سياسة وأمن » مؤتمرات سياسية

بعد القمّة السعودية الصينيّة..ما هي معايير جديّة التحوّلات الاستراتيجيّة

في 2022/12/14

(أحمد شوقي\ راصد الخليج)

كانت زيارة الرّئيس الصيني للمملكة السعودية لافتة من حيث التّوقيت، ومن حيث البيان المشترك، وتباينت بعدها التّحليلات بين تحليلات توقّعت تحوّلات كبرى، وأُخرى هوّنت كثيرًا من النتائج المتوقّعة.

وقبل الخوض في تباين التّحليلات واستعراض أبرزها، تجدر الملاحظة إلى بيان مجلس التّعاون الخليجي الأخير الذي استبق البيان السعودي الصيني، حرص على الإشادة بالعلاقات الامريكيّة الخليجيّة وكأنّها رسالة مسبقة بأنّ القمّة السعوديّة الصينيّة ليست موجّهة ضدّ طرف ولتخفيف أثار هذه الزيارة ووقعها على أمريكا!

وقد تناولت بعض التّحليلات أهميّة هذه الزيارة الصينيّة، حيث اهتمّت بموضوع إمكانيّة التخلّي عن الدولار في المعاملات التجاريّة وقالت بعض التّحليلات إنّ الصين تُريد شراء المزيد من النّفط من السعودية، بحسب Business Insider. ووفقًا للخبراء، فإنّ زيادة مُشتريات بكْين من النّفط العربي ستضرّ بهيمنة الدولار العالميّة.

وقد قال مدير معهد دراسات الأمن العالمي (IAGS)، غيل لوفت،  في مُقابلة مع قناة سي إن بي سي: "بدأ عمليًا هذا الاتّجاه (التخلّي عن الدولار). لا يوجد سبب يمنع دولتين تتداولان الدولار بنشاط من التحوّل إلى عُملة أُخرى".

بينما ذهبت تحليلات أُخرى لصعوبة تطبيق هذا عمليًّا، حيث قالت أنّه من المُمكن اعتبار نتائج الزيارة غير مؤكّدة نظرًا لغياب القرارات فيها بشأن قضيّتين رئيسيّتين وهما: تحويل تجارة النّفط السعودية إلى اليوان على الأقل في التّجارة الثنائيّة مع الصين، والضّمانات الأمنيّة للمملكة العربية السعودية.

وقال المحلّل الروسي نازاروف، أنّ الوفد الصيني تحدّث بالفعل عن تجارة النّفط باليوان، إلّا أنّ الأمر لم يتجاوز حدود الكلمات، حيث توجد صعوبة هنا: فبحسب نتائج شهر سبتمبر من العام الجاري، كان استيراد السّلع والمواد الخام من السعودية إلى الصين ضعف صادرات البضائع الصينيّة إلى السعوديّة، أي أنّ المملكة العربيّة السعوديّة ستتمتّع دومًا بفائض من اليوان، وهو أمر يصعب للغاية استثماره في مكان ما بشكلٍ مُربح. فتحرير أسواق الأسهم والأسواق الماليّة في الصين لم يتم بعد، والعملة الصينيّة أقلّ سيولة من العملة الأمريكيّة. ربّما يؤدّي إدخال اليوان الرّقمي للمدفوعات الدولية في المستقبل القريب إلى تسريع هذه العمليّة، لكن الصين نفسها، حتّى الآن، ليست مستعدّة تمامًا ليُصبح اليوان عُملة تجاريّة واحتياطيّة عالميّة.

ولفت نازاروف إلى قضيّة هامّة أُخرى، حيث يقول أنّ الولايات المتّحدة تستعدّ حاليًّا للحرب بنشاط، وربَّما ليس مع روسيا بقدر ما هي مع الصين، حيث يُشير الإخلاء العاجل لصناعة أشباه الموصلات من تايوان إلى الولايات المتّحدة إلى أنّه لم يتبقَّ سوى القليل من الوقت قبل الصّراع المفتوح، ويدعم هذا الافتراض أيضًا النّقص في رقائق الحواسيب الآليّة، والذي ظهر فجأةً قبل عام في جميع أنحاء العالم، يبدو أنّ الولايات المتّحدة اشترت بشكلٍ عاجلٍ هذه المكوّنات للاحتياطي الاستراتيجي.

ولن تتمكّن الرّياض من تنفيذ خُططها المشتركة مع بكّين، إلّا إذا كانت في المعسكر الصيني، وكان بإمكانها بمفردها أو بمساعدة الصين تأمين طرق التّجارة البحرية منها وإليها. ومع ذلك، فإنّ ذلك غير مرجّح في السنوات القليلة المُقبلة، وإذا بقيت السعودية في المعسكر الأمريكي، فيُمكن إهالة التّراب على معظم الاتّفاقيات الموقّعة الآن.

هنا لا بدّ وأن نتذكّر إن محادثات تبادُل النّفط باليوان قد أجريَت منذ ستّ سنوات، وإن الخبر وقتها تمّ تداوله بشكلٍ كبير وخطير باعتبارها ضربة قاصمة للدولار، ولم يدخل حيّز التّنفيذ وتوقّفت المحادثات بخصوصه، ويبدو أنّه خبر يتمّ تداوله وتوظيفه بشكلٍ سياسي عند كلّ منعطف في العلاقات مع الادارات الامريكيّة.

يُمكننا القول أنّ هناك تحوّلًا استراتيجيًا، عندما تُوجّه السعودية ضربة لنظام البترودولار ويتخلّى هيكلها الأمني عن الحماية الأمريكيّة، وما دون ذلك يبقى في إطار التّنويع للعلاقات والتّوازنات والنّكايات.