اقتصاد » دراسات

بعد 5 أعوام.. نظرة على واقع الخصخصة في السعودية

في 2022/08/25

متابعات-

عملت السعودية خلال السنوت الخمس الأخيرة على تسريع العمل في برنامج الخصخصة ضمن مساعيها للإصلاح الاقتصادي وإعادة توزيع أدوار القطاعين الخاص والعام في التنمية الاقتصادية.

وبدأت السعودية في 20 أغسطس 2017 بتشكيل لجان إشرافية للعمل على خصخصة عشرة قطاعات، وذلك في محاولة لمواجهة تراجع أسعار النفط آنذاك.

وشملت القطاعات المستهدفة: البيئة والمياه والزراعة، والنقل، والطاقة والصناعة، والثروة المعدنية، والتنمية الاجتماعية، والإسكان، والتعليم، والصحة، والبلديات، والحج والعمرة، والاتصالات وتقنية المعلومات.

وتعتمد المملكة في خططها الرامية إلى تنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط، على برنامجين أساسيين هما "صندوق الاستثمارات العامة" و"الخصخصة".

برنامج التخصيص

وبعد أقل من عام على إطلاق الخصخصة أقرت المملكة عام 2018 برنامج التخصيص بهدف تحديد الأصول والخدمات الحكومية القابلة للخصخصة في عدد من القطاعات، وتطوير منظومة وآليات التخصيص، وتحديد أطر الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتعزيز جودة وكفاءة الخدمات العامة، ودعم المساهمة في التنمية الاقتصادية.

وبحسب الموقع الرسمي للبرنامج فقد نجح خلال المرحلة السابقة في وضع الأطر العامة لمنظومة التخصيص من خلال إصدار نظام التخصيص وإنشاء المركز الوطني للتخصيص الذي يهدف إلى تنظيم الإجراءات المُتعلقة بمشاريع هذه المنظومة وتعزيز مشاركة القطاع الخاص وفق إجراءات تنظيمية بشكل شفاف وعادل.

كما سيتم وفق ذلك التأكد من نزاهة الإجراءات المرتبطة بالعقود لتوفير بيئة تنظيمية واستثمارية جاذبة ومُحفزة للقطاع الخاص من أجل الاستثمار على المدى القصير والطويل، كما أسهم البرنامج أيضاً في تفعيل اللجان الإشرافية للقطاعات.

ويركز البرنامج جهوده في المرحلة القادمة على البناء على هذه الممكنات وتكثيف العمل على تعزيز دور القطاع الخاص في تقديم الخدمات وتعظيم القيمة المستفادة من الأصول الحكومية، ورفع كفاءة الإنفاق، حيث سيستمر البرنامج في تطوير استراتيجيات تخصيص قطاعية، تشمل النقل والصحة والتعليم وغيرها، مما سيمكن من إعادة تركيز الجهود الحكومية على الأدوار التشريعية والتنظيمية.

خصخصة المطاحن

وكان قطاع مطاحن إنتاج الدقيق من أوائل القطاعات التي جرى تخصيصها بالكامل، حيث استكملت المرحلة الأولى من تخصيص قطاع مطاحن إنتاج الدقيق في ديسمبر 2020، وانتقلت ملكية شركة المطاحن الأولى لشركة الرحى الصافي الغذائية وفقاً للعرض المالي الفائز لهذه الشركة والذي بلغ نحو 450 مليون دولار.

وبموجب ذلك انتقلت ملكية شركة المطاحن الثالثة لشركة مدى والغرير المحدودة وفقاً للعرض المالي الفائز بقيمة بلغت حوالي 200 مليون دولار، وبهذا بلغت قيمة العروض الفائزة لشركات المطاحن الأربع 5.77 مليارات ريال سعودي (1.5 مليار دولار).

ونشرت صحيفة مكة السعودية، في 21 أبريل 2021، إعلان المركز الوطني للتخصيص والمؤسسة العامة للحبوب عن اكتمال المرحلة الثانية والأخيرة من عملية تخصيص قطاع مطاحن إنتاج الدقيق.

وشملت عملية طرح كامل الحصص في شركتين من شركات المطاحن الأربعة (شركة المطاحن الثانية وشركة المطاحن الرابعة) لمستثمرين استراتيجيين من القطاع الخاص. وقد قام المستثمرون المؤهلون بإجراء الدارسات المهنية اللازمة خلال الفترة السابقة والتي انتهت بتقديمهم للعروض المالية بتاريخ 19 أبريل 2021.

أهداف ومنجزات

وتسعى المملكة من خلال التخصيص إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية، أبرزها تحرير الأصول المملوكة للدولة أمام القطاع الخاص، وتخصيص خدمات حكومية محددة.

ويؤكد المسؤولون عن برنامج التخصيص أن أبرز المستهدفات بنهاية عام 2025، هي أن تصل قيمة الإيرادات الحكومة غير النفطية إلى 143 مليار ريال (38 مليار دولار)، ويكون إجمالي قيمة الاستثمارات من عمليات الشراكة بين القطاعين العام والخاص 62 مليار ريال (16.5 مليار دولار)، وأن يصبح إجمالي القيمة المالية لكفاءة الإنفاق الحكومي من خلال عمليات الشراكة، 14 مليار ريال (3.7 مليارات دولار)، وفق بيانات الموقع الرسمي للبرنامج.

ومن أبرز إنجازات برنامج التخصيص حتى الآن، هو اكتمال تخصيص قطاع مطاحن الدقيق التي شملت طرح كامل الحصص لشركات المطاحن الأربع وتحويلها للقطاع الخاص.

كما تم توقيع اتفاقية مشروع الجبيل - 3 لإنتاج المياه المستقل، بالإضافة إلى التوقيع على اتفاقية مشروع ينبع - 4 لإنتاج المياه المستقل مع التحالفين الفائزين.

وأنجز البرنامج توقيع العقد والإغلاق المالي للمجموعة الأولى لمبادرة جذب الاستثمارات الخاصة لتمويل إنشاء المباني التعليمية، وطرح منافسة المجموعة الثانية.

النظام الجديد

ومنذ انطلاق برنامج الخصخصة تواصل السعودية تحديث أنظمتها الاقتصادية من أجل تحقيق أكبر استفادة ممكنة، وأقر مجلس الوزراء برئاسة الملك سلمان، في مارس 2021، نظام التخصيص الجديد والذي يتكون من 45 مادة، ويستهدف 16 قطاعاً حكومياً بالمملكة.

ويفسّر النظام الجديد الخصخصة على أنها "الشراكة بين القطاعين العام والخاص أو نقل ملكية الأصول"، موضحاً تلك الشراكة بأنها "ترتيب تعاقدي مرتبط بالبنية التحتية أو الخدمة العامة ينتج عنه علاقة بين الحكومة والطرف الخاص".

ويشترط بأن "تكون مدته خمس سنوات فأكثر، وأن يؤدي الطرف الخاص بموجبه أعمالاً تشمل اثنين أو أكثر من تصميم الأصول أو تشييدها أو إداراتها أو تشغيلها أو صيانتها أو تمويلها، سواء أكانت الأصول مملوكة للحكومة أم للطرف الخاص أم كليهما".

وأشار النظام إلى أنه يتم طرح مشروع التخصيص من خلال منافسة عامة، ويمكن طرحه عن طريق منافسة محدودة، أو بالتعاقد المباشر، أو غير ذلك من وسائل الطرح المناسبة بحسب طبيعة المشروع.

ويرى الباحث الاقتصادي الخليجي عبد الرحيم الهور أن "الخصخصة تعتبر من إفرازات عصر الاقتصاد الحديث، خاصة بعد تطور مفهوم الاقتصاد العام المعاصر من الجانب التنفيذي إلى دور المشرع والمراقب، بما يضمن أفضل كفاءة تشغيل وأوسع فائدة على كافة الأطراف؛ من مشغل ومستهلك وعناصر إنتاج".

ويبين، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن "المملكة العربية السعودية قد اتخذت خيار الانتقال النوعي إلى الخصخصة تحت رؤية الدولة الشمولية المستقبلية، ولا شك أن التوجه إلى خيار الخصخصة واجه مجموعة من المعوقات في البداية وهذه طبيعة التغيير".

ويضيف أنه "عند الوقوف اليوم على إنجازات الاقتصاد السعودي في هذا المجال، والأثر الذي تركه على نمو الاقتصاد ومؤشراته من الناتج المحلي والاستثمار الأجنبي وتطور القطاع الصناعي وتنويع مصادر الدخل، نجد أن المستقبل يتجه نحو الإنجاز الإيجابي على الرغم من المعوقات في الاقتصاد الدولي في هذه الفترة".

ويصف مراقبون مشروع الخصخصة بأنه حيوي ويفيد في زيادة الناتج القومي، وتحريك الاقتصاد، وتوفير فرص عمل كبيرة، ويؤسس لشراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص.

واعتبر الدكتور عبد الله بن أحمد المغلوث، عضو الجمعية السعودية للاقتصاد، أن نظام التخصيص الجديد يدعم جهود منظومة التخصيص في تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030، وتقديم الحلول المبتكرة للاقتصاد المحلي وموازنة الدولة، والقدرة على التحول في جذب الاستثمارات المحلية والدولية. 

وأضاف، في حديثه لوكالة "سبوتنيك" الروسية، أن "نظام التخصيص يهدف إلى خلق بيئة تسمح برفع حجم ومستوى الخدمات المقدمة للمواطن والمقيم، ووضع المرونة اللازمة في البيئة التنظيمية والاستثمارية لمشاريع التخصيص بالمملكة، وبما يدعم ويعزز تنفيذ تلك المشاريع ضمن بيئة تنظيمية واستثمارية جاذبة ومحفزة على الاستثمار على المديين القصير والبعيد".