علاقات » ايراني

أكدتها عدة مصادر.. لماذا تحتضن قطر مفاوضات إحياء النووي الإيراني؟

في 2022/06/28

كامل جميل - الخليج أونلاين-

تعود قطر من جديد لتبرز في حلّ الصراعات والنزاعات والخلافات الدولية، بصفة طرف محايد يوفر أرضية صالحة للنقاش؛ هذه المرة من بوابة استئناف المفاوضات الرامية لإحياء الاتفاق النووي الإيراني المبرم عام 2015.

وقال مصدر مطلع في وزارة الخارجية لوكالة الأنباء الإيرانية (إرنا)، الاثنين (27 يونيو 2022)، إن "المحادثات ستجرى غداً في الدوحة بحضور فريق بلادنا المفاوض من أجل رفع العقوبات".

وبحسب ما ذكرت وكالة "رويترز"، الاثنين (27 يونيو 2022)، نقلاً عن مستشار لفريق التفاوض النووي الإيراني، فإن دولة قطر ستستضيف محادثات غير مباشرة بين طهران وواشنطن بهدف إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015.

ما ذكره مستشار فريق التفاوض النووي الإيراني جاء بعد يوم واحد من تصريح لمسؤول إيراني قال فيه: "من المحتمل استئناف مفاوضات إحياء الاتفاق النووي في إحدى الدول الخليجية بدلاً من فيينا"، مشيراً الى أن "لدى قطر الحظ الأكبر وكل الإمكانات لاحتضان استئناف المفاوضات بشأن إحياء الاتفاق النووي".

المسؤول الإيراني الذي صرح لقناة "الجزيرة" دون أن تكشف عن هويته، لفت إلى "أننا نسعى لتحقيق اتفاق محكم وقوي، وهذا يتطلب اعتراف واشنطن بمصالحنا القومية"، موضحاً أن "المحادثات مع وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، كانت صريحة ومعمقة وتفصيلية وتمتعت بمسؤولية عالية".

تصريحات مبشرة

إيران والاتحاد الأوروبي اتفقا، يوم السبت (25 يونيو 2022)، على استئناف المفاوضات، وذلك خلال مؤتمر صحفي مشترك جمع وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان ومسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، في العاصمة الإيرانية طهران.

قال عبد اللهيان: إن طهران "مستعدة" لاستئناف المباحثات النووية، مشيراً إلى أن أبرز ما يهم بلاده هو "الاستفادة الكاملة من المزايا الاقتصادية لاتفاق 2015".

من جهته، أعرب بوريل عن تفاؤله بمستقبل المفاوضات، لافتاً إلى أنه عقد اجتماعاً "إيجابياً" مع الوزير الإيراني.

وقال بوريل إن الجولة القادمة من المفاوضات النووية لن تعقد في فيينا لأنها لن تكون في إطار (مجموعة 1+4) المنخرطة في الاتفاق النووي، مبيناً أن المفاوضات ستكون بين طهران وواشنطن وقد تعقد في دولة خليجية.

تحركات قطر

قطر بدورها لم تقف بعيداً عن الملف النووي الإيراني، وسعت بجد للتواصل مع الأطراف المعنية لتجنيب المنطقة والعالم خطراً كبيراً لطالما توقع مراقبون أن يكون حرباً مدمرة.

ولطالما حمل وزير خارجية قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، هذا الملف ضمن أجنداته خلال زيارات أجراها لطهران وواشنطن؛ سعياً من الدوحة للوصول إلى توافق ينهي هذه القضية الشائكة.

أحدث ما أعلن عنه وزير الخارجية القطري كان في 7 يونيو الجاري، حيث قال عقب لقائه بوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، إنه يعمل على "التحدث مع إيران والولايات المتحدة من أجل أرضية مشتركة للعودة لمفاوضات فيينا".

أيضاً، مساعي قطر للتوصل إلى حل حول الملف النووي الإيراني، كانت حاضرة خلال زيارة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى طهران في مايو الماضي.

ففي مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس إبراهيم رئيسي، قال أمير دولة قطر إنه بحث مع الرئيس الإيراني عدداً من القضايا الإقليمية والدولية، ومن بينها الأوضاع في سوريا واليمن والعراق وفلسطين، إضافة إلى تطورات مفاوضات فيينا النووية.

وأكد الشيخ تميم أن بلاده تدفع باتجاه التوصل إلى اتفاق عادل فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي.

وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام الإيرانية أو القطرية لم تكشف عن المزيد من التفاصيل حول ما جرى بحثه، فإن وكالة "رويترز" نقلت عن مصدر مطلع قبل زيارة الشيخ تميم بن حمد، أن زيارة أمير قطر، التي شملت حينها إيران ودولاً أوروبية أخرى، يناقش فيها جهود إحياء الاتفاق النووي الإيراني المبرم عام 2015، وأمن الطاقة في أوروبا.

قطار الوساطات القطرية

أثبتت قطر في مرات عديدة تميزها في قيادة وساطات لحلّ أزمات وخلافات دولية، وزاد نجمها بزوغاً خلال استضافتها عدداً من جولات المحادثات بين الولايات المتحدة وحركة طالبان انتهت بانسحاب القوات الأمريكية وقوات التحالف من أفغانستان.

فعلى أثر مفاوضات طويلة برعاية الدوحة وقعت الولايات المتحدة وحركة طالبان اتفاقاً تاريخياً للسلام، في شهر فبراير 2020.

ونجحت الدوحة في إجلاء أكثر من 75 ألفاً من جنسيات مختلفة من أفغانستان، وتأمين عبورهم من خلال الدوحة إلى محطاتهم الأخيرة، ما كان له أكبر الأثر عالمياً، وهو ما تؤكده إشادات كبار قيادات العالم في الولايات المتحدة وأوروبا وغيرها.

ويرى الكاتب والباحث السياسي مسار عبد المحسن راضي، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن "الدوحة تُمثِّلُ عالماً من البدائل الاستراتيجية استطاع العالم أن يرى جزءاً صغيراً منها، عبر الثقب الأفغاني".

من جانب آخر يرى مسار عبد المحسن راضي أن لقطر بعد نظر في استضافتها هذه المفاوضات، مستشهداً بما قاله سفير الدوحة في واشنطن، في ما يخصُّ القضية الفلسطينية التي وصفها بأنها مُعقَّدَة، لارتباطِها بمصالح الأنظمة في المنطقة.

يقول راضي إن ذلك "شفَّ عن بصيرة قطر الدبلوماسية والتي هي 360 درجة، وغير معنية بالعوم في الخيالات الإيديولوجيّة".

من جانب آخر يرى راضي أن "طهران تريد أن تحاور واشنطن عبر الدوحة، علماً أن الأخيرة هي شريك استراتيجي للثانية من خارج حلف الناتو. أيضاً هي تريد عبر الدوحة أن ترسل رسالة للرياض: لدينا بدائل. إذ لا يُمكِنُنا أن نتغاضى عن تزامن قمة الرياض والإعلان الإيراني"، حيث مقرر انعقاد قمة في السعودية يحضرها قادة الخليج والعراق والأردن ومصر بالإضافة إلى الرئيس الأمريكي.

دبلوماسية إيران

لا يمكن إغفال دبلوماسية إيران التي أثبتت أنها ناجحة إلى حدّ بعيد، وهو ما يؤكده حديث مسار عبد المحسن راضي، إذ يرى أن "طهران تريد أن تحقق هدفين من نقلة فيينا - الدوحة".

أول الهدفين هو "تقديم طهران نفسها عربياً وعن طريق دبلوماسية ناجحة ومُجرَّبة، لا تبحث عن صفقة شاملة تُقحم ملفات معقَّدة كنفوذ إيران المليشاوي في بعض الدول العربية؛ بل دبلوماسيّة تتعهد بتوفير أدوات حِوار تنجح في خفض سقف التصعيد وليست قابلة للمُضاربة في الميديا".

أما الهدف الثاني، بحسب راضي، فهو "اعتراف طهران بأن صفقة فيينا النووية هي فنيّة تقنية، أمّا البنود العملية الضامنة لهذه الصفقة فهي في المشرق والخليج العربيين، بأن تكون دولة فاعلة لا مهيمنة إقليمياً بريش تصدير الثورة ومخالب الحرس الثوري".

امتنان أمريكي

المساعي التي تتبناها الدوحة من أجل إيجاد مخرج لمضيق "الملف النووي الإيراني" يؤكد أهميتها الثناء الذي وجهته وزارة الخارجية الأمريكية لقطر في 17 مايو الماضي، إذ قالت إن دولة قطر تؤدي دوراً بنّاءً في المفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة وإيران، ومن ذلك جهود الإفراج عن محتجزين أمريكيين في طهران، ومفاوضات فيينا النووية.

وأضافت الخارجية الأمريكية أن هناك العديد من الأطراف المشاركة في المفاوضات الجارية مع إيران، مؤكدة أن جميع هذه الأطراف تشهد على حسن نية واشنطن.

وأعربت الوزارة عن امتنان الولايات المتحدة للدور الذي أدته الدوحة لحل عدد من القضايا الصعبة بين الولايات المتحدة وإيران.

يقول الكاتب والباحث السياسي، مسار عبد المحسن راضي: إن "نجاح فيينا - الدوحة لن يعني بتاتاً قبول الدول العربية لإيران كقدرٍ أمريكي - أوروبي، بل بداية مشوار حقيقي وحذر من العواصم العربية تجاه طهران، وبنسبة خطوتين إيرانية ونصف قدم عربية".

ووفق قوله فإن "الفائدة الوحيدة هي أن بعض دول الشرق الأوسط، ستعود إلى حجمها الجيوستراتيجي الطبيعي ليحط منطادها أخيراً على الأرض الواقعية"، مضيفاً أن "على الدوحة أن تعي أنَّ الإعلان الإيراني هو ربما مُجرد مماحكة للقارة العجوز، وشتاء مؤقت لتبريد سخونة الجبهات المتعددة التي تعمل فيها بثورية 1979".