ملفات » الطريف إلى العرش

بعد خفض إنتاج النفط.. إلى أين تمضي العلاقات السعودية الأمريكية؟

في 2022/10/08

يوسف حمود - الخليج أونلاين- 

أظهرت أزمة ارتفاع أسعار النفط والغاز في ظل الحرب في أوكرانيا الدور الحيوي لموارد الطاقة السعودية، كما أعيد تسليط الضوء على الخليج العربي كنقطة قوة في صراع الدول العظمى على الهيمنة الدولية.

وعاد التوتر من جديد بين السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، حيث تجلى ذلك في رفض الرياض دعوات واشنطن لوقف خطوتها نحو خفض إنتاج النفط للسيطرة على الأسعار، فضلاً عن سعي القيادة السعودية باستمرار لتنويع شركائها الدوليين.

وترسل الرياض بين الحين والآخر عدة إشارات تدل على انزعاجها من طريقة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لملف العلاقات السعودية الأمريكية، لكن في مسألة تخفيض إنتاج النفط تقول الرياض إنها ليست الوحيدة التي أقرت ذلك، ولا يتعلق ذلك بتوجه سياسي أو الانحياز إلى موسكو، فهل يزيد ذلك من توتر العلاقات بين الجانبين؟

تصريحات وتهديدات أمريكية

بعد يومين من قرار أوبك تخفيض إنتاج النفط مليون برميل يومياً، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إن بلاده "تدرس عدداً من خيارات الرد" بخصوص علاقاتها مع السعودية، إلا أنه قال إنها لن تتخذ ما يضر بالمصالح الأمريكية.

وأضاف بلينكن في مؤتمر صحفي مع نظيره وزير خارجية بيرو (6 أكتوبر 2022): "فيما يتعلق بمستقبل العلاقات (مع الرياض) ندرس عدداً من خيارات الرد. نتشاور عن كثب بهذا الشأن مع الكونغرس".

ولم يذكر بلينكن على وجه التحديد الخطوات التي تدرسها واشنطن، حيث تأتي تصريحاته في وقتٍ تبحث إدارة الرئيس جو بايدن الرد بعد اتفاق "أوبك+"، يوم (5 أكتوبر 2022)، على خفض أكبر لإنتاج النفط، موضحاً: "واشنطن لن تفعل شيئاً يضر بمصالحها".

وتابع الوزير الأمريكي: "هذا أول وأهم ما سيوجهنا، وسنبقي تلك المصالح في أذهاننا، ونتشاور من كثب مع كافة الأطراف المعنية بينما نتخذ قراراً بخصوص أي خطوات للمضي قدماً".

وكان الديمقراطيون في الكونغرس الأمريكي طالبوا بخفض المبيعات العسكرية إلى السعودية.

فيما قال متحدث باسم الخارجية الأمريكية إن الولايات المتحدة لا تعتزم سحب قواتها في المملكة العربية السعودية والإمارات، ولا وقف صفقات الأسلحة مع الرياض.

وقبل قرار خفض إنتاج النفط كان النائب الأمريكي "رو خانا" قد دعا إلى "الانتقام"، على حد قوله، من المملكة العربية السعودية إذا خفضت "أوبك" وحلفاؤها إنتاج النفط، مضيفاً: "هذا أبعد من الشحوب (الوسطية).. إنهم يستنزفون الشعب الأمريكي بصورة نشطة ويزعزعون استقرار الاقتصاد.. هذا الأمر فظيع ببساطة.. من يظنون أنفسهم؟".

نفي سعودي

وتنفي السعودية أن تكون تتحكم في تحالف "أوبك+" هي وروسيا، حيث قال وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان آل سعود، في مقابلة مع تلفزيون "بلومبيرغ"، إن من الخطأ القول إن الرياض وموسكو تتحكمان في قرارات "أوبك+" الذي يضم 21 دولة أخرى إلى جانبهما؛ مشيراً إلى أن قرارات التحالف تتخذ بالإجماع.

وأضاف: "دعك من أن هناك دولاً أخرى في التحالف، وأن السعودية ليست هي وحدها من يقوده، لكن لو كانت هناك ثنائية تتحكم في القرار كما يتصور البعض لانسحبت بقية الدول من هذا الكيان، لكننا نتخذ قراراتنا بالإجماع؛ ونحن متمسكون بهذا الإجماع لأننا بحاجة إليه".

وفي تصريح من فيينا لقناة "الإخبارية" السعودية قال الأمير عبد العزيز إن قرارات "أوبك+" تتخذ بناء على مصالح الدول الأعضاء الفردية والجماعية، وإن السعودية معنية بالحفاظ على الثقة التي أولتها لها دول التحالف بالمقام الأول.

وأضاف: "كل تصرفات التحالف تراعي مصالح الأعضاء ومصالح العالم؛ لأننا نريد توفير الطاقة العالمية بطريقة مثلى".

أحدث صورة للأزمة

يرى المحلل السياسي محمود علوش أن قرار "أوبك+" الجديد "هو أحدث صورة للأزمة الكبيرة التي تشهدها العلاقات الأمريكية السعودية".

ويشير إلى أن لدى السعودية والإمارات "الكثير من الأسباب المقنعة التي دفعتهما إلى خفض إنتاج النفط بعيداً عن الموقف من الصراع الروسي الغربي"، لكن في المقابل فإنه يرى أن خفض الإنتاج "يشير إلى أن انفتاح إدارة الرئيس بادين على السعودية لم ينجح في دفع الرياض وأبوظبي إلى فك شراكتهما النفطية مع موسكو".

ويعتقد "علوش" في حديثه لـ"الخليج أونلاين" أن التحالف الذي دام عقوداً بين واشنطن والرياض "بات أكثر ضعفاً لصالح الشراكة مع روسيا"، مرجعاً السبب إلى "أن السعودية لم تعد مستعدة لرهن سياساتها النفطية بالشراكة السياسية والأمنية مع واشنطن، بينما تعمل الأخيرة على تخفيف ارتباطها مع منطقة الشرق الأوسط".

ويضيف: "لا تتردد الرياض في أن تكون حازمة في سياستها النفطية لأنها تولي أهمية لدعم سوق النفط بغض النظر عن المصالح الأمريكية".

ويلفت إلى أن "عودة التدهور في العلاقات الأمريكية السعودية يأتي في وقت فشلت فيه الجهود الأمريكية في تمديد الهدنة بين التحالف العربي والحوثيين في اليمن، ويُشير إلى أن هذا التدهور ستكون له آثار جانبية حادة على المصالح الأمريكية في المنطقة".

ويؤكد أن خطوة "أوبك+" "هي رسالة مباشرة لواشنطن بأن الحلفاء الرئيسيين في الخليج يختارون روسيا والصين على أمريكا في الأزمات العالمية، وسيؤدي التعاون النفطي المتزايد بين الرياض وموسكو إلى زيادة تكاليف النفط -في وقت تحاول فيه الولايات المتحدة تقليص عائدات موسكو– وتعثر النظام الاقتصادي العالمي".

وخلص إلى أن "الأسئلة حول مزايا مساعدة واشنطن الطويلة الأمد للرياض ستظهر بسرعة مرة أخرى".

خطوة سعودية سابقة

لعل المطالبات العديدة التي تقدمت بها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى السعودية لزيادة إنتاجها من النفط لمواجهة ارتفاع الأسعار، قد ذهبت لإعلان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، رفع السعة الإنتاجية لبلاده من النفط إلى 13 مليون برميل يومياً، دون التراجع عما تم التوافق عليه خلال اجتماع "أوبك +"، في يونيو الماضي.

وحقق ولي العهد السعودي من خلال إعلانه، في يوليو الماضي، رفع السعة الإنتاجية للنفط أبرز المطالب التي جاء من أجلها الرئيس الأمريكي للمنطقة، وهو زيادة إنتاج النفط، والمساهمة في خفض أسعار الوقود بالولايات المتحدة، إلا أن ذلك لم يكون فورياً على ما يبدو.

وتطالب الولايات المتحدة ودول أوروبية المملكة، أكبر الدول المنتجة للنفط، بزيادة إنتاج الخام لخفض الأسعار وتعويض النفط الروسي بعد العقوبات التي فرضت على موسكو من جراء غزوها لأوكرانيا، لكن الخطوة الأخيرة التي اتخذتها منظمة "أوبك+" جاءت عكس تلك المطالبات، خصوصاً مع دخول فصل الشتاء حيث يزداد الطلب على منتجات النفط.

ووفق تقرير نشرته وكالة الأنباء الفرنسية، فإنه يمكن أن يؤدي قرار "أوبك+" الأخير إلى زيادة أسعار النفط الخام، ما سيفاقم التضخم الذي وصل إلى مستويات قياسية منذ عقود في العديد من البلدان، ويساهم في تباطؤ الاقتصاد العالمي.