اقتصاد » علاقات واستثمارات

ما دلالات رغبة موسكو توقيع اتفاقية "تكامل اقتصادي" مع الإمارات؟

في 2022/05/31

طه العاني - الخليج أونلاين-

كشفت روسيا عن رغبتها في توقيع اتفاقية تكامل اقتصادي مع دولة الإمارات، بهدف تعزيز الاستثمار والتبادل التجاري بين البلدين، وذلك ضمن الخطط الروسية لمواجهة العقوبات الاقتصادية الغربية على موسكو، حيث انتهجت الإمارات موقف الحياد حيال الأزمة الأوكرانية.

وحول ذلك قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، (27 مايو 2022)، إن موسكو تدرس توقيع اتفاقية تكامل اقتصادي مع دولة الإمارات، إضافة إلى توقيع اتفاقية للتجارة الحرة مع مصر وإندونيسيا، كما أنها تعمل على اتفاقية للتجارة الحرة مع إيران.

ونقل موقع قناة "روسيا اليوم" الرسمية عن بوتين قوله في كلمة له خلال اجتماع للمجلس الأعلى الاقتصادي الأوراسي، إن الحكومة الروسية تعمل على سد حاجة المواطنين الروس من المواد الغذائية، التي تراجعت بسبب العقوبات.

وكان الرئيس الروسي قال، في وقت سابق، إن العقوبات المفروضة على بلاده، أضرت بالدول الغربية أكثر من روسيا التي شدد على أنها تتحلى بالمرونة في وجه "التحديات الخارجية".

وتأتي تصريحات الرئيس الروسي بعدما فرضت الولايات المتحدة ودول غربية عقوبات غير مسبوقة على روسيا، رداً على الغزو الروسي لأوكرانيا والذي يتواصل منذ 24 فبراير الماضي.

أكبر شريك تجاري

تعد الإمارات أكبر شريك تجاري خليجي لروسيا، وتستأثر بنسبة 55% من إجمالي التجارة الروسية الخليجية، وفق موقع "بوابة العين" الإماراتية.

ويشير الموقع، في تقرير نشره في 27 مايو 2022، إلى أن الإمارات تصنف ضمن أهم الدول العربية في التجارة الروسية حيث تأتي في المرتبة الثانية، كما تحتضن أسواق الإمارات أكثر من 4000 شركة روسية.

وبلغت قيمة التبادل التجاري غير النفطي بين الإمارات وروسيا الاتحادية خلال النصف الأول من عام 2021 نحو مليارَي دولار (7.34 مليارات درهم)، محققة نمواً بنسبة تتجاوز 80% مقارنة مع النصف الأول من عام 2020، في حين بلغت قيمة التبادلات التجارية غير النفطية خلال عام 2020 نحو 2.6 مليار دولار.

استثمارات مشتركة

على صعيد الاستثمار، تعد دولة الإمارات الوجهة الأولى عربياً للاستثمارات الروسية، وتستحوذ على 90% من إجمالي استثمارات روسيا في الدول العربية، وفي المقابل تعد دولة الإمارات هي أكبر مستثمر عربي في روسيا، وتساهم بأكثر من 80% من إجمالي الاستثمارات العربية فيها.

ويبين الموقع الإماراتي أن رصيد الاستثمارات الأجنبية المتبادلة بين دولتي الإمارات وروسيا يبلغ نحو 1.8 مليار دولار، وحققت الاستثمارات الأجنبية الروسية المباشرة في الإمارات نمواً بنسبة 13% خلال عام 2019 مقارنة بعام 2018.

هذا وتبحث الدولتان دعم التعاون في مجالات الاقتصاد الدائري والاقتصاد الأخضر، وتشجيع مجتمع الأعمال الإماراتي على الاستثمار في روسيا في قطاعات حيوية ومستقبلية مختلفة، منها: الصناعة والطاقة المتجددة والخدمات اللوجستية والفضاء والسيارات والطب وتكنولوجيا الطب والنقل والزراعة والغذاء والعقارات والبنية التحتية والمعادن والتعدين.

كما يطمح الجانبان إلى تعزيز الاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة في روسيا، واستكشاف فرص التعاون في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين الأخضر وتسييل الكربون وحلول الطاقة المتجددة، وأقر البلدان تشكيل مجموعة عمل للتعاون في مجال الطاقة المستدامة.

وفي هذا الإطار أوضح الباحث الاقتصادي الأردني، عامر الشوبكي، أن رغبة موسكو في توقيع التكامل الاقتصادي مع الإمارات واضحة، حيث إن موسكو ومن خلال التكتلات الاقتصادية مؤخراً بدأت بتشكيل تحالفات سياسية واقتصادية في العالم، لتتجاوز شيئاً من المشاكل الاقتصادية التي ألمت بها مؤخراً.

ويبين "الشوبكي"، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن "موسكو ترغب في توسيع تعاونها مع أكبر قدر من الدول، وتحاول استمالة العديد من الدول، وقد تكون منها الإمارات، لتوقيع اتفاقية تكامل اقتصادي معها، كما تسعى لتوقيع تجارة حرة مع مصر وإيران".

ويؤكد الشوبكي أن علاقة الإمارات مع موسكو التجارية ستؤثر سلباً على علاقاتها مع أوروبا وأمريكا، وبالتأكيد ستفكر الإمارات أكثر من مرة قبل توقيع هذا الاتفاق مع الجانب الروسي، لوجود عقوبات كبيرة تقع على الجانب الروسي.

ويشير إلى أن التكامل الاقتصادي سيحقق مجموعة من المكاسب لفائدة البلدين، منها توسيع الأسواق، ومن ثم تتمكن شركات البلدين من تطوير قدراتها التنافسية، وكذلك الحد من الاحتكار من خلال فتح الأسواق الداخلية لكل منهما أمام الأخرى، وهو ما يرفع من الإنتاجية والكفاءة الاقتصادية بين البلدين.

ويلفت الباحث الاقتصادي إلى أن أهمية الإمارات بالنسبة لروسيا تتمثل في كونها موطناً للعديد من أصحاب رؤوس الأموال الروس، وهذا من أهم دوافع موسكو لتوقيع الاتفاقية الاقتصادية.

ملاذ أثرياء روسيا

ومع تزايد العقوبات الغربية على روسيا ازداد اهتمام الأغنياء والأثرياء الروس بدولة الإمارات، التي تتمتع باستقرار سياسي وتتساهل بشأن الشفافية المالية ومصدر الثروات، بحسب موقع القناة الألمانية  (عربية DW).

وفي هذا السياق، أشارت (عربية DW) في تقريرها المنشور في مارس الماضي إلى زيادة حركة الطيران الخاص من موسكو إلى دبي، حيث نقلت صحيفة أوكرانية عن مصادر استخباراتية محلية قولها إن هناك شكوكاً حيال قيام رجال الأعمال الروس من أصحاب المليارات والمقربين من الكرملين ممن يطلق عليهم "الأوليغارش"، بنقل ممتلكاتهم الخاصة إلى دبي بحثاً عن الأمان المالي.

ورصد محققون شاركوا في تحقيق مفتوح المصدر، أن العديد من اليخوت الفاخرة ترسو في دبي نظراً لأن الإمارات لم تطبق العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، ولهذا تحظى هذه اليخوت الفاخرة الباهظة الثمن بحرية وأمان وهي ترسو هناك.

وتلفت القناة الألمانية إلى أنه ورغم العلاقات الأمنية القوية التي تجمع الإمارات والولايات المتحدة والتحالف الاستراتيجي بين البلدين، إلا أن الدولة الخليجية نأت بنفسها عن الانحياز إلى أي طرف في الأزمة الأوكرانية ولم تشارك في فرض عقوبات على روسيا.

وعلى أثر ذلك، أفاد مستشارو إدارة الأعمال الناطقون باللغة الروسية في دبي بتزايد رغبات الحصول على معلومات عن الإمارات من داخل روسيا.

وفي هذا السياق تقول جودي فيتوري، الباحثة في قضايا الفساد والتمويل غير المشروع بجامعة "جورج تاون" الأمريكية، إن هناك "قلقاً متزايداً من أن تصبح دبي ملاذاً آمناً لأموال الأوليغارش الروس".

وتذكر التقارير العديد من الأسباب التي تجعل الإمارات فريدة وجذابة لرجال الأعمال الروس مقارنة بالدول الأخرى، وعلى رأس ذلك أنها لم تنخرط في الجهود المبذولة لعزل روسيا اقتصادياً.

وتضيف خبيرة مكافحة الفساد فيتوري، لـ(DW)، إن الإمارات لديها أيضاً الكثير من الأموال النظيفة، ففيها العديد من الشركات متعددة الجنسيات، وتعمل بشكل قانوني، و"لا أحد يرغب في ضخ استثمارات في مناطق تعج بالأموال القذرة، لأن الجميع يدرك مخاطر ذلك، لذا فإن ما يجعل دبي جذابة للغاية هي قدرتها على الجمع بين الأموال النظيفة والقذرة".