سياسة وأمن » تصريحات

محمد بن زايد رئيسا.. هل ستلتزم الإمارات خطها القديم أم ستجدد المسار؟

في 2022/05/23

المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية - ترجمة الخليج الجديد-

في 14 مايو/أيار الجاري، وبعد وفاة الشيخ "خليفة بن زايد"، تم تعيين "محمد بن زايد آل نهيان" كرئيس جديد للإمارات.

كانت رئاسة "خليفة" التي استمرت 18 عامًا محورية في ضمان استمرار الدولة الإماراتية الشابة والحفاظ على سعي البلاد إلى التنويع الاقتصادي.

ولكن، بعد تعرضه لسكتة دماغية في عام 2014، تراجع الرئيس الراحل عن الحياة العامة، مما جعل "محمد بن زايد" الحاكم الفعلي للإمارات.

لهذا السبب، من غير المرجح أن يؤدي الانتقال السلس للسلطة الذي يحدث حاليًا إلى تغييرات كبيرة على السياسة المحلية والخارجية للإمارات.

على المستوى المحلي، يعتبر صعود "محمد بن زايد" إلى الرئاسة خطوة إضافية نحو تركيز السلطة محليًا، لصالح أبوظبي.

وعلاوة على ذلك، سيكون اختيار ولي العهد الجديد الذي يخلف "بن زايد" أمرًا بالغ الأهمية، لأن اختيار أحد أفراد أسرته الداخلية قد يؤدي إلى مزيد من المركزية.

أما على المستوى الدولي، فسيتعين على الإمارات التوفيق بين شبكة من العلاقات المعقدة مع شركائها الغربيين وروسيا والصين، وهي قضية تعرضت لمزيد من التعقيد بسبب اندلاع الحرب المستمرة في أوكرانيا.

إرث الشيخ "خليفة"

ترى "كورتني فرير"، الزميلة الباحثة في مركز الشرق الأوسط في كلية لندن للعلوم الاقتصادية والسياسية أن الشيخ "خليفة بن زايد آل نهيان"، وهو الابن الأكبر للشيخ "زايد" (المؤسس لدولة الإمارات العربية المتحدة)، قد ساعد على ضمان طول العمر السياسي والاقتصادي للدولة.

وبينما لعب الشيخ "زايد" دورًا محوريًا في جمع الإمارات السبعة المكونة في دولة واحدة، فقد ضمن الشيخ "خليفة" أن هذا كله سيكون مستدامًا.

وأضافت الباحثة أنه تحقيقًا لهذه الغاية، شغل منصب رئيس هيئة أبوظبي للاستثمار، وهو صندوق الثروة السيادية الذي أسسه والده، وساعد في الإشراف على الاستثمارات طويلة الأجل، بالإضافة إلى تأسيس شركة الطيران "الاتحاد" للمساعدة في زيادة التنويع الاقتصادي.

وعلى الصعيد السياسي، أشرف الشيخ "خليفة" أيضًا على المساعدة المقدمة إلى دبي، بمساهمة قدرها 10 مليارات دولار في الإمارة في عام 2009 حين واجهت أزمة ديون.

وهكذا، اقتصاديًا وسياسيًا، كان الشيخ "خليفة" مهمًا للغاية لدعم استدامة الإمارات كدولة؛ ويشهد الانتقال السريع والسلس للسلطة إلى الشيخ "محمد بن زايد آل نهيان" على مدى التنظيم الذي أصبح عليه النظام (الذي يمكن القول أنه مركزي).

خطوة أخرى نحو المركزية

وقال الأستاذ "أندرياس كريج" في كينجز كوليدج لندن، في مبادرة الحوار الشرق أوسطي: "يعد التعيين الرسمي لمحمد بن زايد كرئيس لدولة الإمارات جزءًا من توجه المركزية المستمر والتخلي عن تقسيم السلطة بشكل فيدرالي في الإمارات، والذي كان مستمرًا منذ عقد."

وأضاف: "مع احتكار أبوظبي لجميع مجالات السلطة في البلاد منذ أواخر العقد الأول من القرن العشرين، فإن وزنها غير المتناسب داخل الاتحاد جعل تصويت المجلس الأعلى الفيدرالي لبن زايد مجرد شكليات. تنتقل أسرة آل نهيان الآن حقًا من كونها العائلة المالكة لأبوظبي إلى كونها العائلة المالكة للإمارات."

ثم تابع قائلًا: "سيكون العنصر الأكثر إثارة للدهشة في هذا الانتقال هو كيفية تقرير مسألة الخلافة داخل العائلة المالكة. بعض إخوة محمد بن زايد مثل طحنون بن زايد لديهم طموحات ليصبحوا ولي العهد بينما كان محمد بن زايد يهيئ ابنه خالد لتولي محافظ قوية في البلاد."

من سيكون ولي العهد القادم؟

تقول "سينزيا بيانكو" زميلة الأبحاث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "إن صانعي القرار في الإمارات ليسوا في عجلة من أمرهم لاختيار ولي العهد، لكن الأسر الحاكمة في الإمارات السبعة تجري بالتأكيد مناقشات حول هذا التعيين وتنظر في بعض الخيارات."

وأضافت: "سيكون أوضح الخيارين هو ترشيح ابن محمد بن زايد، أيّ خالد بن محمد بن زايد، أو شقيق محمد بن زايد؛ طحنون بن زايد. طحنون مستشار بارز للأمن القومي وكان في طليعة بعض السياسات الإماراتية محليًا، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الأوسع. لهذا السبب، يُنظر إلى طحنون - عن صواب أو خطأ - على أنه أقل تشددًا أيديولوجيًا وصرامة من محمد بن زايد، وأنه مدفوع إلى حد كبير بالأمان والسياسة الواقعية."

ثم أردفت الباحثة قائلة: "علاوة على ذلك، سيكون اختيار خالد بن زايد منعطفًا كبيرًا نحو فرط تمركز السلطة في أيدي عائلة محمد بن زايد الداخلية. قد يكمن حل التسوية في اختيار ولي عهد قانوني وولي عهد فعلي في البداية."

رؤية "بن زايد" للإمارات

وفق ما تراه "كريستين سميث ديوان"، الباحثة المقيمة في معهد دول الخليج العربي في واشنطن فإن "محمد بن زايد" قد وضع بصمته بالفعل على السياسة، سواء داخل الإمارات أو في المنطقة، وصعوده سيعزز فحسب سيطرته على توجيه سياسة الإماراتية ونشر العديد من أدواتها - الدبلوماسية والعسكرية والمالية - لتوسيع النفوذ الإماراتي.

وأضافت: "مثلما كانت دبي الأولى في إدراك العوائد الاقتصادية لتصبح المحور الإقليمي للخدمات اللوجستية والتجارة، أدرك بن زايد العوائد الاستراتيجية لأن يصبح المحور الإقليمي للدبلوماسية والأمن. ومع القيام بذلك، نقل طموحات الإمارات من الخليج لتصبح قوة خليجية ذات علاقات تمتد شرقًا إلى آسيا وغربًا إلى إفريقيا. مع هذه الرؤية الموسعة، جاءت شراكات جديدة، غالبًا ما تفوق التحالفات التقليدية."

ثم تابعت قائلة: "في الفترة الحالية، حولت الإمارات تركيزها التنافسي من التفوق العسكري إلى التفوق الاقتصادي والاستراتيجي. وتعد إسرائيل محورية في هذه اللعبة الجديدة، حيث توفر التكنولوجيا والفرص التجارية، بينما تعمل كجسر لتكتلات استراتيجية جديدة، مثل رباعي I2-U2 مع الولايات المتحدة والهند. ولكن يبدو أن منافسة القوى العظمى بين الولايات المتحدة وروسيا والصين هي أكبر عقبة أمام طموحات بن زايد الواسعة المبنية على اتصال السوق العالمي داخل عالم متعدد الأقطاب."

تحديات تعدد التحالفات

ترى "إيلانورا أرديماجني" الباحثة الزميلة في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية أنه بالنسبة لعالم السياسة الخارجية، من المتوقع أن تتبع رئاسة "محمد بن زايد" خطواته عندما كان الرئيس الفعلي: الاستراتيجيات الطموحة، والترويج للبلاد، والقوة العالمية الناعمة، والتحالفات المتنوعة. ومع ذلك، فبعد الغزو الروسي لأوكرانيا وتداعياته، تغير السياق الدولي بسرعة.

هذا يعني أن النموذج الاقتصادي لما بعد النفط (القائم على التجارة والاتصال) لديه الكثير ليخسره في سيناريو يتسم بالتكتلات الجيوسياسية والعقوبات.

لا ترغب الإمارات في اختيار جانب بين القوى العالمية (الولايات المتحدة، الصين، روسيا)، حيث دعم تنوع تحالفاتها بشكل غير مباشر أهدافها الوطنية حتى الآن.

وبالنسبة للإماراتيين (والسعوديين)، فإن الطريقة الوحيدة للحفاظ على تحالفاتها المتعددة - دون إزعاج الولايات المتحدة - هي ترقية العلاقات مع واشنطن.

ومن المؤكد أن هذا اهتمام الولايات المتحدة أيضًا؛ فالوفد الأمريكي رفيع المستوى الذي سافر إلى أبوظبي للعزاء في الرئيس الراحل، يظهر أن المحادثات ربما تكون قد بدأت بالفعل.