك سوى الرد برفض مبطن عبر القول التالي: «كلنا إخوان وكلنا مسلمون». في 17 شباط 1948 كان البنا من الداعمين للانقلاب الدموي في اليمن على الإمام يحيى آل حميد الدين، وكان هذا الانقلاب أوّل انقلاب على أسرة ملكية عربية وأوّل انقلاب يقود لقتل ملك عربي، وهو ما فتح العيون في القصور الملكية، فيما كان الملك عبد العزيز من الداعمين للأمير أحمد، ولي العهد اليمني، لأن يغزو صنعاء في 14 آذار 1948، بدعم من القبائل الزيدية في شمال صنعاء وفي منطقة صعدة، ويقتل الإمام الجديد من آل الوزير الذي نصّبه الانقلابيون. وهناك مؤشرات إلى أن قيام الملك فاروق بحظر جماعة «الإخوان المسلمين» في كانون الأول 1948، ثم اغتيال البنا بعد شهرين، كان أحد أسبابه ما فعله البنا في صنعاء، حيث اتحدت القصور الملكية العربية على الخوف من تلك الجماعة.

ولكنّ الأمور انقلبت في نهاية الخمسينيات، مع خوف الأسرة الملكية السعودية من المد الناصري الذي قاد إلى الوحدة السورية-المصرية في شباط 1958، ما دفع الرياض إلى الانفضاض بعيداً عن تحالفها الذي بدأ في الأربعينيات مع القاهرة ضد هاشميّي بغداد وعمّان. وقد لاقت الأسرة السعودية في جماعة «الإخوان المسلمين»، التي ضربها الرئيس جمال عبد الناصر في عام 1954، حليفاً، وهي الجماعة التي تقاطر كوادرها المصريون إلى المملكة هرباً من الاعتقالات. وقد رأت فيهم الأسرة السعودية ليس فقط حليفاً ضد الزعيم المصري الذي دخلت معه الرياض في مواجهة عسكرية غير مباشرة من خلال دعمها للملكيين اليمنيين بعد انقلاب 1962 الجمهوري اليمني الذي أطاح حكمَ إمامة آل حميد الدين ودعمه عبد الناصر بإرسال قوات مصرية لدعم النظام الجمهوري، وإنما أيضاً كوادر من أكاديميين ومدرّسين وأطباء ومهندسين وصحافيين لتعطيهم المجال لكي يتبوّؤوا مراكز كبرى، وخاصة في الجهاز التعليمي والأكاديمي بالسعودية. وقد استمر هذا الدور للجماعة الذي أخذته مع الرياض -التي كانت حربها «العربية الباردة» ضد القاهرة بالتوازي مع حلفها مع واشنطن التي كانت في حرب عالمية باردة مع موسكو المتحالفة مع عبد الناصر- إلى ما بعد وفاة الزعيم المصري في عام 1970، حيث كان حلف الولايات المتحدة-باكستان-السعودية ضد الغزو السوفياتي العسكري لأفغانستان في 27 كانون الأول 1979 يعتمد بشكل رئيسي على ظاهرة «الأفغان العرب»، وهم عشرات الألوف من الإسلاميين العرب الذين تقاطروا بتشجيع من الدول الثلاث المذكورة إلى أفغانستان لمقاتلة السوفيات ومعظمهم كانوا من التنظيمات الإسلامية الأصولية الإخوانية العربية، وكان دورهم يوازي بل ويفوق دور منظمات «المجاهدين الأفغان» في هزيمة السوفيات حتى انسحابهم عام 1989، هذه الهزيمة التي كانت عاملاً أساسياً في انتصار الولايات المتحدة في الحرب الباردة مع السوفيات في خريف عام 1989 وفي تفكك الاتحاد السوفياتي بعد عامين.

ما بدأ عام 1958 انتهى عام 1990 عندما وقفت جماعة «الإخوان المسلمين»، ما عدا فرعها الكويتي، وهي التي تضم ما يقارب ثمانين منظمة وهيئة وحزباً في العالم، مع صدام حسين بعد غزوه الكويت، وأدانت «التحالف الثلاثيني» الذي تزعّمته الولايات المتحدة بمشاركة السعودية ضد العراق. صحيح أن السعودية لم تبدأ آنذاك في قمع الجماعة، ولكن وقوف الرياض ضد الحكم الإسلامي الجديد في السودان بعد انقلاب 30 يونيو 1989، ثم دعم الرياض لنظامي مبارك وزين العابدين في مصر وتونس وهما في صدام وقمع للإسلاميين، كانا مؤشريْن إلى تباعدات الرياض والجماعة في عقد التسعينيات.

هذا التباعد وهذا التفارق تحوّلا إلى قطيعة علنية بعد 11 أيلول 2001، وقد ظهر أوّل مؤشر إلى هذه القطيعة في تصريح وزير الداخلية السعودي الأمير نايف بن عبد العزيز لصحيفة «السياسة» الكويتية، في 26 تشرين الثاني 2002، عندما قال: «مشكلاتنا وإفرازاتنا كلها جاءت من الإخوان المسلمين»، وعملياً منذ ذلك الوقت كان هناك توازٍ بين حرب الرياض ضد «تنظيم القاعدة» الذي بدأ عملياته داخل المملكة وقصقصة أذرع جماعة «الإخوان المسلمين» في أجهزة التعليم السعودية الماقبل أكاديمية وتلك الأكاديمية وفي الصحافة وأجهزة الإعلام، سواء أكانت أذرعاً سعودية أم من خارج المملكة.

ولكنّ واشنطن لم تكن على خط الرياض هذا، حيث كان هناك تفكير أميركي منذ عام 2005 باستخدام تلاميذ حسن البنا ضد أسامة بن لادن، ويبدو أن العراق -حيث بحث الأميركان عن التنظيم الإخواني المحلي (الحزب الإسلامي العراقي) لكسر المقاطعة السنية العربية للعملية السياسية العراقية ما بعد صدام حسين وهو ما تجسّد في دخول هذا الحزب في وزارة نوري المالكي الأولى عام 2006- كان هو الدافع الأول في هذا الاتجاه الأميركي الذي تبلور لاحقاً في تبني «النموذج الإسلامي الإردوغاني» وفي دعم واشنطن لوصول جماعة «الإخوان المسلمين» للسلطة في تونس والقاهرة وفي مشاركتهم بالسلطة في صنعاء وطرابلس الغرب في مرحلة ما بعد «الربيع العربي» عام 2011.

كما قال الأمير تركي الفيصل، في مقال كتبه في جريدة «الشرق الأوسط» عام 2015، فـ«إننا أسقطنا مرسي رغماً عن أوباما»، حيث كانت السفيرة الأميركية في القاهرة تزور وتتصور مع مرشد الجماعة الدكتور محمد بديع في المقر العام في منطقة المقطم بالقاهرة عام 2012 فيما كان السعوديون يفكرون في أن منظر اتحاد إردوغان في إسطنبول مع محمد بديع بالقاهرة يمكن أن يعيد سيناريو منظر عام 1818 عندما أتى الحاكم المصري محمد علي باشا بالأمير السعودي أسيراً من عاصمة الدولة السعودية الأولى الدرعية بعد تدميرها واقتاده أسيراً إلى السلطان العثماني في الأستانة، حيث شُنق عند شاطئ البوسفور، وكانت تُفزِع الأسرة المالكة السعودية تلك الرعاية الأميركية لتلك النزعة الإردوغانية التي جعلت إردوغان يتجول في خريف 2011 في تونس وطرابلس الغرب والقاهرة وكأنه السلطان سليم الأول الذي بعد هزيمته للمماليك في مرج دابق بالشام عام 1516 سقطت في العام التالي مصر بيديه ثم الحجاز.
لذلك أعلن رسمياً عن بدء الحرب السعودية على جماعة «الإخوان المسلمين» في المرسوم الملكي الذي أصدره الملك عبدالله في يوم 7 آذار 2014 حيث اعتبرها «جماعة إرهابية» ولم يخصص فرعاً منها بل شمل كل تنظيم الجماعة التي هي تنظيم عالمي، فيما قال المرسوم نفسه باعتبار «حزب الله داخل المملكة» كذلك ولم يشمل تنظيمات حزب الله في بقية الأنحاء الجغرافية. هنا، كان ذلك إعلاناً رسمياً عن تلك الحرب، ولكنها كانت حرباً قد بدأت عملياً في عام 2011 وكانت ميادينها مصر وليبيا واليمن وتونس، وحتى في سوريا كان هناك، ولو مع تباعد الرياض مع السلطة السورية منذ آب 2011، حرب خفية سعودية ضد النفوذ الأصولي الإسلامي الإخواني في «المجلس الوطني السوري» وفي «الائتلاف الوطني». وقد دعمت السعودية في أيار 2013 التوسعة التي جرت في «الائتلاف» وتم من خلالها دخول كتلة أحمد الجربا-ميشال كيلو إلى قوام ذلك التنظيم السوري المعارض من أجل موازاة قوة الإسلاميين المدعومين من تركيا وقطر.

الآن، ما زالت هذه الحرب السعودية على الجماعة مستمرة حتى الآن، وهي التي ترسم وتحدد دعم المملكة للسيسي في القاهرة وحفتر في بنغازي وقيس سعيد في تونس ودعم محمود عباس في رام الله ضد حركة «حماس» في غزة، وهي التي جعلت الرياض تقف داعمة لانقلاب 11 إبريل 2019 في السودان ضد عمر البشير، وهي حرب تجعل إمكانات التقارب السعودي مع تركيا متعثّرة وصعبة ما دام رجب طيب إردوغان ماسكاً للسلطة التركية.